أمور ثلاثة خافها النبي صلى الله عليه وسلم على أمته (خطبة)

منذ 2024-12-10

١- خطورة الرياء. ٢- خطورة اللسان. ٣- خطورة انفتاح الدنيا.

 

رمضان صالح العجرمي

الهدف من الخطبة:

عرض تشويقي في التحذير من هذه الأمور، مع بيان أسباب النجاة منها في نقاط مختصرة.

 

مقدمة ومدخل للموضوع:

فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخاف على أُمَّتِه ما يفسد عليها دينها ويُعرِّضها للعذاب في الآخرة، وذلك لكمال نصحه وشفقته على أُمَّتِه؛ كما قال الله تعالى: {﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾} [التوبة: 128].

 

ولا شكَّ أنه صلى الله عليه وسلم هو أعلمُ الناس بما يضرُّ وينفع؛ فهيَّا بنا نتعرف على هذه الأمور التي خافها علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ لكي نعرف خطورتها، ونعرف أيضًا أسباب النجاة منها.

 

الأمر الأول: ما رواه الإمام أحمد من حديث محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ))، قالوا يا رسول الله: وما الشرك الأصغر؟ قال: ((الرِّياءُ))» .

فالشرك قسمان:

1- شرك أكبر لا يغفره الله أبدًا لمن مات عليه، ويحبط جميع الأعمال مهما كثرت، ويحرم صاحبه من الجنة، ويوجب الخلود في النار.

2- وشرك أصغر وهو أيضًا قسمان:

• شرك ظاهر، ويكون في الأقوال، وفي الاعتقادات، وفي الأفعال.

• وشرك خفي، وهو الرياء الذي خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أُمَّتِه.

ومعناه: مشتق من الرؤية، وهو طلب المنزلة عند الناس بإظهار عمله لهم، ويُوضِّحه النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي سعيد الخُدْري مرفوعًا عند أحمد وغيره: « ((ألَا أخبرُكم بما هو أخوفُ عليكم عندي من المسيحِ الدَّجَّال؟)) قالوا: بلى، قال: ((الشِّركُ الخفيُّ، يقوم الرجلُ فيُصلِّي فيُزيِّن صلاته لما يرى من نظر رجل إليه))» .

وحقيقته: أن يعمل الإنسان العمل من أجل أن يراه الناس فيمدحوه.

ومن علاماته: أن ينشط الإنسان في العمل إذا كان يراه الناس، وإن كانوا لا يرونه ترك العمل.        

وترجع خطورة الرياء إلى:

1- أن الله تعالى ذمَّ المرائين في كتابه؛ كما قال تعالى: { ﴿ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ﴾} [الماعون: 6]، وقال تعالى عن المنافقين: {﴿ يُرَاءُونَ النَّاسَ ﴾} [النساء: 142].

 

2- وبيَّن الله تعالى أنه لا يقبل أعمال المرائين؛ كما في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: «((يقول الله عز وجل: أنا أغْنَى الشُّركاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عمِلَ عملًا أشركَ فيه معي غيري تركتُه وشركه))» .

 

3- وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن أوَّلَ من تُسَعَّر بهم النار هم ثلاثة نفر كانوا يفعلون أبوابًا عظيمة من أبواب الخير؛ لكنهم يفعلونها طلبًا لمدح وثناء الناس: (( «قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ» .........))؛ الحديث.

 

وعلاج ذلك بأن تخلص لله تعالى في جميع أقوالك وأفعالك؛ كما قال تعالى: { ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ ﴾} [البينة: 5]، وقال تعالى: {﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾ } [الزمر: 2]، فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا له سبحانه وتعالى؛ فقد روى النسائي عن أبي أمامة، قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا شيءَ له)) وأعادها ثلاث مرات، ثم قال: ((إنَّ اللهَ لا يقبل من العملِ إلَّا ما كان له خالصًا وابتُغي به وجْهُه))» .

ومِمَّا يُعين على الإخلاص:

(أ) أن تسأل الله تعالى أن يرزقك الإخلاص، وأن يُطهِّر أعمالك من الرياء.

(ب) أن تُعظِّم الله تعالى في قلبك حتى لا يتعاظم غيرُه في قلبك.

(ج) أن تجعل لك خفايا من الأعمال لا يطَّلِع عليها أحدٌ إلا الله تعالى.

(د) أن تعلم أنه ليس أحدٌ ينفعُ مدحُه أو يضرُّ ذمُّه إلَّا الله تعالى.

(هـ) أن تقطع الطمع فيما عند الناس وتُعلِّق القلب فيما عند الله تعالى من ثواب وجزاء وأجر عظيم ونعيم مقيم.

أمَّا الخطر الثاني، والأمر الثاني الذي خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أُمَّتِه: ما جاء في حديث سفيان الثقفي الذي رواه الترمذي وفيه قال: قلتُ: يا رسولَ الله، ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: ((هذا))، فإن أكثر ذنوب ابن آدم من لسانه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكثرُ خطايا ابن آدم في لسانه))، وسُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخِل الناس النار، فقال: ((الفَمُ والفَرْجُ)).

وإذا أردت معرفة خطورة اللسان فتأمَّل معي هذه الأحاديث الصحيحة؛ ففي حديث معاذ بن جبل الطويل وفيه: «((...أَلا أُخبِرُكَ بِملاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟)) قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِلِسَانِهِ وَقَالَ: ((كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا))، فقال معاذ: يانَبِيَّ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَو قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِمْ؟))، وفي الحديث الصحيح: ((إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللهِ لا يُلقي لها بالًا يهوي بها في نارِ جهنَّمَ))، وفي رواية: ((إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ ما يَتَبَيَّنُ ما فيها يَهْوِي بها في النَّارِ أبْعَدَ ما بيْنَ المَشْرِقِ والْمَغْرِبِ))، وفي حديث المرأة الصوَّامة القوَّامة وهي في النار قال: ((كانَتْ تُؤذي جيرانَها بلسانِها))» .

وأمَّا سبيل النجاة من هذا الخطر العظيم؛ فيتلخَّص في وصية موجزة من النبي صلى الله عليه وسلم: «((مَن كانَ يُؤْمِنُ باللهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيصْمُتْ))» ، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:  «قلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما النَّجاةُ؟ قال: ((أمسِكْ عليكَ لسانَكَ، وليسعْكَ بيتُك، وابْكِ على خطيئتِكَ))» ، مع الدعاء والانشغال بما ينفع.

نسأل اللهَ العظيمَ أن يرزقنا الإخلاصَ، وأن يُعيذَنا من شرور ألسنتنا.

الخطبة الثانية

أمَّا الخطر الثالث الذي خافه علينا النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو: انفتاح الدنيا؛ لأن انفتاحها سيشغل كثيرًا من الناس عن العمل لآخرتهم، ويورث التنافس فيها لحيازة النصيب الأكبر؛ مما يفضي إلى الاختلاف والتنازُع بسبب الحسد والظلم والعدوان؛ ففي الصحيحين عن عمرو بن عوف الأنصاري في قصة قدوم أبي عبيدة بن الجرَّاح بمال البحرين وسمعت الأنصار بقدومه، فوافت صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآهم قال: «((فوالله، ما الفقرُ أخشى عليكم؛ ولكن أخشى عليكم أن تُبْسَط عليكم الدنيا كما بُسِطَتْ على مَن كان قبلكم، فَتَنافَسُوها كما تنافَسُوها، وتهلككم كما أهلكتهم))» ، وفي الصحيحين أيضًا عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: «جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله، فقال: ((إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم ما يخرج الله لكم من زهرةِ الدُّنْيا))، قالوا: وما زهرةُ الدنيا يا رسول الله؟ قال: ((برَكاتُ الأرضِ))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَقْرَ؛ وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمُ التَّكَاثُرَ، وَمَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْخَطَأَ؛ وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْتعَمُّدَ))» ؛ [رواه أحمد والبيهقي].

 

فإن الناس في حال الفقر والشِّدَّة يكون بينهم ترابطٌ ومحبَّةٌ وإيثارٌ؛ لكن إذا زاد المال وانفتحت الدنيا يكون التنافس والتفرُّق والحسد والبغضاء والعداوة، وكل ذلك يُفضي إلى الهلاك؛ بل ربما يصل به انفتاح الدنيا إلى الطغيان؛ كما قال الله تعالى: { ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾} [الكهف: 35].

 

وسبيل النجاة من خطر فتنة الدنيا يكون بالزهد فيها، والنظر إليها بعين الزوال؛ ومما يعين على ذلك:

1- معرفة واستحضار سرعة تقلُّبها، وأنها فانية، وأن نعيمها زائل؛ كما قال تعالى: {﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾} [الحديد: 20]، وقال تعالى: {﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ ﴾} [آل عمران: 185]، وفي الحديث الصحيح: «((ما لي وما للدنيا ما أنا في الدُّنْيا إلا كراكبٍ استظَلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وتركَها))» .

 

2- معرفة واستحضار ما في الإقبال على الدنيا من التعب والنَّصَب في الدور الثلاثة:

• ففي الدنيا؛ فإنه لا يرتاح في أكل ولا نوم طلبًا للدنيا.

 

• وأمَّا في القبر؛ فأي شقاء من أن يموت ويُفارق كل شيء: {﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ﴾} [سبأ: 54].

 

• وأما في الآخرة؛ فإنه يترك كل شيء، ويحاسب على كل شيء {: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾} [الأنعام: 94].

 

3- معرفة واستحضار حقارة الدنيا عند الله تعالى، وأنها لا تساوي شيئًا؛ ففي حديث جابر عندما مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على جَدْيٍ أسَكَّ ميتٍ، فقال: «((فوالله للدُّنْيا أهْوَنُ عليَّ من هذا عليكم))» ، وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «((لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ))» ؛ [رواه الترمذي بسند صحيح].

 

٤- معرفة واستحضار أنها مذمومة ملعونة؛ كما في سنن الترمذي وغيره عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «((أَلا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا؛ إِلَّا ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالاهُ، وَعَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا))» .

 

5- معرفة واستحضار أن الآخرة خيرٌ وأبقى، وأن الذي يقدم الدنيا على الآخرة هو في الحقيقة من أسفه الناس؛ كما قال تعالى: {﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾} [الأعلى: 16، 17]، وفي الحديث الصحيح: «((مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَاذَا يَرْجِعُ))» .

 

وتأمَّل هذا الخبر الصحيح: «((يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا بْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ، هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ، فَيَقُولُ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا بْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ، هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ، فَيَقُولُ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، مَا مَرَّ بِي بُؤسٌ قَطُّ، وَلا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ))» ؛ [رواه مسلم].

 

نسأل الله العظيم ألَّا يجعل الدنيا أكبرَ هَمِّنا ولا مبلغَ عِلْمِنا.

 

  • 2
  • 0
  • 118

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً