سوريا ما بعد الأسد: خريطة القوى والنفوذ والمصالح

منذ 2024-12-19

مَثـَّل السقوط السريع لنظام الأسد في سوريا الكثير من التحديات داخليا وخارجيا وخلط العديد من الأوراق في المنطقة، الأمر الذي دفع إلى تحول كبير وعميق للقوى الفاعلة إقليميا ودوليا تتقاطع فيه المصالح وتتصادم فيه الاستراتيجيات.

في خضم مشهد سياسي متشابك وأحداث متسارعة، يدخل المشهد السوري منعطفًا جديدًا بعد رحيل بشار الأسد عن السلطة، وغياب العائلة الأسدية بعد أكثر من 50 عامًا عن سدة الحكم، ليكشف عن صراع يتجاوز كونه نزاعًا داخليًا إلى ساحة مفتوحة تتقاطع فيها المصالح الإقليمية والدولية، فالانهيار المفاجئ للنظام واندلاع صراعات السيطرة بين فصائل المعارضة والقوى الأجنبية يثير تساؤلات مصيرية: هل ستتمكن القوى الصاعدة، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، من صياغة مستقبل مستقر لسوريا أم أن البلاد ستظل عالقة في دوامة الفوضى؟، هذا التحول الحاسم لا يقتصر أثره على الداخل السوري، بل يعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية في الشرق الأوسط كله، تاركًا المجال مفتوحًا أمام تحديات هائلة وفرص محدودة لحكم فعّال وهدوء مستدام.

معادلة جيوسياسية معقدة

لا شك أن انهيار نظام بشار الأسد يمثل لحظة فاصلة في السياسة في الشرق الأوسط، لقد كان التفكك السريع للنظام أمرًا لا يمكن تصوره بالنسبة للكثيرين، ومع ذلك فقد تحقق في أقل من أسبوعين عندما اجتاحت قوات المعارضة مساحات شاسعة من البلاد، هذا الحدث الزلزالي لا يعيد تشكيل الديناميكيات الداخلية لسوريا فحسب، بل يمهد الطريق أيضًا لمرحلة جديدة من الجغرافيا السياسية الإقليمية، فالفروق الدقيقة في سقوط الأسد، وصعود تحالفات قوى المعارضة، والتفاعل المعقد بين الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية تستحق فحصًا أعمق لفهم التحديات والإمكانيات في حقبة ما بعد الأسد في سوريا.

فبعد سقوط نظام الأسد لا زالت تعتري سوريا الكثير من التحديات، فوجود الأكراد في الشمال، والضغوط الصهيونية والبنية التحتية المدمرة تشكل عقبات كبيرة أمام إعادة الاستقرار بسرعة، فالمعارضة السورية تحتاج إلى تمتين وحدتها، يُضاف إلى ذلك معضلة إعادة الإعمار، فقد دمرت سنوات الحرب البنية التحتية في سوريا، مما ترك البلاد بمهمة ضخمة تتمثل في إعادة البناء والتي من المتوقع أن تستغرق عقودًا وتكلف مليارات الدولارات، ناهيك عن أن تنظيم داعش ما زال موجودا داخل سوريا وهناك مؤشرات عن بدأ استغلاله من قبل إيران الخاسر الأكبر من سقوط نظام الأسد.

 

كان بقاء الأسد خلال معظم فترة القتال مع المعارضة يرجع إلى حد كبير إلى تدخل قوى خارجية مثل روسيا وإيران وحزب الله، لقد ساعدته القوة الجوية الروسية والميليشيات الإيرانية على استعادة الأراضي

لماذا انهار النظام؟

لقد اعتمد نظام بشار الأسد لفترة طويلة على مزيج من القمع والدعم الأجنبي ورعاية النخبة للحفاظ على السلطة، ومع ذلك، بحلول عام 2024م، اتسعت الشقوق في هذا الأساس بشكل لا يمكن إصلاحه، وقد ساهمت عدة عوامل رئيسية في انهيار هذا النظام، أهمها:

التدهور الاقتصادي:

لقد دمرت سنوات من العقوبات الدولية والفساد المستشري وفقدان القدرة على الوصول إلى المناطق الغنية بالنفط والدمار الشامل الناجم عن الصراع، الاقتصاد السوري بشكل كبير، وكانت البنية الأساسية والصناعات والخدمات العامة في حالة يرثى لها.

تآكل التماسك العسكري:

كان الضغط المالي محسوسًا بشدة داخل الجيش السوري، حيث كان الجنود يتقاضون أجورًا زهيدة وتجهيزات رديئة، وقد أدى هذا التدهور الاقتصادي إلى استنزاف الروح المعنوية بين أنصار الأسد وتآكل تماسك الجيش العربي السوري، وكانت النتيجة لذلك هو تفكك الجيش السوري، الذي أضعفته بالفعل سنوات من الاستنزاف والانشقاقات، في مواجهة هجوم المعارضة، فترك الجنود مواقعهم، واستسلموا جماعيًا، أو فروا من البلاد.


ميليشيات الشبيحة:

اعتمد الأسد بشكل متزايد على الميليشيات وسماسرة السلطة المحليين للحفاظ على قبضته على السلطة. ومع ذلك أثبتت هذه القوات المجزأة والمنظمة بشكل سيئ، والتي اتسمت بالافتقار إلى التماسك والتدريب والانضباط، أنها غير مستقرة للغاية، حالة عدم الاستقرار تلك كانت واضحة للغاية عند انهيارها السريع، وخسارة مدن رئيسية مثل حلب وحمص، وهي مركز لوجستي بالغ الأهمية، وسقوط هذه المدن وجّه ضربة حاسمة لنظام الأسد، وقطع وصوله إلى المعاقل الساحلية وتعطيل الممر البري الاستراتيجي لإيران إلى حزب الله في لبنان، ونتيجة لذلك تم إعاقة قدرة النظام على شن دفاع موثوق به بشكل فعال.


الاعتماد المفرط على الأجانب:

كان بقاء الأسد خلال معظم فترة القتال مع المعارضة يرجع إلى حد كبير إلى تدخل قوى خارجية مثل روسيا وإيران وحزب الله، لقد ساعدته القوة الجوية الروسية والميليشيات الإيرانية على استعادة الأراضي، لكن هذا الاعتماد على القوات الأجنبية كشف عن ضعف النظام، وبحلول عام 2024، واجهت كل من روسيا وإيران ضغوطهما الداخلية والخارجية - روسيا مع حرب أوكرانيا وإيران مع التوترات الإقليمية المستمرة - مما جعلهما غير قادرين على دعم الأسد كما كانا في الماضي.


صعود قوى المعارضة:

كان هجوم قوى المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام والذي أطاح بالأسد مبني على إطار مؤسسي قوي وتكتيكات متطورة، وقد اتضح ذلك من خلال القدرة على التنسيق مع الفصائل الأخرى، وهو مكّن المعارضة من استغلال نقاط ضعف النظام، وعلاوة على ذلك على الرغم من أن تركيا لم تعترف علنًا بدعمها للمعارضة، فإن نفوذها لا يمكن إنكاره.

 

ذلك فسقوط نظام الأسد جعل فموقف طهران صعبًا، وهذا ما سيجعلها تعيد حساباتها وتحاول الرجوع مرة أخرى لسوريا والبحث عن أذرع جديدة داخل سوريا تعيق الوصول لمرحلة الاستقرار.


خريطة المصالح:

سقوط الأسد شكل لكثير من القوى الإقليمية والدولية العديد من التحديات، فبينما تسعى الدول الغربية لتقليص نفوذ روسيا وإيران في سوريا ووقف المجازر التي يتم ارتكابها هناك، فإن معظم هذه الدول لا ترغب في رؤية نظام إسلامي يتولى السلطة بدلاً من الأسد، يمكن قراءة خريطة المصالح في سوريا الجديدة بعد الأسد على النحو التالي:


إيــران:

استثمرت إيران بشكل كبير في بقاء الأسد واستخدمت إيران سوريا كجسر استراتيجي لتعزيز نفوذها الإقليمي، من خلال وكلائها مثل حزب الله، ومع ذلك فإن انهيار النظام وسيطرة المعارضة على البلاد يضع هذا الاستثمار في خطر كبير، ويتزايد هذا الخطر ليشمل حزب الله أيضا، لا سيما بعد أن أضعفته المواجهات المستمرة مع إسرائيل مؤخرًا، ما أجبره على سحب معظم قواته من سوريا للتركيز على الحدود اللبنانية، ويزداد الأمر سوءًا مع سقوط نظام الأسد حيث سيؤدي ذلك إلى تعطيل طرق الإمداد الإيرانية بشكل أكبر، وهو ما اعترف به الأمين العام للحزب نعيم قاسم بالفعل في تصريحاته الأخيرة، وعلى ذلك فسقوط نظام الأسد جعل فموقف طهران صعبًا، وهذا ما سيجعلها تعيد حساباتها وتحاول الرجوع مرة أخرى لسوريا والبحث عن أذرع جديدة داخل سوريا تعيق الوصول لمرحلة الاستقرار.


إسرائيل:

في حين أن سقوط الأسد يضعف محور إيران وحزب الله، فإن صعود فصائل المعارضة الإسلامية السُنية بالقرب من حدود إسرائيل في مرتفعات الجولان يفرض تحديات جديدة، وعلى الرغم من أن نظام الأسد لم يشكل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل، فإنه سمح لإيران باستخدام الأراضي السورية كقاعدة لنقل الأسلحة إلى حزب الله، ومع ضعف حزب الله نتيجة التصعيد الأخير مع إسرائيل، استفادت المعارضة من هذا الوضع لتعزيز هجماتهم على النظام، لكن الديناميكيات طويلة الأجل لا تزال غير مؤكدة، ولا شك أن إسرائيل سوف تحتاج إلى موازنة مصالحها بعناية مع تطور المشهد السياسي في سوريا، لكن بشكل عام فإن إزاحة الأسد عن السلطة استغلتها تل أبيب في إنشاء مناطق عازلة لحماية مصالحها.


روســيا:

منذ تدخلها العسكري في سوريا في عام 2015م، أصبحت روسيا الحليف الأبرز لنظام الأسد، حيث لعبت دورًا حاسمًا في استعادة السيطرة على مدن رئيسية مثل حلب، وكانت سوريا محورًا استراتيجيًا لها في الشرق الأوسط، حيث وفرت لها الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط ​​​​عبر قاعدتها البحرية في طرطوس، ومع ذلك فإن الحرب في أوكرانيا استنزفت موارد موسكو، ما أثّر سلبًا على قدرتها على دعم النظام السوري بشكل فعال، وتعتبر خسارة سوريا تهديدًا استراتيجيًا كبيرًا لروسيا، حيث إنها تُضعف مكانتها كقوة عظمى في المنطقة، ويضر بمصداقيتها كحليف، كما يعقّد طموحات روسيا الإقليمية ويثير تساؤلات حول مستقبل وجودها العسكري في المنطقة، لقد استخدمت روسيا سوريا كرأس جسر للحفاظ على وجودها في أفريقيا، وخسارة هذه النقطة القوية من شأنها أن يكون لها تأثير مدمر على عملياتها في ليبيا والسودان ومنطقة الساحل، وسيعمل الكرملين على تعويض خسائره في سوريا من خلال زيادة وجوده في تلك البلدان الأفريقية، ولكن هذا سينجح في ذلك؟.


تـركـيا:

لطالما دعمت تركيا المعارضة السورية منذ فترة طويلة، كجزء من استراتيجيتها لمواجهة القوات الكردية في شمال شرق سوريا، وفي نفس الوقت كانت تسعى أنقرة للحفاظ على علاقات مستقرة مع نظام الأسد، وقد دفعها التقدم الأخير للمعارضة إلى تقديم الدعم لها لتكتسب نفوذًا في تشكيل مستقبل سوريا، لا سيما وأنها من جهة أخرى تسعى إلى معالجة ملف اللاجئين السوريين داخل أراضيها، ومعارضتها للحكم الذاتي الكردي، وهو ما يجعل الوضع السوري دائما أولوية قصوى في سياستها الخارجية.


الولايات المتحدة:

لقد قلصت الولايات المتحدة مشاركتها المباشرة في سوريا، وأعادت تركيز جهودها على الاستفادة من الشراكة الاستراتيجية مع إسرائيل لتقييد أنشطة إيران، وحماية المناطق الحيوية المنتجة للنفط، ومع رحيل الأسد، تواجه واشنطن معضلة التعامل مع صعود هيئة تحرير الشام، كما أن إحجام واشنطن عن الانخراط بعمق يترك فراغًا يمكن لقوى أخرى أن تملأه، في مقدمتها تركيا. في عهد بايدن؛ اتسم النهج الأمريكي بالاستمرارية الحذرة بدلاً من الاستراتيجية التحويلية، ففي حين حافظ على وجود عسكري محدود في شرق سوريا، أعطى بايدن الأولوية لخفض التصعيد وامتنع إلى حد كبير عن المبادرات الجديدة المهمة، وقد ترك الانخراط المحدود للإدارة فراغًا كثفت فيه الجهات الفاعلة المتنافسة الأخرى أنشطتها، ومن المرجح أن يعكس دونالد ترامب هذا النهج تجاه سوريا في ظل ما يتشكل من الحقائق الجديدة على الأرض، وتشير أفعاله السابقة إلى التركيز على النتائج الفورية بدلاً من الاستراتيجية الشاملة، ومع ذلك فإن تاريخ ترامب من القرارات المفاجئة وتأكيده على الانسحاب من "الحروب التي لا تنتهي" قد يدفع أيضًا إلى مزيد من خفض التدخل العسكري الأمريكي.


الدول العربية:

يمثل تقدم المعارضة السورية وصولها إلى السلطة اختبارًا فعليًا لالتزام الدول العربية بمستقبل سوريا، ففي ذروة الحرب الأهلية السورية، قطعت العديد من الدول العربية السنية علاقاتها مع النظام ودعمت جماعات المعارضة للإطاحة به، لكن تغيرت الأمور مع صمود الأسد واستعادته السيطرة على معظم الأراضي السورية بمساعدة روسيا وإيران، وفي ظل العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، أصبحت البلاد ملاذًا لصناعة المخدرات، ومع ذلك فقد قادت بعض الدول العربية جهود إعادة تأهيل النظام السوري، وأعيدت سوريا إلى جامعة الدول العربية في عام 2023م، على أمل أن إعادته إلى الحاضنة العربية سيغيّر من سياساته.


مستقبل مجهول:

ما حدث مؤخرًا في سوريا يذكرنا بأن التغييرات في أوقات الاضطرابات الجيوسياسية الكبرى قد تكون غير متوقعة ومفاجئة، فالأنظمة التي بدت مستقرة نسبيًا قد تنهار في غضون أيام، وكل الجهات الفاعلة تفحص الأفق للاستفادة من اختلال التوازن ولحظات عدم الاستقرار، وواهم من يظنّ أن الاضطرابات في الشرق الأوسط على وشك الانتهاء، وستظل الثورة السورية على نظام عائلة الأسد القمعي رمزا لعجز المجتمع الدولي عن معالجة الصراعات المعقدة والمتعددة الأوجه بشكل فعال، فسيطرة المعارضة لا تسلط الضوء على هشاشة النظام السوري المجرم فحسب، بل توضح أيضا كيف يمكن للجهات الفاعلة الإقليمية استغلال لحظات التحول الجيوسياسي، حيث تتشابك المصالح الإقليمية والدولية في تعقيد المشهد، ومع سيطرة المعارضة على المشهد السياسي، تبقى التساؤلات حول مستقبل البلاد مفتوحة على جميع الاحتمالات؛ فهل ستتمكن القوى الإقليمية والدولية من التوصل إلى توافق يضمن استقرار سوريا؟

_______________________________________________
الكاتب: أحمد مصطفى الغر

  • 2
  • 0
  • 150
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    سوريا الحرة وسوريا الأسد! • هبَّ أن النظام النصيري سقط الآن، ما هو نظام الحكم الذي ستطبقه الفصائل في "سوريا الحرة؟" إن قلتَ الشريعة، فأنتَ لا تعرف الثورة! أو لا تعرف الشريعة! وإن قلت "مجلس انتقالي" و "دستور وطني"، فمع من كانت مشكلة "الثوار" إذن؟ مع عائلة الأسد؟! في السياسة البغيضة لا يمكن فهم الأحداث خارج نطاقها الزماني والمكاني، والتصعيد الأخير من قبل الصحوات، لا يمكن فهمه بمعزل عن سياقه الزماني بعد "اتفاق لبنان" وتولد رغبة دولية بإخراج إيران من المشهد السوري، وكذلك بعد تعثر الحوار السياسي بين الأسد وأتاتورغان، ما دفع الأخير إلى مخاطبة الأسد وحلفائه من خلف لثام الفصائل وبياناتهم السياسية، وعبر فوّهات بنادقهم المأجورة. كما لا يمكن فهم هذا التصعيد بمعزل عن سياقه المكاني ممثلا بالشمال السوري الذي تريد تركيا اقتطاع جزء منه منطقة عازلة تحمي حدودها وتمكنها من إعادة النازحين إليها. معلوم أن "التحالف الدولي" الذي تديره أمريكا، تشارك فيه تركيا كبيدق رئيس، وتدير بدورها بيادق أصغر، تتنافس فيما بينها في كسب رضا الراعي الدولي أو المشغل الإقليمي، ويحاول كل بيدق أن يقدّم نفسه فاتحا "محررا" للسوريين، وسياسيا "متحررا" للداعمين. إنها حرب بالوكالة بين "البيادق التركية" التي تحرك تركيا بعضها، وتغض الطرف عن بعضها، وبين "الأذرع الإيرانية" لتحصيل مكتسبات أفضل على طاولة "أستانا" أو "الدوحة" أو أي طاولة ترسم خارطة "سوريا المستقبل". "سوريا المستقبل" أو "الحرة" التي تسعى الصحوات إليها، سبق أن جلاها قادة الدولة الإسلامية في خطاباتهم قبل سنوات طويلة، واليوم تظهر معالمها الجاهلية واضحة في بيانات الهيئات المرتدة التي طغت عليها لغة الطمأنة للنظام الدولي، و "التعايش" مع "الأقليات" الوثنية والباطنية كالعلوية والإسماعيلية والإيزيدية!، ناهيك عن النصرانية، بل ذهبت هيئات الردة أبعد من ذلك عندما خاطبت روسيا الصليبية بصفتها "شريكا محتملا في بناء مستقبل مشرق لسوريا الحرة!" وخاطبت الحكومة العراقية الرافضية بلغة "التفاهم والتعاون الأخوي!". إنها ثورة جاهلية تسعى إلى" ترسيخ مفهوم الدولة"، وقطعا يقصدون بها "الدولة المدنية"، التي حاربوا لأجلها الدولة الإسلامية، إنها ثورة وليست جهادا في سبيل الله، ثورة تحرُّرية من "نظام قمعي" يستأثر بالسلطة، بغية الوصول إلى نظام آخر "ديمقراطي" يتقاسم السلطة، هذه هي مفاهيم وأبجديات الثورات، وهذه هي شكل "سوريا الحرة" بعد حقبة "سوريا الأسد!" تتلخص في إسقاط تمثال قبيح وبناء آخر على أنقاضه بوجه حسن! التفسير الشرعي لما يجري، لا يخرج عن سنة التدافع العادلة ، فكما رأينا التدافع في الصراع "اليهودي - الرافضي"، ها نحن نرى التدافع في الصراع "الوطني النصيري"، ولا شك أن هناك فرحة عارمة بين عامة المسلمين للتخلص من قبضة النظام النصيري وهذا طبيعي ومبرر حاليا، لكن خروج المناطق من قبضة النصيرية وسقوطها في قبضة تركيا العلمانية وفصائلها الوطنية لا يعني الانعتاق من شرنقة الجاهلية، وإنما الانتقال إلى حقبة جاهلية أخرى. بالمحصلة، فالحدث برمته لم يخرج عن نطاق الرغبة الدولية والنظام الدولي الذي صارت مصالح "الجهاديين والثوريين" لا تتقاطع إلا معه! لكن لما كان زحف الدولة الإسلامية قبل سنوات خلافا لرغبة النظام الدولي، سارعوا إلى تشكيل أكبر تحالف صليبي جاهلي في التاريخ لوقف زحف الخلافة الهادر الذي جاء على غير ما يتوقعون ويشتهون، ومع ذلك وصفوها بأنها "مؤامرة" عالمية كونية صنعتها أمريكا واليهود وإيران وروسيا وكل مخابرات العالم ولسنا في موضع نقارن به مشروع دولة الإسلام بمشاريع الجبهات والهيئات الوطنية القُطرية، فإن الذي بيننا وبينهم لمختلف جدا، ولكن نذكر بأن جيوش الخلافة في البوادي والأرياف لم توقف قتالها للنظام النصيري يوما، ولم تُذل خيولها. ولئن كان تحرك الصحوات متوافقا متقاطعا مع مصالح الحلف اليهودي الأمريكي، فإن الدولة الإسلامية يوم زحفت كان زحفها وما يزال مخالفا معارضا لكل الرغبات والمصالح الأمريكية اليهودية، حتى وصل زحفها نحو "أربيل" و "كوباني" حدائق اليهود الخلفية، فتداعى التحالف الجاهلي بكل أطرافه يتصارخون: اليهود اليهود أدركوا اليهود وانكبت طائرات الأرض تصب حممها لوقف هذا الزحف الهادر، وتكرر الأمر عندما زحف المجاهدون نحو أسوار بغداد، فانصهر الروم مع الفرس جيشا واحدا يقاتل ويذب عن بغداد خشية أن تعود دارا للخلافة، فكان زحف الدولة الإسلامية خلافا لكل الرغبات الدولية ومفارقة لا التقاء لكل المصالح الدولية ومع ذلك اتهمت بالعمالة لكل أقطاب الأرض! (سنوات خداعات.. يؤتمن فيها الخائن ويخوّن فيها الأمين). ولكن فليسمع جنودها وأنصارها قبل خصومها وأعدائها، إنه والله لا يضير دولتكم مدحها أو ذمها فقد استويا عندها، ولم تطلب يوما لقاء جهادها جزاء أو شكورا من أحد، ولئن كانت سجلات الأرض قد ظلمتها وجحدتها فإن سجلات الملك العدل سبحانه لا تفعل، وغدا كله تلقاه في كتاب لا يضل ولا ينسى. ولا ينقصها شهادة من أحد، وهذه ميادين الملاحم ما زالت قائمة وسيوفها ما زالت مشرعة، ولئن قاتل هؤلاء اليوم تثبيتا وتحسينا لاتفاقيات الطواغيت، فإن الدولة لن توقف قتالها أصلا، ولم ترهن قرارها لأحد، ولئن قاتلوا استجابة لأوامر الداعمين ومصالح الراعين لأنهم خالفوا مشاريعهم ومصالحهم جميعا، فإن الدولة قاتلت استجابة لأوامر الحق سبحانه وتحقيقا لمصالح المسلمين، ولئن طبقوا مواثيق الأمم المتحدة وقوانينها الكافرة في حربهم وسلمهم فإنها طبقت أوامر الخالق سبحانه في حربها وسلمها، ولم تخرج عن ميثاق النبوة ولا ميراثها. ولئن قاتل هؤلاء من خلال "الإستانة" و"سوتشي" وحدودها، فلم تقاتل إلا في ظلال الشريعة وحدودها، ولئن قاتلوا تماشيا مع المصالح الدولية والإقليمية، فلم تقاتل إلا مخالفة لها، فكانت دولتنا خلاف ما يحبون، تراغمهم وتغيظهم وما زالت ستبقى حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. وقد عابوا عليها قديما أنها لم تحيّد عدوا، ولو استطاعت لفعلت، ولكنها حرب مفاصلة رموها فيها عن قوس واحدة، لأنها خالفت مشاريعهم ومصالحهم جميعا، وهذا كان اعترافا من حيث لا يشعرون أن دولة الإسلام لم توافق رغبة أحد ولم تقاتل لمصلحة أحد ولم تكن في جيب أحد. وهذه همسة إيمانية تربوية منهجية، إن الشام ستبقى بين الفتن والملحمة، وهذان السياقان لا يمكن الفصل بينهما، وهو ما يحتم على المسلم أن يصحح عقيدته لتقوى ويعزّز إيمانه ليثبته، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}. ◽ المصدر: مقتطف من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 472 الخميس 4 جمادى الآخرة 1446 هـ
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    تدجين وتجنيد! لم تعد هناك حاجة مُلحة إلى تجنيد ميليشيات جديدة لحرب المجاهدين، فقد وصلت أساليب "مكافحة الإرهاب" إلى مرحلة متقدمة يتم فيها احتواء وتدجين "جهاديين سابقين" للقيام بالمهمة، بما يضمن مصالح النظام الدولي الكفري، ويشبع رغبة المفتونين بالحكم، رأينا ذلك في نسخ عديدة أبرزها "حكومة طالبان" وأحدثها "حكومة الإنقاذ" وكلاهما دخل القصور الرئاسية بموافقة الجهات المعنية. وكنا طرحنا قبل سنوات أن سبب عدم سقوط النظام النصيري "رسميا" رغم سقوطه "فعليا"، هو "غياب البديل"! لأن البديل كان آنذاك إما الدولة الإسلامية، أو الفوضى العارمة التي تهدد أيضا حدود اليهود، ولذلك حالت الجهود "الأمريكية اليهودية الروسية الإيرانية" مجتمعة دون إسقاطه، لكن يبدو أنه خلال هذه السنوات وعبر "إستراتيجية التدجين"، تم إنضاج البديل على نار هادئة بعد أن صنع من مقره في "إدلب" نسخة مصغرة لشكل "سوريا المستقبل" وصدّر صورة مقبولة دولية لنظام وطني "غليظ" مع الأكثرية المؤمنة "رقيق" مع "الأقلية" الكافرة. تدجين وترويض هذه الهيئات يتم عبر مسارات طويلة في أقبية مراكز الدراسات والاستخبارات، تمر بعمليات فحص واختبارات عديدة للتأكد من مدى جدية وتفاني هذه الهيئات في محاربة الجهاد وهدم العقيدة!، وتستمر في ذلك السقوط حتى تصل إلى "مرحلة نضج" تمكّنها من استلام التكاليف الحكومية الأمنية أو الإدارية، كما رأينا مؤخرا في سوريا ومن قبل في أفغانستان. وبناء عليه، توالت تصريحات مسؤولين يهود وأمريكيين وروس وإيرانيين وغيرهم حول "فتح قنوات اتصال" مباشرة وغير مباشرة مع "المعارضة السورية!" بعد تسلّمها الحكم خلفا للنظام النصيري، هذه الاتصالات لم تكن وليدة اللحظة الثورية، فلم يستيقظ قادة هذه الدول على أخبار سقوط المدن والبلدات بسرعة الآليات! ليقولوا يا للهول!، لقد سقط الأسد! علينا أن نتصل بقادة المعارضة الآن! وأن ننسق معهم قبل فوات الأوان! ليس هذا ما حدث، إن ما حدث عملية إبدال مدروسة للنظام النصيري بنظام جديد يحارب الشرع بـ"الشرع!". أما عن أسباب إذعان الحركات الجهادية إلى هذا المسار الجاهلي، ولماذا تنكث غزلها وتنقلب على أعقابها؟! فالأسباب والتفسيرات كثيرة طويلة طول مسارات الحرب على الجهاد التي ترعاها قوى الكفر، لكن لعل أبرزها: وصول هؤلاء "الجهاديين المدجنين" إلى نتيجة حاسمة أنه لا جدوى من سلوك سبيل الجهاد في إحداث التغيير المنشود، لأنهم سيصطدمون بكل قوى الكفر العالمي وسيدفعون أثمانا كبيرة لم تطقها قلوبهم المريضة ولا نفوسهم المروّضة فيجنحون إلى مداهنة ومسايرة الجاهلية الدولية بدلا من مصادمتها ومفاصلتها، وصارت تلك عندهم حنكة ونضجا بعد أن كانت ردة وخيانة ونكوصا. ولذلك بعد 13 عاما من "الجهاد الثوري" في الشام، أصبح الولاء والبراء "طائفية" وفُسّرت الثورة بأنها "قتال اضطراري" ضد "أسرة حاكمة" متسلطة رفضت الحوار وتقاسم السلطة! وليست حربا دينية ضد نظام نصيري كافر حتى بدون "صيدانيا" ومشتقاته، ولذلك خلت خطابات "مهووس السُّلطة واللَّقطة" من وصف النظام بــ"النصيري" خشية أن تُحسب عليه! وهو ما لا يقبله رعاة النظام الجديد ولا دستورهم الجاهلي المزمع تفصيله قريبا ليناسب مقاس "سوريا المستقبل" مع قرب أفول حدود "سايكس - بيكو" وبروز حدود "نتنياهو - ترامب". وفي سياق النضج الجاهلي لم يغب عن هؤلاء الوطنيين وهم يشرحون معالم "سوريا المستقبل" أن يُظهروا تمايزهم عن الدولة الإسلامية مع أن هذا التمايز لا تخطئه العين، لكنهم حريصون على تذكير المعنيين بأنهم على منهاج النظام الدولي ومواثيقه الجاهلية! وليسوا بحال على منهاج النبوة الذي يكلفهم الكثير. على النقيض تماما، من سلوك دول الكفر المتلائم مع "الجهاديين المدجنين"؛ تقاطرت نفس هذه الدول الكافرة على إعلان خشيتها وتكرار تحذيراتها من استغلال الدولة الإسلامية للأحداث الجارية، وفي هذا السياق نفسّر سلسلة الغارات الكثيفة التي شنها التحالف الصليبي على مواقع الدولة الإسلامية في "وسط سوريا" قبيل الحدث بأسابيع قليلة، ثم كررها تزامنا مع الحدث رغم بعد "الوسط" عن حدود دويلة يهود. ولأن التحليلات تصيب وتخطىء، ولأن التقلبات والمتغيرات السياسية لا تهدأ؛ فإن من سياسة (النبأ) ربط المسلمين بالعقائد والمناهج فإنها لا تتبدل بمرور الأيام ولا بتغير الأحداث لأن ميزان الشرع ثابت، خلافا لسياسة الحركات والأحزاب الجاهلية ومناهجها المتغيرة. في البعد الإيماني للحدث، ظهر تدبير اللطيف الخبير وحكمته البالغة في دفع هؤلاء الشركاء المتشاكسين بعضهم ببعض، ما نتج عنه فكاك أسارى المسلمين بعد سنوات طويلة من التعذيب في سجون "الأقلية" النصيرية، وإن كانت الصورة التي جرى عليها الحال، لم تحقق للمسلمين شفاء وثأرا تاما من أئمة الكفر وجزاري النظام النصيري، لحكمة قدرها الله تعالى، ولعل شفاء صدور المؤمنين والمؤمنات واكتمال فصول ثأرهم يكون على أيدي الأُسد الغضاب الذين يعاقبون المعتدي بأحكام الشريعة لا أحكام الدستور، فلا تأخذهم في الله لومة لائم سلفهم محمد ﷺ وصحبه {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}. في السياق المنهجي، أظهرت الأحداث الأخيرة مجددا تشوّه مفهوم "التحرير" عند العامة والخاصة، فيوم سقطت المناطق في أيدي المليشيات الكردية قالوا تحررت! ويوم سقطت في أيدي النصيرية قالوا تحررت! ويوم سقطت في أيدي الصحوات التركية أو الأمريكية قالوا تحررت! والقاسم المشترك بين هذه الحالات المتباينة هو انحياز الدولة الإسلامية منها بعد أن حكمتها بالشريعة الإسلامية، فهل "التحرر" عند هؤلاء هو التحرر من حكم الإسلام؟! إن التحرير يعني أن يعلو المكان والإنسان أحكام الشريعة الإسلامية، فتحكم المسلم في أقواله وأفعاله، بل حتى في حبه وبغضه وموالاته ومعاداته، وبالنظر إلى واقع الشام، فلا شك أن التحرير بمفهومه الشرعي ما يزال مفقودا. وعليه، فمن كان خلافه مع الأسد وعائلته وحاشيته وصورته وتمثاله، فقد انتهت ثورته، ومن كان خلافه مع نظام مرتد يقوم على تعطيل الشريعة والاحتكام للمجالس الانتخابية والدساتير الكفرية وحماية المراقد الوثنية وموالاة الكافرين دولا وأقليات، بحجة "العلاقات الدولية" و"التنسيق الوطني"، فإن المشكلة ما زالت قائمة، بل ستتفاقم، ولذلك سيتواصل الجهاد على ثرى الشام لأن غايته سيادة الشريعة ونبذ الشرك، أما الثورة فتتوقف عند حدود صناديق الاقتراع؛ {وَمَنْ كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا}. ◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 473 الخميس 11 جمادى الآخرة 1446هـ مقال: تدجين وتجنيد!
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    صيدنايا والنفاق العالمي يغلب على السنوات الخدّاعات صبغتان متجذّرتان: صبغة "جاهلية" تصبغ المعتقدات، وصبغة "دجلية" تصبغ سلوك الأفراد والجماعات، ومن ذلك حالة الدجل والنفاق العالمي التي طغت على وسائل الإعلام في قضية سجن صيدنايا، الذي أدارته "الأقلية" النصيرية العلوية الكافرة لعقود، عذبت وقتلت فيه آلاف المسلمين. على مسرح الأحداث، وبغير سابق إنذار، صار الإعلاميون يمثلون دور المندهش والمصدوم من مآسي صيدنايا الجاثم على ثرى الشام لأكثر من ثلاثين عاما؛ وكأنّه كان غيبا كُشف حجابه للتو! وكأنّ جرائم النصيرية أمام الشاشات، أقل بشاعة من جرائمهم في أقبية المعتقلات! أو لعلها صدرت عن نظام وردي كان يرمى الناس بالخزامى وبراميل الورود!! إنه دجل ونفاق عابر للحدود. فهل خفيت على وسائل النفاق العالمي جرائم النشر بالمناشير والقصف بالبراميل والكيماوي وغيرها الكثير، وظهرت فقط جريمة صيدنايا؟! لماذا يحاول الدجالون إقناع الجمهور بأن جرائم صيدنايا كانت "استثناء" وليست سياسة معتمدة لدى سائر الطواغيت؟! لماذا يوهمون الناس أنها كانت "أسرارا تحت أرضية" لم تُكتشف إلا بسقوط الأسد من أعين النظام الدولي؟! وبما إنّ شهية الإعلام مفتوحة هذه الأيام على مآسي الأمة ودموع مراسليه غزيرة؛ فهذا بلاغ إلى جميع وسائل الإعلام المرهفة التي ذرفت دموع النفاق على ضحايا صيدنايا، هل ندلكم على أفرع أخرى لصيدنايا لم تسقط بعد من عين النظام الدولي؟! اذهبوا إلى صيدنايا أفرع لبنان، والأردن، وتركيا، وكلها قريبة؟! ومثلها صيدنايا فرع مصر، وأفرع السعودية والإمارات وبقية دول الخليج، ومثلها أفرع المغرب وتونس وليبيا والجزائر والسودان الجريح. بل اذهبوا إلى أفرع صيدنايا التي تملأ العراق حيث يتعرض فيها أسرى المسلمين لأبشع صور التعذيب والقتل البطيء على أيدي الرافضة الذين صار "عديم الشرع" حارسا لمعابدهم مؤاخيا لحكومتهم الرافضية "الموقرة! في"سوريا الحرة" تماما كما كان عليه الحال في "سوريا الأسد!" بل هل ندلكم على ما هو أقرب إليكم من ذلك كله، اذهبوا إن استطعتم إلى صيدنايا فرع "إدلب! " الذي يُمسي فيه المجاهد أسيرا، ولا يُصبح إلا داخل السجون العسكرية التركية، بعد الاستعانة بمصباح "عدو الدين" للخدمات الأمنية السحرية!! فإن أبيتم هذا وذاك، فاذهبوا إلى أكبر صيدنايا في سوريا، فرع الهول وغويران حيث الأهوال التي تُرتكب جهارا نهارا في أكبر سجون بشرية علنية يقبع فيها آلاف المجاهدين والمهاجرين الأبرار وعوائلهم الأطهار الذين جاهدوا على ثرى الشام منذ الأيام الأولى للثورة وأسقطوا النظام فعليا لولا تدخل طواغيت الشرق والغرب مع "الثوار!" إنّ في كل بلد طاغوت، ولكل طاغوت صيدنايا ولكنه الدجل الإعلامي والنفاق العالمي، إنها شبكات عالمية للاتجار بمعاناة الناس أو الانقلاب عليها بحسب تقلُّب المزاج الدولي! وأضوائه الخضر والزرق!! وللمفارقة، فإنه بينما تتوجه اليوم وسائل الإعلام إلى صيدنايا للتباكي على أسراه؛ كانت ذاتها تتوجه إلى أسرى غويران والهول، لا لتنقل معاناتهم ولا لتتباكى عليهم، وإنما لتتشفّى بمصابهم وتبتزهم وتساومهم على البث الحي!! وتمارس بحقهم أقذر صور الخِسّة الإعلامية! لعلها تظفر بتراجع أو استجداء تسوِّقه للغثاء، فلا تعود إلا خاسئة ذليلة. كانت وسائل الإعلام التي تبكي صيدنايا اليوم تذهب إلى الهول لتمارس التشبيح الإعلامي بحق المؤمنات الصابرات الطاهرات اللواتي دفعن وأزواجهن ضريبة الإيمان والانتصار لإخوانهم الشاميين في جهاد لا يرجون من أحد شكره ولا ذكره. كانت قنوات الدجل تذهب إلى الهول لتقدّم مادة إعلامية تشويهية بحق الأطفال الأسرى! المحتجزين بقرار ورغبة دولية في ظروف قاسية بتهمة "الإرهاب" التي يفرّ منها الخونة اليوم، ويقدّمون لتفاديها كل التنازلات. أسرى الهول وغويران الذين تتنافس الميليشيات الكردية والثورية والتركية على التقرب إلى الصليبيين بإمساك ملفهم وشد وثاقهم!، أسرى الأهوال الذين دأبت الحكومات الصليبية والمرتدة على التحذير من إطلاق سراحهم أو التساهل معهم أو حتى الانشغال عنهم! وهو ما عبّر عنه قبل أيام "سيناتور أمريكي" بقوله: "علينا ضمان عدم إطلاق سراح ما يقرب من ٥٠ ألف سجين من الدولة الإسلامية في شمال شرق سوريا"، محذّرا مُقرًا بأنّ هروبهم "سيكون كابوسا لأمريكا". هذا "الكابوس" لا يطارد أمريكا الصليبية وحدها، بل يطارد أذنابهم المرتدين من الحكومات والميليشيات، ولذلك لا تجد وسائل الإعلام في هذه السجون مادة للاتجار بالمأساة والمعاناة، بل مادة للمزايدة والتشويه والمعاداة ليس للمجاهدين فحسب، بل حتى لنسائهم وأطفالهم، فهؤلاء في عرف القوانين الجاهلية الدولية والثورية "إرهابيون" برتبة أطفال ونساء!! لا تشملهم "الثورة العوراء" ولا "إنسانيتها" الجوفاء. ولكن ما ضرّهم إن لم يشملهم هذا الغثاء؛ إن شملتهم رحمة المولى سبحانه ولطفه وحسن ثوابه، وقد قضى في كتابه: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ ۖ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}، فلن يُضيع عباده الذين هاجروا وجاهدوا وصبروا وأوذوا في سبيله، وسينتقم بعدله من الصليبيين والمرتدين وكل المتورطين في فصول هذه الجريمة التاريخية، بعذاب من عنده أو بأيدينا، فاللهم دبّر لنا فإننا لا نحسن التدبير. ومن مظاهر الدجل الإعلامي الذي رافق سقوط الأسد، تبدُّل سلوك الإعلام الموالي للنظام، حيث أقبل "شبيحة الأسد ثوار" يطبلون للثورة بعد أن كانوا قبل أيام ينبحون عليها، حتى غدا الفرق بين "الثوري" و"الشبيح" إسقاط علم ورفع آخر كلاهما من صنع "سايكس بيكو" فيا لهوان الثورة وهوان إعلامها. من الناحية الشرعية، فإنّ العاملين في وسائل الإعلام النصيرية هم كفار مرتدون محاربون، يستوي في ذلك ذكورهم وإناثهم من المراسلين والمحرِّرين والمصوِّرين و"الممثلين" وكل من له صلة بالمنظومة الإعلامية النصيرية التي عكفت سنوات تناصر الطاغوت وتنافح عنه وتؤيد جرائمه، وإنّ تبديل هؤلاء جلودهم بين ليلة وضحاها من "التشبيح إلى الثورة" يُعد استخفافا بالدماء وإمعانا في الإجرام، وإنّ حكم الإسلام فيهم هو القتل ردَّة جزاء وفاقا لأنهم أولياء وأعوان الطاغوت حكمهم حكمه لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. كما أنّ تصنيفهم إلى إعلاميين "حربيين وغير حربيين" والدعوة إلى محاكمتهم بالقانون هو ضرب من ضروب الجاهلية المتجذّرة، فإنّ القانون هو الذي حماهم وجرأهم على دماء وأعراض المسلمين في عهد "سوريا الأسد، وهو الذي سيكفل حمايتهم في عهد "سوريا الضبع"، وإنّ من عفا عن القتلة والجزارين كسبا لرضى النظام الدولي؛ لن يجرؤ على المساس بمن هم دونهم من الإعلاميين و"الممثلين" الذين رسموا لوحة النظام من قبل! ويرسمون لوحة الثورة من بعد! من خشية النفاق العالي. ◽ المصدر: صحيفة النبأ العدد 474 الخميس 18 جمادى الآخرة 1446هـ المقال الافتتاحي: صيدنايا والنفاق العالمي

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً