فوائــد وأحكــام من قوله تعالى: { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء...}

منذ يوم

قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ * قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ...} [آل عمران: 30 - 32].

قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ * قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 30 - 32].

 

1- إثبات يوم القيامة، وما فيه من الحساب والجزاء؛ لقوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} الآية.

 

2- التحذير من يوم القيامة، والتذكير بما فيه من إحضار الأعمال، وعظيم الأهوال، والحث على تذكره، وأن يكون منا على بال؛ لقوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} الآية.

 

3- أن كل نفس ستجازى بما عملت، من خير أو سوء؛ لقوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}.

 

4- أن كل نفس عملت خيرًا قليلًا كان أو كثيرًا ستجده حاضرًا يوم القيامة، فتفرح وتستبشر؛ لقوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا}.

 

5- أن عمل الشر يسوء صاحبه في الحال والمآل؛ لقوله تعالى: {وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} ﴾ فسماه سوء؛ لأنه يسوء صاحبه، وقد يسوء غيره.

 

6- أن كل نفس عملت سوءً ستود في ذلك اليوم التخلص منه، والبعد عنه، وأنها لم تعمله؛ لقوله تعالى: {وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}، وهيهات ذلك.

 

7- إحصاء جميع أعمال العباد؛ لأن إحضارها لهم ومجازاتهم عليها يستلزم إحصاءها قبل ذلك، وفي ذلك كله دلالة على كمال رقابة الله - عز وجل - وعظيم قدرته.

 

8- الترغيب في عمل الخير قليلًا كان أو كثيرًا، والترهيب من عمل الشر قليلًا كان أو كثيرًا.

 

9- تحذير الله - عز وجل - العباد نفسه، ونقمته وعقابه، وأليم عذابه، إن هم خالفوه وعصوه؛ لقوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} وذلك من رأفته - عز وجل - بهم، ولهذا أتبعه بقوله تعالى: {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}.

 

10- إثبات صفة الرأفة لله - عز وجل - وهي أخص من الرحمة، لقوله تعالى: {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}، فهو - عز وجل - ذو الرأفة العظيمة، واسمه «الرؤوف» سبحانه.

 

11- أن رأفة الله - عز وجل - عامة لجميع العباد، مؤمنهم وكافرهم، ناطقهم وبهيمهم؛ لقوله تعالى: {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}، فهو رؤوف بعباده جميعًا يسعهم حلمه ورحمته وفضله؛ كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143]، عبودية الخلق كلهم لله، بالمعنى العام للعبودية؛ لقوله تعالى: {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}، فجميع الخلق عبيد لله - عز وجل - خاضعون لحكمه وقدره الكوني.

 

12- جمع القرآن الكريم بين الترغيب والترهيب؛ لقوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}.

 

13- أمر الله - عز وجل - لرسوله صلى الله عليه وسلم بتحدي من يَدَّعون محبة الله - عز وجل - بتحقيق ما يُصَدِّق دعواهم، وهو اتباعه صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}.

 

14- أن من لازم أي دعوى إقامة الدليل عليها، وفي الحديث: «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر»[1].

 

15- أن الميزان العدل في صدق محبة العبد لله - عز وجل - هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فهو محب لله تعالى، وبحسب قوة اتباعه للرسول صلى الله عليه وسلم تكون قوة محبته لله عز وجل.

 

16- جواز ادعاء محبة الله شريطة أن يكون على ذلك بينة، وهي اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن التحدي في الآية والإنكار لمن ادعى ذلك بلا بيِّنة.

 

17- أن محبة الله - عز وجل - من أعظم المطالب، حتى إنه ليتشوف إليها ويدعيها من ليس أهلًا لها؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}.

 

18- أن من أعظم أساليب إفحام مدعي الكذب إلزامه بفعل ما يُصدق دعواه، فهؤلاء ادعوا محبة الله فألزموا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لتصديق دعواهم.

 

19- أن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم سبب لمحبة الله للعبد؛ لقوله تعالى: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.

 

20- أن الشأن كل الشأن في محبة الله - عز وجل - للعبد، لا في محبة العبد لله؛ لقوله تعالى: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، ولم يقل «تحبوا الله» مع أنهم إنما ادَّعوا أنهم يحبون الله، فأمرهم بما يكون برهانًا وسببًا لمحبة الله لهم، وهو اتباعه صلى الله عليه وسلم، وهو بلا شك دليل على محبتهم لله عز وجل.

 

21- إثبات محبة العبد لله تعالى؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}، وهي واجبة ولا يصح الإيمان إلا بها، ويجب تقديمها على كل محبوب؛ قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة: 165]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54].

 

فتجب محبته - عز وجل - لذاته، ولما أنعم به علينا من النعم، كما قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53].

 

كما تجب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من والده وولده، والناس أجمعين»[2].

 

22- إثبات المحبة لله - عز وجل - كما يليق بجلاله وعظمته، وأنه - عز وجل - يحب من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم محبة حقيقية؛ لقوله تعالى: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.

 

23- أن الجزاء من جنس العمل، فمن أحب الله، وصدَّق ذلك باتباعه للرسول صلى الله عليه وسلم أحبه الله؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، لكن شتان بين المحبتين، فمحبة الله للعبد أعظم وأسمى، وأجل وأعلى.

 

24- أن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم سبب لمغفرة الله - عز وجل - للذنوب؛ لقوله تعالى: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.

 

25- عظم فضل الله وجوده وإحسانه، حيث رتب على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هاتين الفائدتين العظيمتين، وهما محبته - عز وجل - للعبد، ومغفرته لذنوبه.

 

26- إثبات صفة المغفرة الواسعة لله عز وجل؛ لقوله تعالى: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}؛ أي: يستر الذنب، ويتجاوز عنه.

 

27- إثبات صفة الرحمة الواسعة لله - عز وجل - رحمة ذاتية ثابتة له - عز وجل - ورحمة فعلية يوصلها من شاء من خلقه؛ رحمة عامة لجميع الخلق، ورحمة خاصة بالمؤمنين؛ لقوله {رَحِيمٌ}.

 

28- في اقتران مغفرته - عز وجل - برحمته يزداد كمالًا إلى كمال، حيث يجمع لعباده بين المغفرة، التي بها يزول المرهوب، والرحمة التي بها يحصل المطلوب، نسأل الله تعالى من فضله.

 

29- الرد على من يزعمون أنهم أولياء الله، ويَدْعون الناس إلى تعظيمهم مع مخالفتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وصدق الله العظيم: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63].

 

30- وجوب طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}، وصدر الخطاب بقوله: «قل» للعناية والاهتمام والتوكيد.

 

31- إثبات رسالته صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {وَالرَّسُولَ}؛ أي: الرسول المعهود في الذهن، وهو محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.

 

32- أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تجب تبعًا لطاعة الله تعالى وهي طاعة لله تعالى؛ لقوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}.

 

كما تجب طاعته استقلالًا، فيما أمر به، مما لم يأت الأمر به في القرآن الكريم؛ لأن الله - عز وجل - أمر بطاعته مطلقًا، ويؤكد هذا قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 92]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، بتكرار الفعل «أطيعوا».

 

33- الرد على الذين ينادون بالأخذ بالقرآن، دون السنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «رب رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه» قال صلى الله عليه وسلم: «ألا إنما حرم رسول الله، مثل ما حرم الله»[3].

 

وقد قال الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7]، وقال تعالى: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].

 

34- جواز عطف اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، أو وصفه على اسم الله - عز وجل - في باب الطاعة، بالواو التي تقتضي التشريك؛ لأن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة لله تعالى.

 

35- أن من تولى عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو كافر؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}.

 

36- نفي محبة الله - عز وجل - عن جميع الكافرين؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}.

 

37- أن سبب عدم محبته - عز وجل - للكافرين هو كفرهم.

 

38- إثبات محبة الله - عز وجل - للمؤمنين؛ لمفهوم قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}، فمفهوم الآية محبته - عز وجل - للمؤمنين، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54].

 

39- التحذير من التولي والإعراض عن طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله رتَّب على ذلك الكفر وعدم محبته - عز وجل - وذلك مؤذن بغضبه وعذابه، كما قال تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الزخرف: 55]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 104].

 


[1] أخرجه الترمذي في الأحكام (1341)- بلفظ: «البيِّنة على المدعي واليمين على المدعى عليه»- من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقال: «في إسناده مقال».

[2] أخرجه البخاري في الإيمان (15)، ومسلم في الإيمان (44)، والنسائي في الإيمان و شرائعه (5013)، وابن ماجه في المقدمة (67)، من حديث صهيب رضي الله عنه.

[3] أخرجه أبوداود في السنة- لزوم السنة (4604، 4605)، والترمذي في العلم (2663، 2664)، وقال: «حسن غريب»، وابن ماجه في المقدمة (12، 13)، وأحمد (4/ 130، 134)، من حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه.

سليمان بن إبراهيم اللاحم

الأستاذ في قسم القرآن وعلومه بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالقصيم.

  • 0
  • 0
  • 133
  • كمال عبد الله

      منذ
    الدعوة إلى الله تعالى تنبيهات ونصائح • الدعوة والأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله ليس مخصوصا بأناس دون غيرهم، لا برجال الدعوة والحسبة ولا بأحد من الناس، بل هو شرف يستطيع أي مسلم أن يتقلده، شريطة أن لا يأمر الناس بأمر إلا وعنده عليه دليل من الكتاب أو السنة ولا ينهى الناس عن شيء إلا وهو متيقن أنه منكر وعنده على ذلك الدليل من الكتاب أو السنة كي لا يقع في مصيبة الابتداع في دين الله أو نهي الناس عن أمور أباحها الله أو اختلف العلماء فيها خلافا مستساغا، قال الله: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة النحل: 116-117]، ولا بد من الإشارة هنا إلى الفرق بين إنكار المنكر في حال رؤيته ومصادفته وبين الطريقة التي سنذكرها، فإنكار المنكر في حال رؤيته ومصادفته واجب حتم على كل مسلم كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) [رواه مسلم]، فلم يعذر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالخجل ولا بعدم المعرفة ولا حتى بعدم المودة وإنما عذر فقط غير المستطيع، هذا في إنكار المنكر حال رؤيته، أما الطريقة التي يندب لها ويحث عليها فهي تخصيص وقت للدعوة إلى الله بالخروج للطرقات والأسواق وغيرها بحثا عن المعاصي والمنكرات من أجل إنكارها ومناصحة مرتكبيها وهذه من أعظم الأعمال التي ترفع صاحبها في الدنيا والآخرة، وهي من أقوى الطرق في تطهير وتنقية المجتمع المسلم، قال الله تعالى: {وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [سورة التوبة: 122]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [سورة هود: 117]، وهنا عدة تنبيهات نسوقها لمن أراد أن يخصص شيئا من وقته لهذه الطريقة من طرائق الدعوة: أولا: إخلاص النية لله والحذر من العجب والرياء وحب الظهور وغير ذلك من النوايا الفاسدة، وكذلك استشعار نعمة الهداية وشكره سبحانه عليها. ثانيا: هذه الطريقة من طرائق الدعوة أمرها سهل ويسير على من يسره الله عليه ولا تحتاج إلى كثير علم واطلاع، بل يستطيع أي مسلم أن يقوم بها، بأن يخرج من بيته باحثا عن المنكرات لينكرها، سواء في الطرقات والأسواق أو حتى بالبحث والسؤال عن المقصرين والعصاة، كالسؤال عن المقصرين في عدم حضور الجماعة أو بعقوق الوالدين أو بأكل وشرب المحرمات أو غير ذلك، ثم الذهاب إليهم ومناصحتهم وتذكيرهم بتقوى الله، ولو استلزم الأمر طرق الباب عليهم في بيوتهم، وتكون النصيحة بكلمات يسيرة مع الدعوات الصادقة، فإن لهذه الطريقة أعظم الأثر في نفوس المقصرين. ثالثا: الرفق واللين مع جهلة الناس، كما قال الله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [سورة آل عمران: 159]، وإشعارهم بالحرص عليهم وإرادة الخير لهم. رابعا: أن سالك هذا الطريق، طريق الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالذات قد يواجه أصنافا من الأذى والمضايقة والسخرية والاستهزاء والاتهام، فلا بد من توطين النفس على ذلك واحتساب الأجر عند الله، فهذه سنة الله وعلى قدر الإيمان يكون الابتلاء {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [سورة المطففين: 29-30]. خامسا: إذا قمت بالنصح عدة مرات بالحكمة والموعظة الحسنة ولم تجد استجابة، فلا تيأس ولا تمل فإن الأنبياء -عليهم السلام- لم يملوا ولم يكلوا ولم يكونوا يكتفون بالنصيحة مرة واحدة، بل كانوا يكررونها لعل الله أن يفتح على قلوب العصاة ويهديهم، وأوضح مثال على ذلك نوح عليه السلام، فقد استمر يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم إنه بإمكانك بعد تكرارك النصيحة وعدم استجابة من نصحته أن ترفع أمره إلى السلطان ممثلا برجال الحسبة أعزهم الله، هذا في عموم المعاصي أما كبائر الذنوب، أو الذنوب التي يتعدى ضررها إلى الغير فانصح مرة واحدة فإن لم تجد الاستجابة فارفع الأمر مباشرة إلى السلطان حتى تبرئ ذمتك أمام الله سبحانه، وهذا ليس من الإفساد في شيء كما يعتقده بعض الناس بل هو عين الإصلاح، واحذر أشد الحذر من أن تعاقب أو تعزر على المعاصي بنفسك دون الرجوع إلى السلطان، فإن هذا باب شر وفتنة، وقد يترتب عليه من المفاسد أعظم من المنكر الذي أردت أن تنكره. التنبيه السادس: احرص على أن تصحب معك في وقتك الذي خصصته للدعوة أخا صالحا يعينك على هذا العمل العظيم ويشد من أزرك، وفقنا الله وإياك إلى سبل الخير والفلاح. ◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 27 السنة السابعة - الثلاثاء 11 رجب 1437 هـ مقال: الدعوة إلى الله تعالى تنبيهات ونصائح

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً