غيرة لله ولرسوله ولكتابه

منذ 2012-02-17

..لا ريب أن الاستهزاء بالله ورسوله وبكتابه وبشرعه وأحكامه من أعظم أنواع الكفر، وهو ردة عن دين الله تستوجب قتل صاحبها، وقد أجمع العلماء وأئمة المذاهب الأربعة على أن ساب النبي يُقتل، واختلفوا هل إذا تاب تقبل توبته أو لا تقبل في القضاء الظاهر؟


اللهم لك الحمد أنت القوي فلا قوي يدانيك.. اللهم لك الحمد أنت العزيز فلا عزيز يضاهيك.. اللهم لك الحمد أنت العظيم فلا عظيم يساويك.. وجهك أكرم الوجوه، وجاهك أعظم الجاه، العزيز من أعززت.. والذليل من أذللت.. والكريم من أكرمت.. والمَهين من أهنت.. أشهد أن لا إله حق إلا أنت.. أشهد أن لا إله حق إلا أنت.. أشهد أن لا إله حق إلا أنت.. مُعاذٌ -وربي- من أنت معاذَه.. آمِن -والله- من أنت ملاذه.

وأشهد أن شمس الدنيا ونورَها محمد -صلى الله عليه وسلم- عبدك طاهر الأطهار. أشهد أن شمس الدنيا ونورَها محمد رسولك المختار.. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أصحاب محمد وعلى أتباع محمد ما أشرقت شمس الدنيا واستبان النهار، وما أسفر قمر الدنيا واستنار.

الله جل جلاله.. ما أعظم الاسم وما أجل المسمى، باسمه نبدأ وعليه نتوكل وإليه نلجأ.
{اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور: 35]. القلب يرجف، واللسان يتعثر والجنان يخفق والبنان يرتعش والكلمات تعجز والعبارات تقصر والقوى تنهار والفكر يحار خشيةً وإجلالاً وحياءً من الجبار.

فيا حبيب العارفين ويا أنيس المستوحشين ويا رب العالمين {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ. وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ. وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ. وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 78- 82].

تاه لبي وذاب قلبي لربي *** فهو حبي وسلوتي في حياتي
وله كل ذرة في كياني *** ومماتي ومنسكي وصلاتي
أنت أهل الثناء والمجد فامنن *** بجميل من الثناء المواتي
ما ثنائي عليك إلا امتنان *** ومثالٌ للأنعم الفائضات
لوبرينا الأشجار أقلام شكر *** بمداد من دجلة والفرات
لو نقشنا ثناءنا من دماءنا *** أو بذلنا أرواحنا الغاليات
أو بكينا دمًا وفاضت عيونٌ *** بلهيب المدامع الحارقات
ما أبنا عن همسة من معانٍ *** في حنايا نفوسنا ماكنات
أو أتينا لذرة من جلالٍ *** أو شكرنا آلائك الغامرات
إنه الله سلوة وضياءً *** في سماء العباد والعابدات


الله أكبر اضطربت الأوراح فلا تسكن إلا بحبه، وفزعت القلوب فلا تطمئن إلا بذكره، واختلطت العقول فلاتزكو إلا بمعرفته، وماتت القلوب فلا تحيا إلا بنسيم لطفه وقربه، وأحاطت مكاره الحوادث فلا نجاة إلا برحمته، وتواترت المخاوف والمتالف فلا حفظ إلا بكلاءته {قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّـهِ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 88- 89] .

سبحانك يالله! سبحانك يالله! سبحانك يالله! أعطيت فأجزلت، وأنعمت فأكثرت وللحبيب أرسلت، فبه للقلوب هديت، وللنفوس زكيت، وعليه أقسمت وآليت: {وَالنّجْمِ إِذَا هَوَىَ} [النجم: 1]. أقسمت فزكيت عقله: {مَا ضَلّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىَ} [النجم: 2]، أقسمت فزكيت لسانه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىَ} [النجم: 3]، أقسمت فزكيت شرعه: {إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَىَ} [النجم: 4]، أقسمت فزكيت معلمه: {عَلّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىَ. ذُو مِرّةٍ فَاسْتَوَىَ} [النجم: 5-6]، أقسمت فزكيت قلبه: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىَ} [النجم: 11]، أقسمت فزكيت بصره: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىَ} [النجم: 17]. وبالصفتين العظيمتين وصفته: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ} [التوبة: 128]. بل زكيته كلَّه {وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].

يا نبي الهدى ويا خير صوتٍ *** حين يتلى متيمًا للحداة
يا مُحبًاً تعلّم الحب منه *** ثم آتى ثماره الناضجات
ما رأينا في دفتر المجد أسمى *** منك حبًا برغم كيد الوشاة
صغت للدهر قصة من نضالٍ *** وفعالٍ أبية ذائعات
لو رميتم مفاتح الأرض عندي *** وأتيتم بالشمس والمقمرات
ليس في شرعة الهدى من نكوصٍ *** أو عهود مأجورة مشتراة
فإذا أظلم الدجى قام يدعو *** ويناجي بأدمعٍ واكفات
يا إلهي إن كنت راضٍ فإني *** لا أبالي بما أتوا من أذاتي
ومضى ثابت الخطى لا يبالي *** بالتحدي والمكر والشائعات


سبحانك يالله! سبحانك يالله! سبحانك يالله! أنعمت فأسديت، ونورت الطريق، وللغواية والعماية أجليت، ولكتابك العظيم أنزلت وبينت وهديت، ولمقامه عظمت، ولحافظه أكرمت، ولتاليه أكثرت من الحسنات وأعطيت، له أعززت وعظمت وأعليت: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41- 42]. به الشفاء شفَيت، وبه الرحمة شملت وكفيت وآويت: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82].

لو تأملت في كتابٍ كريمٍ *** في معاني آياته محكمات
في الضحى والأنعام والنحل فيضٌ *** من ضياء والنور والذاريات
كم هُدينا بفضله لعلوم *** بمزايا توحيده هاتفات
يا جهولاً بربه يا غفولاً *** عن صريح الآيات والبينات
اعمر الوقت بالتراتيل وانصب *** تحت جنح الدجى وحين الغداة


الخالق عظيم وهو الله، والرسول عظيم وهو محمد بن عبد الله، والكتاب عظيم وهو القرآن الكريم. ويأتي هذا الزمان ليتطاول أقزام الدنمارك والنرويج على مقام المصطفى الأعلى ، وما وربي عجبنا من تطاولهم لأنهم قوم ما عرفوا الله ساعة، ولكن أن يتطاول كاتبٌ من أبناء هذا البلد على المقام الأعظم، على مقام عظيم الأكوان كلها ألا وهو الله، وعلى عظيم البشر محمد بن عبد الله وعلى أعظم كتاب عرفته الدنيا بأسرها، إذ يتطاول هذا الكاتب على الله -تعالى- ويشكك في وجوده -سبحانه- وفي وجوب عبادته -جل وعلا-، ومما تبع ذلك من سوء الأدب مع النبي وتصريح بكراهية ما جاء به الرسول، ومما قاله هذا المذكور: "أن قدرة الإله على البقاء ستكون محدودة لولا وجود الحمقى"، "إن كل الآلهة الضخمة التي نعبدها، كل المخاوف العظيمة التي نرهبها، كل الرغبات التي ننتظرها بشغف ليست إلا من خلق عقولنا"، ومما قال في مقام النبي: "في يوم مولدك أجدك في وجهي أينما اتجهت، سأقول إنني أحببت أشياء فيك وكرهت أشياء، ولم أفهم الكثير من الأشياء الأخرى"، "في يوم مولدك لن أنحني لك، لن أقبل يديك، سأصافحك مصافحة الند للند، وأبتسم لك كما تبتسم لي، وأتحدث معك كصديق فحسب، ليس أكثر"، ومن استخفافه بالقرآن قوله: "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر حبي، وما أوتيتم من القلب إلا قليلاً ويقول عن القرآن: "أن في القرآن مقاطع ركيكة لغويًاً".

تعالى الله، تعالى الله، تعالى الله، وتنزه رسول الله، وتنزه رسول الله، وسما كتاب الله، وسما كتاب الله، تعالى الله عما يقول الأفاكون علوًا كبيرًا، وتنزه الحبيب -بأبي وأمي ومالي وعرضي- عما يقول المستهزئون شرًا مستطيرًا، وسما كتاب الله آياته وبيناته وهداياته وعظاته لكم هدت قلوبًا خيراً كثيرا!، و أبكت عيونًا دمعًا غزيرًا!، نستغفر الله نستغفر الله نستغفر الله عما يقولون، ونبرأ إليك عما يتفوهون، ونعوذ بالله مما يمكرون.

عباد الله: لا ريب أن الاستهزاء بالله ورسوله وبكتابه وبشرعه وأحكامه من أعظم أنواع الكفر، وهو ردة عن دين الله تستوجب قتل صاحبها، وقد أجمع العلماء وأئمة المذاهب الأربعة على أن ساب النبي يُقتل، واختلفوا هل إذا تاب تقبل توبته أو لا تقبل في القضاء الظاهر؟ أما قبول توبته ديانة بينه وبين الله فإنها تقبل، والله -جل جلاله- يقبل توبة المشركين، أما قضاء أمام البشر فجماهير أهل العلم أن (سابّ النبي) لا تقبل توبته قضاءً لأن فيها حق للنبي، وحق النبي لا يملك أحد من الناس التنازل عنه، ولقد جاء في كتاب الله الكريم كفر من استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله قال الله عز وجل: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ. لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65].

وأخرج أبو داود والنسائي وصححه الألباني عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رجل أعمى على عهد رسول الله، وكانت له أم ولد، الجارية ملك اليمين إذا ملكها الرجل فوطأها فحملت منه أصبحت أم ولده هي جاريته لكن لا يجوز له أن يبيعها ولا أن يهبها بل تبقى جاريته ملكه إلى أن يموت فيعتقها ولدها، أما الجارية التي لم تحمل منه، فيجوز له أن يبعها وأن يهبها، فكانت لهذا الأعمى أم ولد، وكانت تشتم النبي وتقع فيه كما يقول ابن عباس، وزوجها ينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، فلما كانت ذات ليلة أخذت تقع في النبي وتشتم فيه فقام هذا سيدها هذا الأعمى صاحبها فأخذ معول -سيف صغير- ووضعه على صدرها واتكأ عليه حتى قتلها، ووضعت بين رجليها طفلاً ولطخت ما هنالك بالدم.

فلما أصبح الناس ذكر ذلك للنبي، ذكروا أن امرأة مقتولة، فقال النبي: «أنشد الله رجلاً لي عليه حق فعل ما فعل إلا قام»، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي وقال: أنا صاحبها أنا صاحبها، قال: «ما حملك؟» قال: كانت تقع فيك وتشتمك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر، وكانت بي رفيقة، يعني: بي رحيمة، ما يكرهها، بل تخدمه وترحمه، قال: ولي منها ولدان، هي أم ولدي، مثل اللؤلؤتين، فلما كانت البارحة أخذت تقع فيك وتشتمك فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، فأخذت المغول، فوضعته على صدرها فاتكأت عليه فقتلتها، فقال النبي للناس: «ألا اشهدوا أن دمها هدر، مرتدة عن الإسلام مارقة عن الدين».

ويحكي لنا القاضي عياض في كتابه: (الشفا في حقوق المصطفى) قال: كان بقرطبة بالأندلس-في أسبانيا التي أخذها النصارى من أيدي المسلمين، رجل هو ابن أخي عجب، وهذه عجب امرأة زوجة أمير قرطبة عبد الرحمن بن الحكم الأموي، وكانت هذه زوجته من أحظى زوجاته عنده يحبها، كانت مقدمة عنده، هذه عجب زوجة الأمير ابن أخيها سمي ابن أخي عجب، ابن أخيها كان في سوق قرطبة، فأمطرت السماء، بدأت تمطر، فقال في السوق هكذا كلمة على الماشي قال: بدأ الخراز يرش جلوده، فنقلها الناس إلى العلماء وإلى القاضي، فاجتمع العلماء عند القاضي موسى بن زياد، فقال ابن حبيب وابن أصبغ من المالكية: يقتل مرتد، وبعض العلماء ابن عبد الأعلى أبان بن عيسى والقاضي نفسه موسى بن زياد شافوا هذا ابن أخي عجب، ابن أخ زوجة الأمير ما نستطيع، فقالوا: كلمة خرجت منه يؤدب عليها ويعزر، نؤدبه لكن ما هو مرتد ما يقام عليه حد الردة، لكن يؤدب ويعزر، فقام ابن حبيب وقال: أيسب رب نعبده ثم لا ننصره؟، بئس العباد والله، ما نحن له بعابدين، فبكى -ر ضي الله عنه وأرضاه- في المجلس، وقال: دمه في عنقي، ووافقه أصبغ، فرفع المجلس إلى الأمير، إلى أمير قرطبة، وقالوا له بالقصة كما هي، فدعا العلماء ودعا القاضي وأمر بإحضار ابن أخي زوجته، وقدمه وأحضر ابن حبيب وابن أصبغ من المالكية، وقدمه وأقام عليه الحد، وصلبه أمام الناس، ثم عزل القاضي موسى بن زياد، وشتم الفقهاء على مداهنتهم في ذات الله -عز وجل-.

ثم اعلموا يا رعاكم الله أن الله عز وجل يغار على حقه، ويغار على نبيه، ويغار على كتابه، وينتقم ممن آذاه أو آذى رسوله، قال تعالى: {إِنّ الّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَأَعَدّ لَهُمْ عَذَاباً مّهِيناً} [الأحزاب: 57]. وقد أعلن الله لنبيه الكفاية، فالمستهزئون والشامتون المتصدي لهم هو الجبار -جل جلاله-: {إِنّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95]. قال ابن سعدي -رحمه الله-: "وقد فعل تعالى فما تظاهر أحدٌ بالاستهزاء برسول الله وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة".

وصدق والله هؤلاء هم عتاة الاستهزاء في زمان النبي: الوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب، والحارث السهمي، والعاص بن وائل، ويوم اشتد أذاهم واستهزاؤهم بالله وبالحبيب وبكتابه: "شكاهم رسول الله إلى جبريل فقال جبريل لرسول الله أرني إياهم، يقول ابن عباس فأراه كل واحد منهم، وجبريل يشير إلى كل واحدٍ منهم في موضعٍ من جسده ويقول: كفيتُكَه، فأما الوليد فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً فأصاب أكحله فقطعها، وأما الأسود بن المطلب فسقط تحت شجرة وهو يصيح لأبنائه ألا تدافعون عني فأتوا وقالوا له: لا نرى شيئًاً فقال هلكت طعنت بالشوك في عيني، فجعلوا يقولون ما نرى شيئًا تراة حتى عميت عيناه، وأما الأسود بن عبد يغوث فخرجت في رأسه قروح فمات منها، وأما الحارث السهمي فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج غائطه من فيه فمات منه، وأما العاص فركب إلى الطائف فربض على شبرقة وشاكته بشوكها حتى قتلته".

وهذا أنس بن مالك يحدث عن رجل أسلم وكان نصرانيًا فكان يكتب للنبي ثم ما لبث أن ارتد وتنصر مرة أخرى وجلس يسبُّ النبي فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض، فحفروا له وأعمقوا وأصبحوا وقد لفظته الأرض، فحفروا له وأعمقوا كثيرًا في الأرض ما استطاعوا فأصبحوا وقد لفظته الأرض، فبقي على ظهرها حتى تعفن وأكلت منه الكلاب والسباع. (والحديث في الصحيحين).

هذه عاقبة المستهزئين والشامتين والسابين لله ولرسول الله ولكتاب الله في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأقوى، ولأغلال في جهنم أقسى وأنكى. ولي ولكم أستغفر الله فاستغفروه إنه كان غفارًا.


الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه،
بعض الناس لو سب في نفسه وطعن في عرضه لأنكر بمراتب الإنكار الثلاثة، بقلبه ولسانه ويده، لكن أن يطعن في الدين، وأن يسب الله رب العالمين، ويسب رسوله الأمين، ويسب كتابه المبين لا يتمعر له وجه، ولا يتفطر له قلب، ولا تغير غيرته. شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- ما أقلته أرضه يوم أن واحدًا سب النبي فأنكر وبين وكتب وقرر، كتب على أثر هذه النكرة الذي سب رسول الله كتب أكثر من ست مائة صفحة في كتاب أسماه (الصارم المسلول على شاتم الرسول) وحمل الساب إلى الحاكم حتى أقام فيه الحد.

والعجب أن بعضهم يتحدث ببلاهة عن سماحة الإسلام ويسر الشريعة ورفع الحرج، وكأن يسر الإسلام يعني تعطيل القصاص والرجم والقطع وقتل ساب الرسول! ولو أن هذا الرجل ابتلي بمن يقذف أباه أو أمه أو قبيلته لانتفخت أوداجه ونسي سماحة الإسلام ورفع الحرج! ولو أن هذا الرجل سُرِقت أمواله وعقاره وقيل له لا تشتكِ ولا تطالب بحقك، ولا تضخم الأمور، بل تأمل فقط في سماحة الإسلام ويسر الشريعة، ولا تشق على هذا السارق، لدارت حماليق عينيه ولم يقبل ذلك! أفيكون جناب الله وعرض رسول الله، وقدسية كتاب الله، أرخص شأناً من مالك وعقارك؟!
إن الله -عز وجل- يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب: 57]. فالواجب الغيرة لدين الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاحتساب على هؤلاء المستهزئين، والتواصل مع العلماء ومع ولاة الأمور، فهذا والله ما لا يرضاه مسلم، وقد رأينا أثر هذا التواصل، وأثر الغيرة في بيان اللجنة الدائمة للإفتاء بحكم هذا الاستهزاء ووجوب محاكمة كاتبه شرعًاً، وأمر خادم الحرمين في القبض على هذا الأفاك ومحاسبته، وهو الواجب على الجميع.

فمن كان عالمًا فعليه أن يصدر الفتوى، ومن كان خطيبًا فعليه أن يبين للناس، ومن كان قاضيًا فعليه أن يصدر الأحكام، ومن كان كاتبًاً فعليه أن يرد بالكتابة، ومن كان مثقفًاً فعليه أن يصدع بالحق في وجه هؤلاء المعتدين، ومن كان سواهم فلينكر بقلبه، وليخبر العلماء بما يسمع، وليدع على هؤلاء الظالمين.

اللهم صل على محمد...

 

18/3/1433هـ
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

فيصل بن عبد الرحمن الشدي

إمام وخطيب جامع العز بن عبد السلام بالخرج

  • 3
  • 0
  • 7,942

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً