خلق الستر

منذ 6 ساعات

الستر حياة للمستور الذي يتعامل مع الناس دون أن تشير إليه الأصابع، أو تنهَشه النظرات، أو تؤذيه اللمزات، أو تقتله عُقَدُ الذنب أو الفضيحة، والستر مُعين على التوبة.

خُلُقٌ جُبِلَت عليه الفِطَرُ السليمة فتحلَّت به، ودعت إليه، وأحبَّت انتشاره بين الناس، طاعةٌ وقربان، دين وإحسان، به تحفظ الأمة كرامتها، وتحافظ على مكتسباتها، فتقوى روابطها، ويشيع الخير فيها، وتُجفَّف به منابع الشر، بتحقيقه يظل المعروف معروفًا فيُعمل، والمنكر منكرًا فيُستحيا من فِعْلِه فيُهمل، سبب من أسباب الغفران أمَرَ به المصطفى عليه الصلاة والسلام، بل دعا إليه، وأمر أُمَّتَه بطلبه صباحًا ومساءً، بل إن من عظمة هذا الخُلُقِ أن تسمَّى به الله العظيم، وأحبَّ شيوع هذا الخُلُقِ بين خَلْقِهِ؛ فلقد قال عليه الصلاة والسلام حين رأى رجلًا يغتسل بلا إزار، بعد أن صعِد المنبر، فحمِد الله وأثنى عليه ثم قال: (( «إن الله حيِيٌّ سِتِّير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم، فَلْيَسْتَتِرْ» )).

 

فالله هو السِّتِّير، يستُر على عباده، ولا يفضحهم في المشاهد، ويحب من عباده السترَ على أنفسهم، واجتناب ما يَشِينُهم، مُحِبٌّ سبحانه لتارك القبائح، وساتر العيوب والفضائح.

 

عباد الله:

ولأهمية الستر والحفاظ عليه؛ فقد حثَّ الإسلام عليه وكافأ، فمن ستر على نفسه، فلم يُظهِر عيبها، ولم يعترف أمام الناس باقتراف الذنب، ستر الله عليه، وإذا لقِيَه يوم القيامة إن شاء برحمته غفر له؛ فالستر من أسباب المغفرة؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( «يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كَنَفَهُ عليه، فيقول: عمِلتَ كذا وكذا، فيقول: نعم، ويقول: عمِلتَ كذا وكذا، فيقول: نعم، فيُقرِّره، ثم يقول: إني سترتُ عليك في الدنيا، فأنا أغفرها لك اليوم» ))؛ [ (رواه البخاري) ]، فاللهم يا سِتِّيرُ، استرنا في الدنيا والآخرة، واغفر لنا.

 

فيا عجبًا لعبدٍ يعرف من الله أمره، ومن ثَمَّ يعرف مكافأته، فيُعرض عن الستر على نفسه، لا سيما أن الله يكره المجاهرة بالمعصية؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «كلُّ أُمَّتي معافًى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: عمِلتُ البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح مكشفًا ستر ربه عليه» )).

 

سبحان الله! هل انقلبت فِطَرُ كثيرٍ من الناس، فأصبح لا يرى أن معصية الله عيبٌ يجب ستره؟ فتجد من يفاخر بنومة طويلة ضيَّع معها ثلاث صلوات، أو شابًّا يفاخر بعلاقته المحرَّمة مع البنات، أو بدلالته على المقاطع المحرمة، وكأن لم يكن في الأمر بأس، نعوذ بالله من الحَور بعد الكَور، ومن الغَوَاية بعد الهداية.

 

لأهمية الستر والحفاظ عليه بين المسلمين؛ جعل الله جزاء الساتر على أخيه من المسلمين إرخاءَ ستر الله عليه في الدنيا والآخرة؛ فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة» ))، بل توعَّد الله مَن تتبَّع عورات المسلمين بتتبُّع عورته؛ فلقد قال عليه الصلاة والسلام: (( «يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتِهم؛ فإن من اتبع عورة أخيه، يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته، يفضَحْهُ في بيته» ))؛ [ (أبو داود، صححه الألباني) ].

 

عبدَالله، فَلْنَقِفْ مع هذا الحديث وقفة تأمل واعتبار: (( «من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته» ))، يا ألله! كم من رسالةٍ تناقلنا فيها تتبعًا للعورات، واتهامًا في النيات، وفرحًا بافتضاح أهل المروءات!

 

والعجب العُجاب أننا نفعل ذلك وهو حرام، فكيف إذا كان ذلك من البهتان؟

كم تناقلنا رسالة لم نتثبَّت من صحتها! وكأن هذا الفعل من أوجب الواجبات، فتنبَّهوا - يا عباد الله - من نقل الشائعات؛ فقد ورد في الحديث: (( «من ستر على مؤمن عورةً، فكأنما أحيا مَوْءودة» ))؛ [ (الراوي مسلمة بن خالد، الألباني، صحيح الترغيب، صحيح) ].

 

ولأجل المحافظة على المجتمع من انتشار الفساد، وبث الشائعات؛ شرع الإسلام حدَّ القذف، حتى لا تكون أعراض المسلمين بعد ذلك كلأً مباحًا.

 

ولأجل الستر جعل الشارع الحكيم إثبات حدِّ الزنا بأربعة شهود؛ حماية للأعراض، وصونًا للمحارم، ولقد توعَّد الله العظيم أهلَ السوء الذين يحبون إشاعة الفاحشة بالعذاب الأليم؛ فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].

 

لاحظ فيمن أحب إشاعة الفاحشة، فكيف الحال بمن أشاعها؟

ولأجل الستر؛ نهى الإسلام عن التجسس: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12]، والتجسس هو البحث عن عيوب المسلمين وعوراتهم.

 

عباد الله: لا تَكُنْ أنفسنا مريضة مشغوفة بسماع العيوب، وتتبُّع السقطات، وتصدُّر المجالس، والكتابة في وسائل التواصل لتتبع العورات؛ فإن شيوع الفاحشة في مجتمع يسهُل عملها، فمن نشر منكرًا، أو أعلنه، فلقد ساهم في انتشاره، ومن سنَّ في الإسلام سنَّة سيئة، فعليه وِزْرُها ووِزْرُ مَن عمِل بها إلى يوم القيامة.

 

عباد الله:

الستر حياة للمستور الذي يتعامل مع الناس دون أن تشير إليه الأصابع، أو تنهَشه النظرات، أو تؤذيه اللمزات، أو تقتله عُقَدُ الذنب أو الفضيحة، والستر مُعين على التوبة.

 

أمر مهم جدًّا:

لا تفتِّش في ماضيك القديم الذي لطَّخت بعض صفحاته بالخطيئة، إلا أن تعالجه بكثير من الاستغفار؛ ولذا كان السلف يحرِصون على إخفاء سيئاتهم، فلا نعرف لهم خطيئة؛ فالمؤمن إن وقع في معصية أو تقصيرٍ في واجب، ألقى الستر على نفسه، وقد وَرَدَ أن بعض السلف خرج من المسجد، فاستقبله الناس خارجين من المسجد، فغطَّى وجهه.

 

عباد الله:

لقد أدَّب المصطفى صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه بهذا الأدب فأحسن تأديبهم؛ فلقد كان عظيمَ الحياء، عفيفَ اللسان، بعيدًا عن كشف العورات، حريصًا على كتم المعايب والزَّلَّات، فكان إذا رأى شيئًا يُنكره ويكرهه، عرَّض بأصحابه وألمح؛ فكم مرةٍ قال للناس: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ وما بال أقوام يفعلون كذا وكذا؟! ولقد أعرض عن ماعز رضي الله عنه أربع مرات، وعلى ذلك تربَّى الصَّحْبُ الكِرام.

 

فهذا الصِّدِّيق رضي الله عنه يقول: "لو لم أجد للسارق والزاني وشارب الخمر إلا ثوبي، لَأحببتُ أن أستره به".

 

وأما الفاروقُ رضي الله عنه، فحين سمِع ذاك الرجل بقولٍ للنبي صلى الله عليه وسلم: "إني عالجتُ امرأةً، فأصبتُ منها دون أن أمسَّها، بادره عمر بقوله: لقد سترك الله لو سترت على نفسك".

 

وهذه أمُّنا عائشةُ رضي الله عنها قد جاءتها امرأةٌ، فأخبرتها أن رجلًا أخذ سباقها وهي مُحْرِمة - أي حاول كشف عورتها - فقاطعتها عائشة، وأعرضت بوجهها، وقالت: "يا نساء المؤمنين، إذا أذنبت إحداكن ذنبًا، فلا تخبر به الناس، ولتستغفر الله، ولتَتُب إليه؛ فإن الناس يُعيِّرون ولا يُغيِّرون، والله يُغيِّر ولا يُعيِّر".

 

فإن كِرام النفوس يسترون على أنفسهم؛ لأنهم لا يُحبُّون أن تظهر معايبهم، وهم يحبون ذلك لإخوانهم، ولنتذكر قول أبي أيوب الأنصاري لزوجِهِ حين بلغه ما بلغه من الإفك الذي رُمِيَت به عائشة: أتفعلين هذا؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله، قال: فعائشةُ واللهِ خيرٌ منكِ؛ فنزل قول الله تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور: 12].

 

فالكلام في الناس خطير ومُتوعَّدٌ عليه، فتنبَّهوا واسمعوا بقلوبكم قبل آذانكم: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15].

 

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180 - 182].

  • 0
  • 0
  • 48
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    صيدنايا والنفاق العالمي يغلب على السنوات الخدّاعات صبغتان متجذّرتان: صبغة "جاهلية" تصبغ المعتقدات، وصبغة "دجلية" تصبغ سلوك الأفراد والجماعات، ومن ذلك حالة الدجل والنفاق العالمي التي طغت على وسائل الإعلام في قضية سجن صيدنايا، الذي أدارته "الأقلية" النصيرية العلوية الكافرة لعقود، عذبت وقتلت فيه آلاف المسلمين. على مسرح الأحداث، وبغير سابق إنذار، صار الإعلاميون يمثلون دور المندهش والمصدوم من مآسي صيدنايا الجاثم على ثرى الشام لأكثر من ثلاثين عاما؛ وكأنّه كان غيبا كُشف حجابه للتو! وكأنّ جرائم النصيرية أمام الشاشات، أقل بشاعة من جرائمهم في أقبية المعتقلات! أو لعلها صدرت عن نظام وردي كان يرمى الناس بالخزامى وبراميل الورود!! إنه دجل ونفاق عابر للحدود. فهل خفيت على وسائل النفاق العالمي جرائم النشر بالمناشير والقصف بالبراميل والكيماوي وغيرها الكثير، وظهرت فقط جريمة صيدنايا؟! لماذا يحاول الدجالون إقناع الجمهور بأن جرائم صيدنايا كانت "استثناء" وليست سياسة معتمدة لدى سائر الطواغيت؟! لماذا يوهمون الناس أنها كانت "أسرارا تحت أرضية" لم تُكتشف إلا بسقوط الأسد من أعين النظام الدولي؟! وبما إنّ شهية الإعلام مفتوحة هذه الأيام على مآسي الأمة ودموع مراسليه غزيرة؛ فهذا بلاغ إلى جميع وسائل الإعلام المرهفة التي ذرفت دموع النفاق على ضحايا صيدنايا، هل ندلكم على أفرع أخرى لصيدنايا لم تسقط بعد من عين النظام الدولي؟! اذهبوا إلى صيدنايا أفرع لبنان، والأردن، وتركيا، وكلها قريبة؟! ومثلها صيدنايا فرع مصر، وأفرع السعودية والإمارات وبقية دول الخليج، ومثلها أفرع المغرب وتونس وليبيا والجزائر والسودان الجريح. بل اذهبوا إلى أفرع صيدنايا التي تملأ العراق حيث يتعرض فيها أسرى المسلمين لأبشع صور التعذيب والقتل البطيء على أيدي الرافضة الذين صار "عديم الشرع" حارسا لمعابدهم مؤاخيا لحكومتهم الرافضية "الموقرة! في"سوريا الحرة" تماما كما كان عليه الحال في "سوريا الأسد!" بل هل ندلكم على ما هو أقرب إليكم من ذلك كله، اذهبوا إن استطعتم إلى صيدنايا فرع "إدلب! " الذي يُمسي فيه المجاهد أسيرا، ولا يُصبح إلا داخل السجون العسكرية التركية، بعد الاستعانة بمصباح "عدو الدين" للخدمات الأمنية السحرية!! فإن أبيتم هذا وذاك، فاذهبوا إلى أكبر صيدنايا في سوريا، فرع الهول وغويران حيث الأهوال التي تُرتكب جهارا نهارا في أكبر سجون بشرية علنية يقبع فيها آلاف المجاهدين والمهاجرين الأبرار وعوائلهم الأطهار الذين جاهدوا على ثرى الشام منذ الأيام الأولى للثورة وأسقطوا النظام فعليا لولا تدخل طواغيت الشرق والغرب مع "الثوار!" إنّ في كل بلد طاغوت، ولكل طاغوت صيدنايا ولكنه الدجل الإعلامي والنفاق العالمي، إنها شبكات عالمية للاتجار بمعاناة الناس أو الانقلاب عليها بحسب تقلُّب المزاج الدولي! وأضوائه الخضر والزرق!! وللمفارقة، فإنه بينما تتوجه اليوم وسائل الإعلام إلى صيدنايا للتباكي على أسراه؛ كانت ذاتها تتوجه إلى أسرى غويران والهول، لا لتنقل معاناتهم ولا لتتباكى عليهم، وإنما لتتشفّى بمصابهم وتبتزهم وتساومهم على البث الحي!! وتمارس بحقهم أقذر صور الخِسّة الإعلامية! لعلها تظفر بتراجع أو استجداء تسوِّقه للغثاء، فلا تعود إلا خاسئة ذليلة. كانت وسائل الإعلام التي تبكي صيدنايا اليوم تذهب إلى الهول لتمارس التشبيح الإعلامي بحق المؤمنات الصابرات الطاهرات اللواتي دفعن وأزواجهن ضريبة الإيمان والانتصار لإخوانهم الشاميين في جهاد لا يرجون من أحد شكره ولا ذكره. كانت قنوات الدجل تذهب إلى الهول لتقدّم مادة إعلامية تشويهية بحق الأطفال الأسرى! المحتجزين بقرار ورغبة دولية في ظروف قاسية بتهمة "الإرهاب" التي يفرّ منها الخونة اليوم، ويقدّمون لتفاديها كل التنازلات. أسرى الهول وغويران الذين تتنافس الميليشيات الكردية والثورية والتركية على التقرب إلى الصليبيين بإمساك ملفهم وشد وثاقهم!، أسرى الأهوال الذين دأبت الحكومات الصليبية والمرتدة على التحذير من إطلاق سراحهم أو التساهل معهم أو حتى الانشغال عنهم! وهو ما عبّر عنه قبل أيام "سيناتور أمريكي" بقوله: "علينا ضمان عدم إطلاق سراح ما يقرب من ٥٠ ألف سجين من الدولة الإسلامية في شمال شرق سوريا"، محذّرا مُقرًا بأنّ هروبهم "سيكون كابوسا لأمريكا". هذا "الكابوس" لا يطارد أمريكا الصليبية وحدها، بل يطارد أذنابهم المرتدين من الحكومات والميليشيات، ولذلك لا تجد وسائل الإعلام في هذه السجون مادة للاتجار بالمأساة والمعاناة، بل مادة للمزايدة والتشويه والمعاداة ليس للمجاهدين فحسب، بل حتى لنسائهم وأطفالهم، فهؤلاء في عرف القوانين الجاهلية الدولية والثورية "إرهابيون" برتبة أطفال ونساء!! لا تشملهم "الثورة العوراء" ولا "إنسانيتها" الجوفاء. ولكن ما ضرّهم إن لم يشملهم هذا الغثاء؛ إن شملتهم رحمة المولى سبحانه ولطفه وحسن ثوابه، وقد قضى في كتابه: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ ۖ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}، فلن يُضيع عباده الذين هاجروا وجاهدوا وصبروا وأوذوا في سبيله، وسينتقم بعدله من الصليبيين والمرتدين وكل المتورطين في فصول هذه الجريمة التاريخية، بعذاب من عنده أو بأيدينا، فاللهم دبّر لنا فإننا لا نحسن التدبير. ومن مظاهر الدجل الإعلامي الذي رافق سقوط الأسد، تبدُّل سلوك الإعلام الموالي للنظام، حيث أقبل "شبيحة الأسد ثوار" يطبلون للثورة بعد أن كانوا قبل أيام ينبحون عليها، حتى غدا الفرق بين "الثوري" و"الشبيح" إسقاط علم ورفع آخر كلاهما من صنع "سايكس بيكو" فيا لهوان الثورة وهوان إعلامها. من الناحية الشرعية، فإنّ العاملين في وسائل الإعلام النصيرية هم كفار مرتدون محاربون، يستوي في ذلك ذكورهم وإناثهم من المراسلين والمحرِّرين والمصوِّرين و"الممثلين" وكل من له صلة بالمنظومة الإعلامية النصيرية التي عكفت سنوات تناصر الطاغوت وتنافح عنه وتؤيد جرائمه، وإنّ تبديل هؤلاء جلودهم بين ليلة وضحاها من "التشبيح إلى الثورة" يُعد استخفافا بالدماء وإمعانا في الإجرام، وإنّ حكم الإسلام فيهم هو القتل ردَّة جزاء وفاقا لأنهم أولياء وأعوان الطاغوت حكمهم حكمه لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. كما أنّ تصنيفهم إلى إعلاميين "حربيين وغير حربيين" والدعوة إلى محاكمتهم بالقانون هو ضرب من ضروب الجاهلية المتجذّرة، فإنّ القانون هو الذي حماهم وجرأهم على دماء وأعراض المسلمين في عهد "سوريا الأسد، وهو الذي سيكفل حمايتهم في عهد "سوريا الضبع"، وإنّ من عفا عن القتلة والجزارين كسبا لرضى النظام الدولي؛ لن يجرؤ على المساس بمن هم دونهم من الإعلاميين و"الممثلين" الذين رسموا لوحة النظام من قبل! ويرسمون لوحة الثورة من بعد! من خشية النفاق العالي. ◽ المصدر: صحيفة النبأ العدد 474 الخميس 18 جمادى الآخرة 1446هـ المقال الافتتاحي: صيدنايا والنفاق العالمي

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً