تبسمك في وجه أخيك صدقة - خطبة

منذ 12 ساعة

«إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ»


الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى
أخرج البزّارُ رحمه الله تعالى في "صحيح الترغيب" من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  «إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ»  .

أيها الإخوة الكرام: لو قلّبنا الأرض مشارقها ومغاربها،  لو فتّشنا جنباتِ العالم، لو نقّبنا ضمائر البشر،  واطلعنا على نواياهم،  لن نجد ألين كفًا،  ولن نجد أصدق لسانًا،  ولن نجد أطهر قلبًا، ولن نجد أوسع صدراً، ولن نجد أحسن خلقًا، ولا أفضل عشرة، ولا أجمل ابتسامةً من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.. 

لم يُبعثٍ النبيّ محمدٌ صلى الله عليه وسلّم لقومه خاصة، لم يَحمل همّ نفسه وزوجه وولده فقط،  لم يتعامل مع فئة واحدة من البشر، حاله كحال غيره من الأنبياء والرسل..

 وإنّما بُعث النبي صلى الله عليه وسلّم إلى كافة البشر الابيض والأسود والأحمر وبين ذلك ، وبُعثَ صلى الله عليه وسلّم إلى الخبيث والطيب وبين ذلك ، وبُعثَ إلى السّهل والحزْن وبين ذلك، وحمل صلى الله عليه وسلّم همّ أمةٍ ،  لا من البشر فقط ، وإنما بُعث وحمل همّ الثقلين الإنس والجنَّ.. 
في وقت ساءت فيه الأخلاق، وساء فيه الجوار، وعُبدت فيه الأوثان، وشُربت فيه الخمرُ، وقُطّعتِ فيه الأرحامُ، وأُكلت فيه حقوق الضعفاء.. 

في هذا الوضع وعلى هذا الحال بُعث النبي محمد صلى الله عليه وسلّم وأُمر أن يُواجه جميع هذه التحديات،  وأُمر أن يسعي في إصلاح جميع المفاسد الأخلاقية والاجتماعية وغير ذلك.. 

في تحديات وسوابق لم تواجه أحداً من النبيين ولا من المرسلين إلا سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلّم.. 

ورد في الصحيح من حديث جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " « أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي : نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ؛ فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً» ".

لما نزلت رسالة الإسلام أول ما نزلت على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلّم صارحه ربه وأنزل عليه قوله {{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}}  

وعلى الرغم من هذا الحمل الثقيل،  وعلى الرغم من التحديات العظام،  والمواقف الجسام،  التي واجهت رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا أنه عليه الصلاة والسلام بقي متفائلاً، بقي بشوشاً، بسّاناً، ضحاكاً، بقي يؤنس نفسه وأصحابه بشئ من الفكاهة، بقي متفائلاً،  بقي بشوشاً،  بقي صبوراً،  بقي حليماً، بقي والابتسامة وروح الدعابة لا تفارق شفتيه صلى الله عليه وسلم.. 

عَدّ النبيُّ عليه الصلاة والسلام حُسنَ خُلق المسلم وابتسامة المسلم وطلاقة وجهه وبشاشته في وجوه الناس عبادة تُكتب بها الحسنات،  وتُغفر بها الذنوب والزّلّات حتى قال عليه الصلاة والسلام «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ »

مازح رسول الله احد أصحابه فقال ( يا ذا الأذنين)، وجاء أحدهم فقال يا رسول الله احملني معك،  فمازحه النبي فقل: سأحملك على ولد ناقة، فقال الرجل وما أصنع بولد الناقة يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام وهل تلد الناقة إلا بعيراً..  

على الرغم من الحمل الثقيل الذي قصم ظهر النبي عليه الصلاة والسلام،  وعلى الرغم من التحديات العظام،  والمواقف الجسام،  التي واجهت رسول الله صلى الله عليه وسلّم من يوم بعثته مروراً بهجرته وجهاده وكفاحه إلى أن توفاه الله تعالى إلا أنه صلى الله عليه وسلّم بقي بشوشاً طيب النفس والروح.. 

أحد أصحابه رضوان الله تعالى عليهم أُخِذَ من عظمة شخصية النبي عليه الصلاة والسلام فقال يا رسول الله إنك تداعبنا!! 
فقال نعم أداعبكم غير أني لا أقول إلا حقاً.. 

دخلت عجوز من عجائز المهاجرات ( صفية بنت عبد المطلب)  دخلت بيت رسول الله في حاجة لها فلما قُضيتْ حاجتها وهمت بالخروج لقيها رسول الله فسلم عليها فقالت يا رسول الله أُدعُ الله أن يجعلني من أهل الجنة، قال يا أم الزبير إن الجنة لا تدخلها عجوز.. 

فذهبت وهي تبكي فضحك رسول الله وقال اتبعوها فأخبروها انها لن تدخل الجنة عجوز، إنما تدخل الجنة شابة ذلك الله تعالى يقول { { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارً عُرُبًا أَتْرَابًا } }

ما أَقَرّ النبي صلى الله عليه وسلّم حسن الخلق،  والابتسامة، وطلاقة الوجه والدُّعابة والفكاهة في نفسه فقط، بل أقرها رسول الله في أصحابه ورضيها منهم في إشارة صريحة إلى سعة صدره صلى الله عليه وسلّم 

النعيمان بن عمرو الأنصاري: 
احد أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، أحد من شهد بدراً مع النبي عليه الصلاة والسلام، عُرف رضي الله عنه بخفة روحه ، عُرف بحب الفكاهة والدعابة، وعُرف عنه فوق ذلك حبه الشديد للنبي عليه الصلاة والسلام.. 

ورد أن أعرابيًا أقبل بناقته فأناخها قرب باب المسجد، ودخل يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال بعض الصحابة للنعيمان: لو نحرت ناقة الرجل فأكلناها؟ ويغرم النبى صلى الله عليه وسلم ثمنها ، فقال النعيمان ولكني إن فعلت ذلك وأخبرتم رسول الله بما صنعت لغضب علىّ..
فقالوا: لا نفعل، فما كان من النعيمان إلا أن أقبل على ناقة الأعرابي فنحرها ثم جعلها بين الفقراء من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، حتى إذا فرغ منها انطلق إلى بيت المقداد بن عمرو فاختبأ فيه وجعل على ظهره جريد النخل ، وخرج الأعرابى فلم يجد ناقته،  لكنه وجد دماءاً،  ووجد عظاماً،  فصاح الأعرابي ناقتي ناقتي؟! 
ورجع فشكا إلى رسول الله أن ناقته نُحرت!! 
فخرج الرسول فقال:  منْ فعل هذا؟
قالوا: فعلها النعيمان ، فاتبع رسول الله آثاره حتى انتهى إلى بيت المقداد بن عمرو ، فقال النبى للمقداد : هل رأيت نعيمان؟ 
فأشار المقداد إلى الموضع الذي اختبأ فيه النعيمان ، فنحى رسول الله الجريد وقال اخرج.. فخرج النعيمان، وقد تعفر وجهه بالتراب، فقال له النبي : ما حملك على ما صنعت؟ 
قال: الذين دلوك علىَّ هم الذين أمرونى، فأخذ رسول الله يضحك ويمسح عن وجه النعيمان التراب، ثم غرم ثمن الناقة لصاحبها ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا ذكر صنيع النعيمان ضحك حتى تبدو نواجذه. 

رغم الحياة المريرة: 
التي عاشها الصحابة بصحبة رسول الله والتي ملأها الخوفُ،  وتخللها الكفاحُ والألمُ ، وسيطر عليها التعبُ والنصبُ إلا أن الصحابة لم يبتأسوا، ولم يُحبطوا، ولم يكتئبوا، حسن الظن بالله تعالى هَوّنَ عليهم آلامهم،  وخفف عنهم المتاعب والمشاق، فكان في حياتهم جانباً فيه الفكاهة والدعابة وفيه شيء من الترويح عن النفس بما لا يصد عن سبيل الله عز وجل.. 

 النعيمان بن عمرو رضي الله عنه كثيراً ما كان يُضحكُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وما كانت عين النبي تقع على النعيمان إلا ذكر أفاعيله فيتبسم عليه الصلاة والسلام.. 

كان النعيمان يحب رسول الله كثيراً،  ويتودد إليه ويتحبب إليه، ويُهدي إليها الأطايب من المأكل والمشرب.. 

يمر في يوم من الأيام بسوق المدينة فيجد فيها الفاكهة ويجد الحلوى فيأخذها فيدخل بها على رسول الله فيهديها لها، وكان رسول الله يقبل هدية أصحابه جبراً لخاطرهم.. 
فيهدي إليه النعيمان بن عمرو الفاكهة والحلوى فيقبلها رسول الله ويأكلها رسول الله ، ويأتي صاحب الطعام إلى النعيمان فيقول وأين الثمن؟ 
وكان النعيمان فقيراً فيأخذ صاحب الطعام فيدخل به على رسول الله ويقول يا رسول الله أدي إليه ثمن ما أكلت، فيقول النبي ألم تكن هدية؟ 
فيقول النعيمان نعم ولكن ليس معي ثمنها وأحببتُ أن أُطعمك منها فيغرم رسول الله الثمن وهو يضحك حتى تبدو نواجذه صلى الله عليه وسلّم 

هذه المواقف: نسوقها من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومن سيرة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لبيان أن في ديننا فسحة،  وأن في ديننا توازن بين العمل للدنيا والعمل للآخرة، ولبيان أن الفكاهة والدعابة والابتسامة لها في الإسلام محل..  
( روِّحوا القُلوبَ ساعةً وساعةً) ما دامت بالحق لا بالباطل،  ما دامت بالصدق لا بالكذب، ما دامت بعيدة عن معصية الله تعالى وعن أذية الناس، ما دامت لا تُشغل المسلم عن ذكر الله عز وجل.. 

 نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسعد قلوبنا في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.. 

الخطبة الثانية 
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَإِذَا هُوَ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ شَائِلَةٍ بِرِجْلِهَا، فَقَالَ : " أَتُرَوْنَ هَذِهِ هَيِّنَةً عَلَى صَاحِبِهَا ؟ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى صَاحِبِهَا، وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا قَطْرَةً أَبَدًا » ".

بقي لنا في ختام الحديث عن حسن أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه، وعن حسن عشرته وقبوله الفكاهة منهم وبثِّ روح الدعابة فينا بينهم بقي لنا أن  نقول : 
إن هذه الدنيا لا تساوي شيئاً،  لا تقاطعوا،  ولا تدابروا،  ولا تحاسدوا من أجل الدنيا.. 

لا تخرج من الدنيا وأن ظالم لأحد في عرض أو مال،  خفف عن ظهرك فقد خاب من حمل ظلماً، 
الدنيا لا تستحق أن نتخاصم من أجلها،  هي لا تساوي أن يعادي بعضنا بعضاً بسببها، لو كانت هذه الدنيا تساوي عند الله تعالى جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء.. 

لا تكتئبوا من أجل الدنيا إن شرّقت أو غرّبت، ولا تفرحوا بها، ولا تحزنوا على فواتها،  فما كان لكم سيأتيكم،  وما كان لغيركم فلن يأتيكم، سَتَمُرُّ عليكم في هذه الدنيا السراء فاشكروا،  وسَتَمُرُّ عليكم الضراء فاصبروا.. 

{{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }}

روِّحوا على أنفسكم وتفائلوا بالخير تجدوه وتبسموا في وجوه الناس وتحابوا تؤجروا وتجبروا وتنصروا.. 

اسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.

  • 0
  • 0
  • 50

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً