مدى اطلاع الملائكة على ما في القلوب

منذ 2024-12-28

إنه إذا هم بحسنة شم الملك رائحة طيبة، وإذا هم بسيئة شم رائحة خبيثة، والتحقيق: أن الله قادر أن يُعلم الملائكة بما في نفس العبد كيف شاء

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالذكر بالقلب عبادة يثاب عليها المسلم، والأكمل أن يجمع في ذلك بين ذكر القلب واللسان.

والله تعالى قد يُطلع الملائكة على ما في نفس الإنسان، فتكتب له ما يستحق من الثواب أو العقاب، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: عن قوله صلى الله عليه وسلم: إذا هم العبد بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة. الحديث، فإذا كان الهم سراً بين العبد وبين ربه فكيف تطلع الملائكة عليه؟ فأجاب:

الحمد لله، قد روي عن سفيان بن عيينة في جواب هذه المسألة، قال: إنه إذا هم بحسنة شم الملك رائحة طيبة، وإذا هم بسيئة شم رائحة خبيثة، والتحقيق: أن الله قادر أن يُعلم الملائكة بما في نفس العبد كيف شاء، كما هو قادر على أن يطلع بعض البشر على ما في الإنسان، فإذا كان بعض البشر قد يجعل الله له من الكشف ما يعلم به أحياناً ما في قلب الإنسان: فالملك الموّكل بالعبد أولى بأن يعرفه الله ذلك. وقد قيل في قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } [ق:16].

أن المراد به الملائكة، والله قد جعل الملائكة تلقي في نفس العبد الخواطر، كما قال عبد الله بن مسعود: إن للملك لمة (وللشيطان لمة) فلمة الملك تصديق بالحق ووعد بالخير، ولمة الشيطان تكذيب بالحق وإيعاد بالشر، وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال:  «ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الملائكة وقرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وأنا؛ إلا أن الله قد أعانني عليه فلا يأمرني إلا بخير»

فالسيئة التي يهم بها العبد إذا كانت من إلقاء الشيطان: علم بها الشيطان، والحسنة التي يهم بها العبد إذا كانت من إلقاء الملك، علم بها الملك أيضاً بطريق الأولى، وإذا علم بها هذا الملك أمكن علم الملائكة الحفظة لأعمال بني آدم. انتهى.

والله أعلم.

  • 2
  • 0
  • 94
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    {أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} • جميع الخلق مفتقرون قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرح الحديث القدسي: (يا عبادي؛ كلُّكُم ضالٌّ إلا من هديتُه، فاستهدوني أهدِكم، عبادِي؛ كلُّكُم جائعٌ إلا من أطعمتُه فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي؛ كلُّكُم عارٍ إلا من كسوتُهُ، فاستكسوني أكسكُم..): "هذا يقتضي أنَّ جميع الخلق مفتقرون إلى الله تعالى في جلب مصالحهم ودفع مضارِّهم في أمور دينهم ودنياهم، وإنَّ العباد لا يملكون لأنفسهم شيئاً مِنْ ذلك كلِّه، وفي الحديث دليلٌ على أنَّ الله يحبُّ أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم، مِنَ الطَّعام والشراب والكسوة وغير ذلك، كما يسألونه الهداية والمغفرة.. وكان بعضُ السَّلف يسأل الله في صلاته كلَّ حوائجه حتّى ملحَ عجينه وعلفَ شاته" [جامع العلوم والحكم]. • افتقار الأنبياء لربهم والدعاء من مظاهر الافتقار، وقد تجلى في دعوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فكان من دعاء النبي ﷺ: اللّهمّ رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت [أبو داود]، ودعا موسى عليه السلام في قوله تعالى: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص]، وقال تعالى عن أيوب عليه السلام: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الانبياء]، فحري بالعبد أن يقتدي بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ويظهر افتقاره إلى مولاه ويرفع حاجته إليه في سرائه وضرائه. • الافتقار والسعادة قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن سعادة العبد: "سعادة العبد في كمال افتقاره إلى ربه واحتياجه إليه أي في أن يشهد ذلك، ويعرفه، ويتصف معه بموجب ذلك من الذل، والخضوع والخشوع، وإلا فالخلق كلهم محتاجون، لكن يظن أحدهم نوع استغناء فيطغى كما قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ ۝٦ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ} [مجموع الفتاوى]. وقد أحسن العبارة إذ قال رحمه الله: "والعبد كلما كان أذل لله وأعظم افتقارًا إليه وخضوعا له، كان أقرب إليه، وأعز له، وأعظم لقدره، فأسعد الخلق أعظمهم عبودية لله". وقد بين في موضع آخر مبينا كرامة الله لمن يفتقر إليه على خلاف ما سيلاقيه من الخلق لو احتاج إليهم قائلا: "فالرب سبحانه أكرم ما تكون عليه أحوج ما تكون إليه، وأفقر ما تكون إليه، والخلق أهون ما يكون عليهم أحوج ما يكون إليهم". • من ثمار الافتقار إن في افتقار العبد إلى خالقه ومولاه آثارا حسنة ليست على مستوى الذات فحسب بل على المجتمع المسلم أجمعه، وفي اعتقاده أن كل ما حباه الله تعالى من علم أو جاه أو قوة أو مال أو ولد فهو محض توفيق الله وأن الله هو المتفضل عليه وهو القادر أن يسلبه ما آتاه من العطايا والنعم؛ مدعاة لخفض جناحه للمؤمنين فهو عندئذ لا يرى أن ما حصله هو من ذات نفسه، فيكون بافتقاره متساويا مع إخوانه ولا يرى نفسه أنه خير منهم ولا يفضلهم بشيء وهذا مما يعزز الإخوة الإيمانية ويصونها من البغي والفخر كما قال رسول الله ﷺ: (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد)[مسلم]. وختاما نوصي أنفسنا والمسلمين، بدوام الافتقار إليه سبحانه لاسيما ونحن نعيش زمن الغربة واشتداد الفتن فما أحوج العبد أن يتعاهد قلبه ويحرزه إلى ملجأ الافتقار ويجعل ذلك دأبه فيبقى خائفا وجلا ذليلا منكسرا خاضعا خاشعا لمولاه الحق سبحانه، فكل النعم الدينية والدنيوية منه سبحانه فهو المنعم المتفضل كما قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل]، والحمد لله رب العالمين. ◽ المصدر: صحيفة النبأ العدد 475 الخميس 25 جمادى الآخرة 1446هـ مقتطف من مقال: {أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ}

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً