مصير الظلمة من خلال سورة الهمزة

منذ 17 ساعة

إن الهمزة واللمزة بمعنًى واحد، وقيل: إن الهمزة هو إيذاء الناس بالفعل وبالإشارة، واللمزة إيذاء الناس بالقول، بالغِيبة والنميمة والسخرية.

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون، ولو كره المنافقون، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]؛ أما بعد:

فيا أيها الأحباب الكرام في الله، دقائق معدودة نعيش وإياكم مع سورة نزلت بسبب أن بعض صناديد قريش استهزؤوا برسول الله وبأصحابه، يسبُّونهم ويلمزونهم، ويُؤذونهم بالقول والفعل، فنزلت هذه الآية لتُبيِّن عاقبة من يؤذي الناس، عاقبة من يؤذيهم بالقول والفعل ومن يعتدي عليهم، فكيف بمن يجعلهم في غيابات الجُبِّ؟ فكيف بمن يقتلهم؟ فكيف بمن يسحلهم؟

 

عباد الله، دعونا نعيش مع القرآن؛ الله عز وجل يقول: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة: 1 - 9]، {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1]، {وَيْلٌ} كلمة زجر وردع، ويل: وادٍ في جهنم، لو سُيِّرت به جبال الدنيا لَذَابت من شدة حرِّه، الويل لمن استهزأ، الويل لمن ظلم، الويل لمن تكبَّر، {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1]، قيل: إن الهمزة واللمزة بمعنًى واحد، وقيل: إن الهمزة هو إيذاء الناس بالفعل وبالإشارة، واللمزة إيذاء الناس بالقول، بالغِيبة والنميمة والسخرية؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: «... بحسب امرئ من الشر أن يحقِرَ أخاه المسلم ...»، الذي استحق هذا الويل وهذا العذاب هو الذي تسبَّب في إيذاء المسلمين.

 

عباد الله، هذه آيات نزلت في قريش؛ ولذلك لم يُذكر لنا أسماء كفار قريش؛ لأن العِبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فمن سار في فَلَكِهم، ومن سار في نهجهم، فسينال العقاب كما نالوه.

 

الذي سخِر واعتدى على الناس، وضرب وقتل وسفك الدماء، لماذا فعل هذا كله؟ لماذا؟ لأن همه الدنيا فقط؛ ثم قال الله: {الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ} [الهمزة: 2]، وفي قراءة: {جمَّع}، بتشديد ميم جمع، تجده مشغولًا بالمال في الصباح والمساء، ينظر إلى ماله وإلى قوته، وإلى سلطته وإلى ملكوته، المهم أن يبقى المال كله، المهم أن يعيش في هذا الملك، ولو أُبيد الناس جميعًا، المهم أن يعيش، قدوته في ذلك فرعون الذي قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الزخرف: 51]، أين ذهب؟ أين ذهب الذي كان يقول: أنا ربكم الأعلى؟ أين ذهب؟ ألم يتَّعِظِ المجرمون في كل وقت وفي كل زمان؟ ألم يتعظوا بما حصل لإخوانهم ولأتباعهم ولأمثالهم من قبل؟ لكنها الغفلة، لكنها إرادة الله، أراد أن يُخزيهم؛ لأن الإنسان كلما طغى وتمادى، أراد الله أن يفضحه في الدنيا قبل الآخرة، هذا هو حال المجرمين، هذا هو حال الظالمين، فضحهم الله في الدنيا قبل الآخرة؛ لينالوا جزاءهم هنا في الدنيا؛ يقول الله: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين: 29]، كان المجرمون في الدنيا يضحكون من المؤمنين، فالجزاء من جنس العمل، يوم القيامة المؤمنون يضحكون من المجرمين؛ قال تعالى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين: 34 - 36]، كيف حال الطُّغاةِ والمجرمين اليوم؟ كيف حال طاغية الشام وهو يشاهد المظلومين يفرحون بتدميره وبهلاكه؟ كيف يكون حاله، يتمنى أن تبتلعه الأرض؟ ما أكرم الله! وما أعظم الله جل جلاله سبحانه! {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5]، الله أكبر، لقد شاهدتم جميعًا تلك السجون الْمُظْلِمة، تلك الحفر العميقة، والتعذيب والأموات، لماذا هذا كله؟ {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} [الهمزة: 3]، ظن أن ماله سيخلده في الدنيا، ظن أنه سيُفلت من عقاب الله، قارون هل خلَّده ماله؟ مفاتيح الخزائن لا يحملها إلا عشرة من الرجال الأوائل، لا يحملها إلا عصبة، ويقول: إنما أُوتيته على علمٍ، ليس من فضل الله، هذا بتعبي وكدي، هل وجد السعادة؟ هل عاش إلى يوم القيامة؟ ماذا كانت النتيجة؟ قال الله: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} [القصص: 81]، إذًا هذا ذهب وانتهى، هل نفعه ماله؟ هل نفعه أتباعه؟ يحسب أن ماله أخلده، "هارون الرشيد، ومن هو هارون الرشيد، أمير المؤمنين، العابد الزاهد، كان يحُجُّ عامًا، ويُجهَّز جيشًا في سبيل الله عامًا، عندما حضرته الوفاة قال لأتباعه: خذوني إلى قبري، أريد أن أرى قبري قبل أن أدخله، أريد أن أنظر إلى قبري قبل أن أدخله رحِمَه الله، وهو أمير المؤمنين، فينظر إلى قبره ويقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 28، 29]، {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 28، 29]، ثم رفع رأسه إلى السماء، وقال: يا من لا يزول مُلْكُه، ارحم من زال ملكه، وهو عابد تقيٌّ يخاف الله يقول: يا من لا يزول ملكه، ارحم من زال ملكه، ارحم من زال ملكه".

 

لمن الملك اليوم؟ الله ينادي: لمن الملك اليوم؟ فلم يُجِبْهُ أحد، فيجيب على نفسه: لله الواحد القهار؛ قال تعالى: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر: 16، 17].

 

فحقٌّ لكل مسلم موحِّد أن يفرح بما حصل: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]، وقال تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45]؛ أي اصطلموا بالعذاب، وتقطَّعت بهم الأسباب؛ {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45] على ما قضاه وقدَّره من هلاك المكذبين؛ فإن بذلك تتبين آياته، وإكرامه لأوليائه، وإهانته لأعدائه، وصَدَّق ما جاءت به المرسلون.

 

عباد الله، أمَرَنا الله أن نحمَده، وأن نشكره إذا قَطَعَ دابرَ الظالمين ودابر المجرمين، يجب علينا أن نحمَد الله، فالنصر من عند الله وحده، فالنصر هو من عند الله وحده جل جلاله، هذا هو الفرح الممدوح، أما الفرح المذموم، فهو فرح المجرمين؛ شاهِدوا حال المجرمين: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44]، فلما نسوا ما ذُكِّروا به، ظنُّوا أن أموالهم ستُخلِّدهم، وأنهم لن يموتوا، وأن أتباعهم سيدافعون عنهم: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ...} [الأنعام: 44]، ألم يأخُذِ الله ظالم أهلنا في سوريا بغتةً؟ من كان يتوقع أن ينهزم بهذه السهولة، لكنها إرادة الله؛ ولهذا قال الله: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} [الهمزة: 3، 4]، لينبذن - يا إخواني - هي جواب لقسم محذوف؛ أي: كلا والله لينبذن في الحُطَمة، لماذا سُمِّيَت جهنم بالحطمة؟ لأنها تحطِمُ كل شيء، الله أكبر، جهنم تحطِم كل شيء، هذا الذي آثَرَ الدنيا، هذا الذي جمع المال، وظنَّ أن ماله سيُخلِّده، فظلم وبطش، فسيَلْقَى جزاءه هناك في الآخرة: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} [الهمزة: 4 - 6]، وفي الحديث الذي صحَّ إسناده؛ قال عليه الصلاة والسلام: «أُوقِد على النَّارِ ألفَ سنةٍ حتَّى احمرَّت، ثمَّ أُوقِد عليها ألفَ سنةٍ حتَّى ابيضَّت، ثمَّ أُوقِد عليها ألفَ سنةٍ حتَّى اسودَّت، فهي سوداءُ كاللَّيلِ المُظلِمِ»؛ (رواه الترمذي وابن ماجه)، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} [الهمزة: 5 - 7].

 

هذا القلب الفاسد، هذا القلب عندما فسد فَعَلَ كلَّ ظُلْمٍ، وكل جُرمٍ في هذه الحياة، فكان جزاؤه أن تصل النار إلى الفؤاد؛ لأن النار إذا وصلت إلى الفؤاد، الأصل أن الإنسان يموت مباشرة، لكن الله أراد أن يعذِّب المجرم، وأن يعذِّب الظالم بسبب جُرمه وظلمه في الدنيا، فيأتيه الموت من كل مكان وما هو بميتٍ؛ كما قال تعالى:  {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}  [إبراهيم: 16، 17]، ثم يقول الله:  {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة: 8، 9]؛ يعني: مُغلَقة مُطبِقة، يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها، {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة: 9]، العمد قيل: السلاسل، وقيل: إنها محاطة بأعمدة من كل جانب، الله أعلم.

 

هذا الظالم وهذا المجرم وهذا الكافر الذي سخِر من الصالحين، الذي استهزأ بالصالحين في بداية السورة، الذي سخِر منهم، الذي ظلمهم، الذي قتلهم، لا مفرَّ يوم القيامة، أتباعه ينادُون وهم في جهنم: يا فلانُ، نحن اتبعناك في الدنيا، نحن وقفنا معك، أنْقِذْنا: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 166، 167].

 

الله يا إخواني! ما أعظم هذه السورة القصيرة! هي قصيرة، لكن معانيها عظيمة وكثيرة، فلنعتبر، فافرحوا يا مؤمنون، افرحوا بهلاك المجرمين، فالنصر قادم، والمستقبل لهذا الدين بإذن الله عز وجل: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: 4، 5]، أسأل الله بمنِّه وكرمه أن يوفِّقنا وإياكم لِما يحب ويرضى، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا، رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

 

وصلِّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

_________________________________________________
الكاتب: ياسر عبدالله محمد الحوري

  • 0
  • 3
  • 90
  • عبد السلام خالد

      منذ
    ملّة الكفر واحدة • يكفكف المتنازعون نزاعاتهم، ويتصالحون من خصوماتهم، ويوقفون معاركهم، ويتهيؤون جميعا للدخول في حلف واحد يضم فرق الكفر والردة كلها، يكون هدفه الوحيد هو القضاء على الدولة الإسلامية. فمن كان يتخيل أن تلتقي أمريكا وروسيا، بعد أكثر من نصف قرن من التهديد المتبادل بالإفناء في حرب نووية، لا تبقي ولا تذر، وحرب باردة استنزفت طاقتيهما، وعدة حروب بالوكالة عنهما قضت على إحداهما وكادت تقضي على الأخرى، ولكنهما اليوم تلتقيان، ضد الدولة الإسلامية؟! ومن كان يتوقع أن تتوقف المعارك فجأة بين النظام النصيري وصحوات الردة في الشام، بعد خمسة أعوام من الحرب الطاحنة التي راح ضحيتها مئات الألوف من القتلى والمعاقين، وملايين المهجّرين والمشرّدين؟! ولكن حدث ذلك فعلا، وبات الطرفان قريبين جدا من الدخول في مفاوضات «الصلح» المُخزية، تحت ظل الرعاة الرسميين لهما: روسيا وأمريكا، وبالتالي لن يبقى لهم عدو في الساحة غير الدولة الإسلامية. وفي خراسان، التي زعمت فيها حركة طالبان الوطنية مرارا أنها لن تفاوض الحكومة الأفغانية العميلة للصليبيين، أعلنت باكستان (راعية حركة طالبان الوطنية) أنها ستشرف على المفاوضات بينها وبين الحكومة الأفغانية، لإنهاء الحرب بينهما من جهة، وبين الطالبان والأمريكان من جهة أخرى، وبالتالي توجيه السلاح الذي بأيديهم إلى العدو المشترك لكل هؤلاء وهو الدولة الإسلامية. وكذلك الأمر في الولايات الليبية، حيث أشرف الصليبيون على اتفاق بين مرتدي برلمان طرابلس، ومرتدي برلمان طبرق، سينتهي إلى حكومة وحدة وطنية تجمع الطرفين، وتكون النتيجة توحيد قواتهما في جيش واحد، يقوم بمقاتلة الدولة الإسلامية هناك تحت إشراف وتمويل التحالف الصليبي وبغطاء جوي منه. إن المراقب لهذه الأحداث سيقف بفهمه المجرد عاجزا عن تحليل هذه التطورات، وعن فهم كيف تنقلب الخصومات إلى تحالفات، والأعداء المتشاكسون إلى رفقاء سلاح متعاونين، ولكن من ينظر إليها من منظار المنهج الرباني سيعلم -وبلا شك- أن الكفار أبناء ملّة واحدة مهما اختلفت مسمّياتهم وأشكالهم ودوافعهم وغاياتهم، وأن الذين كفروا بعضهم أولياء بعض، مهما تنافسوا في هذه الدنيا وتنازعوا عليها. وبناء على هذه الحقائق وضعت الدولة الإسلامية منهجها في معاملة الكفار، والمستمدّ من المنهج النبوي الصافي الذي يؤمن أنّ (ملّة الكفر واحدة)، والذي من أهم أسسه قول ربنا جل وعلا (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً)، وبالتالي فإن الرد على اجتماع المشركين وأوليائهم المرتدين لقتالها لن يكون إلا بقتالهم كلّهم، حتى تتحقق الغاية العظمى للجهاد (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)، فلا يكون القتال لأجل قطعة أرض، أو للنزاع على كرسي أو منصب أو ثروة، ولكن قتال المشركين حتى يؤمنوا بالله العزيز الحكيم، وقتال المرتدين تنفيذا لأمر الله فيهم بالقتل، أو يتوبوا من ردتهم قبل القدرة عليهم، والاستمرار في هذا القتال دون توقف حتى لا يبقى شرك في الأرض، ولتكون عبادة الناس وطاعتهم لله وحده لا شريك له في ذلك. إن اجتماع الكفار لقتال الدولة الإسلامية لن يغير من قدَر الله شيئا، ولن يؤخر في وعد الله لعباده المؤمنين بالنصر والتمكين في الأرض، فماذا أغنت عنهم أحلافهم السابقة؟ والدولة الإسلامية بفضل الله تزداد قوة وانتشارا على الأرض وفي قلوب المسلمين يوما بعد يوم، وكلما ظنوا أنهم قدروا عليها، خيب الله ظنونهم، وأظهرها عليهم، وما دروس العراق والشام عنا ببعيد. • صحيفة النبأ – العدد 21 السنة السابعة - الثلاثاء 28 جمادى الأولى 1437 هـ المقال الافتتاحي: ملّة الكفر واحدة
  • Rida

      منذ
    📰 صحيفة النبأ العدد477 🔗 https://jmp.sh/s/wrh9gROypTuxVcXQ81t4 https://pdf.ac/3BRY35 https://drive.google.com/file/d/1D0znKPhbZiytaCB8VFQ31YyxJHedYdEd/view?usp rive_link https://www.flipsnack.com/BEB86977C6F/477/full-view.html https://publuu.com/flip-book/768296/1703792
  • كمال عبد الله

      منذ
    *لقد ڪنا هناك! (2)* *طريقة الرجل الأربعيني في إظهار تأﯾﯾده أو تبعيته ࢦࢦـډݹࢦـة ݴࢦݴںںںـࢦݴمـﯾـة عبر ݴࢥٺحݴ۾ الحݾد ݴࢦصࢦـﯾـٮ۪ي بعربة عليها ࢪݴﯾة ﻋࢥݴٮ۪ مطوية، طريقة تقليدية اتّبعها ݴࢦݴںْعْمݴںںںـﯾݹںْ مطلع الألفية الثالثة، مثل وضع المهاݼم ورقة مطوية في جيبه تحتوي وصيته، إنها طريقة سهلة لمن انقطعت به سبل التواصل والتوثيق، قصاصة ورقية تحتوي ٮ۪ـﯾـعة ݴࢦـډݹࢦـة ݴࢦݴںںںـࢦݴمـﯾـة أو حتى ࢪݴية ﻋࢥݴٮ۪ بأبعاد "سينتيمترية" في جيبك الصغير أيها المݼاهد ستڪون ڪافية لإﻋْـاطْة المحࢥࢥين ݴࢦصࢦـﯾـٮ۪ـﯾﯾںْ وتأڪيد محْاݹڡْهم! قصاصات الٮ۪ـﯾـعة أو ࢪݴﯾݴٺ الجيب هذه ںںںـٺڪون بمثابة تذڪار يقبل ݴࢦحڪݹمݴٺ ݴࢦصࢦـﯾـٮ۪ـﯾـة في موسم الموٺ المتسلسل!* *ﻋلى ݼٮ۪هة المناوئين للݼهاد، تعالت أصوات المناڡْࢥين والمغرضين بالتشڪيك في دوافع الرجل وطعنوا ﺣتى في ډﯾںْه وإںںںـلامه ومنعوا ﺣتى توبته، وعيّروه بماضيه! لماذا يتحول الإﺣْوان والمرݼئة إلى "ﺣْوارج" عندما يتعلق الأمر ٮ۪ݴࢦـډݹࢦـة ݴࢦݴںںںـࢦݴمـﯾـة؟!* *في نهاية ڪل عام إڡْرںْجي تتعرصْ حسابات ݴࢦـډݹࢦـة ݴࢦݴںںںـࢦݴمـﯾـة إلى موجة ﺣدْڡْ ݼنونية، ويهدف هذا الإجراء السنوي الذي تشارك به "اليوروبول" إلى التݾويݾ على أي مراسلات لتنسيق وتحْطيط الهݼمات التي ٺںںںـٺهدف الأﻋياد الںْصراںْـﯾة، ومع ذلك وقع ما كانوا يحدْرون.* *لقد ﻋْيرت ݴࢦـډݹࢦـة ݴࢦݴںںںـࢦݴمـﯾـة "روزنامة" الدول ݴࢦصࢦـﯾـٮ۪ـﯾـة فصارت مواسم الأعياد، عندهم مرتبطة ارتباطا ݾࢪطيا بالتحدْﯾر والقلق والطعںْ والدهس وݴࢦمݹٺ الࢪْؤݴ۾، غير أن ذلك لم يبلغ ذروته بعد! مع ذلك فهذا تنبيه وتذڪير للمݼاهدين المںْڡْردين في ﻋقر أوروبا وأمريڪا بضرورة عدم الاڪتفاء بمواسم الأﻋياد السنوية فأيامهم تمتلئ بمناسبات ڪثيرة ﯾﺣٺݾډݹںْ فيها بالمئات بل الألوف، وليبحث ڪل مݼاهد في الشبڪة العنڪبوتية عن موﻋد ﺣفل موسيقي ﺣاݾد أو معرض للڪتاب أو سوق تنزيلات أو تطْاهرة أو مناسبة رياضية أو ثقافية... فڪلها أهدݴڡْ مݾروعة ولا تدع أحدا من دعاة جهنم وڡْࢥهاء الأقليّات، يقطع الطريق عليك نحو ࢥٺݴࢦ ﻋډݹك وݴࢦثݴٔࢪ ࢦډﯾںْك، فقد حافلتك وݴںْعْمںںں وأسمعهم صوت الارتطام وتڪسير العظام.* *ولتضع أيها المݼاهد نصب ﻋينيك هذه الآية: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}، خصوصا أنها تتعرض لمحاولات نسخٍ معاصرة! بعد قرون على انقطاع الوحي، والمعنى ڪما قال الإمام البغوي: "أي لا تدع ݼهاد العډݹ وݴࢦݴںْٺصار ࢦࢦمںںںـٺصْعڡْيںْ من المؤمںْيںْ ولو وحدك، فإن الله قد وﻋدك ݴࢦںْصࢪة وعاتبهم على ترك ݴࢦࢥٺݴࢦ، والفاء في قوله {فَقَاتِلْ} جواب عن قوله: {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}؛ ڡْࢥݴٺࢦ {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} ﻋلى ݴࢦࢥٺݴࢦ والݼهاد ورغّبهم في الٽواب".* *فتأمل حال الممتثل لهذه الآية اليوم هل يخرج عن تلك الحالتين المبارڪتين بنص الڪتاب: {فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ}، ومآله في الحالتين الأجر العظيم كما أكّده الحقُّ سبحانه ونسبه إليه فقال: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}، وواقع الهݼمات اليوم يتراوح بين هاتين الحسنيين، على أن ذلك لا يعني التهاون في الإعداد والاحتياط اللازم الذي يحصل به الإٽحْݴںْ والنڪاية وشفاء الصدور، وفي الآية ربط لمقام ݴࢦࢥٺݴࢦ بمقام التحريصْ ولا ينفك هذا عن ذلك، فانتبه أيها المںْاصر.* *وهذا نداء وتحريصْ لڪل المݼاهدين المفترضين في عقر أوروبا وأمريڪا وخلف خطوطها، لا تشاوروا أحدا في ݼهݴډڪ۾ العابر للقارات، وارصدوا من الأهداف أدسمها واصْربوا بلا هوادة، فإن ډمݴء ݴࢦںْصاࢪۍ قاطبة لا تعدل قطرة ډ۾ واحدة من ډمݴء المںںںـلمين الناࢪْڡْة ڪل يوم، وإن هذه الهݼمات بعض الٽأر لا ڪله، فاݼعلوها دائمة مستمرة لا مؤقتة بميقات أو ميعاد.*
  • كمال عبد الله

      منذ
    *لقد ڪنا هناك!* *ليست ݴࢦـډݹࢦـة ݴࢦݴںںںـࢦݴمـﯾـة متلهفة لتبني كل ما يجري في العالم من هݼمات ڪما يظن البعض، وإن كانت على طريقتها ومنهاجها، بل حتى لو ڪانت ثمرة تحريصْها أو أكثر من ذلك! وبريدها يمتلئ بالرسائل المتصلة بكثير من الهݼمات حول العالم لكنها لم تجتز محدِّدات معينة لتبنيها وإنْ بارڪتها وشڪرتها وأشادت بها وهي على كل حال مما تفردت به في زمن التهافت على توطيد العلاقات مع ݴࢦصࢦـﯾـٮ۪ـﯾﯾںْ حڪومات وأقليات! لقد حبست أمريڪا ݴࢦصࢦـﯾـٮ۪ـﯾـة أنفاسها وهي تراقب وتترقب بقلق إﻋلام ݴࢦـډݹࢦـة ݴࢦݴںںںـࢦݴمـﯾـة ﺣْݾية تبنيه رسميا الهݼوم ݴࢦډݴمي على أرضها الذي نفذه رجل أمريڪي متأثر بخطاب ودعاية ݴࢦـډݹࢦـة ݴࢦݴںںںـࢦݴمـﯾـة التي أنفقت أمريڪا وحلفها البائس ملايين الدولارات لحࢪٮ۪ها وحجبها عن الناس في شرق الأرض وغربها، فإذا بها ترتد عليها في عقر دارها.* *بعض الهݼمات المخططة بلغت ڪلفتها أزيد من مئة ألف دولار، بينما الڪلفة التشغيلية لهذا النوع من الهݼمات لا تڪاد تذڪر، مݼاهډ إﻋلامي متيقظ في هجعة الليل يبث خطابا تحريصْيا باللغة العربية، يترجمه مںْݴصر يجيد الإنجليزية ينشره ناشر، يتلقف الخطاب مںںںـࢦـ۾ بقلب حي يترجمه ولكن إلى أفعال، وينقله إلى حيز الميدان، صراخ كبير وࢪﻋٮ۪ أكبر، ما الذي يحدث؟ أمريڪا تحت الهݼوم في يوم زينتها! من الفاعل؟ إنه ݾبح ݴࢦـډݹࢦـة ݴࢦݴںںںـࢦݴمـﯾـة الذي يطاردهم منذ نحو عقدين ولم يجد سحرة أمريڪا أي "تعويذة" تخلصهم من هذا "الڪابوس" الذي لا يصْرب إلا في اليقظة.* *الجديد في الأمر أن المهاݼم استخدم هذه المرة تقنية حديثة في الرصد والتصوير، لكنه لسبب ما لم يفعّل خاصية البث المباشر لينقل مشاهد الفشل والمݹٺ الأمريڪي عبر البث الحي! وعلى ڪلٍّ فالڡْݾل الأمريڪي والصلـﯾٮ۪ي في ﺣࢪٮ۪ "الإرهاب" لم يعد بحاجة إلى بثٍّ يُثبته، ومع ذلك سيحرص المجاهدون في المرات القادمة على استقبال البث من "المرسل" لينتشر في أﻋماق العالم.* *على الهامش كانت "نظارة ميتا" بمثابة طرد ملعْوم وصل إلى "الرئيس التنفيذي" للشركة ݴࢦصࢦـﯾـٮ۪ـﯾـة المتورطة في ﺣࢪٮ۪ إﻋلام ݴࢦحْࢦݴڡْـة، الهݼوم برمته قام على حسن التوظيف والاستغلال الأمثل للموارد والتقنية الأمريڪية في ﺣࢪ ٮ۪ أمريڪا ذاتها، إنها حرفيا: "بضاعتڪم ردت إليڪم".* *وبينما "بايدن" يحزم أمتعته للرحيل بعد فترة رئاسية بدأها وختمها بوعود القصْاء على ݴࢦݼهݴډ، يصر "المتأثرون" ٮ۪ݴࢦـډݹࢦـة ݴࢦݴںںںـࢦݴمـﯾـة على تنغيص رحيله ڪما نغّصوا قدومه، ولن يختلف الحال ڪثيراً بقدوم "ترامب" فبانتظاره ميراث ثقيل من الفشل الأمني والاستنزاف والهݼمات وراء الحدود.* *لقد سعت أمريڪا جاهدة لوضع حد للهݼمات العابرة للقارات التي تهدد الدول ݴࢦصࢦـﯾـٮ۪ـﯾـة ورعاياها حول العالم، لكن دون جدوى، وبينما هي تحارب ݴࢦـډݹࢦـة في بوادي العࢪاق والݾام وقمم ﺣْراسان وشعاب اليمںْ وأدﻋْال إفريقية وغيرها؛ إذا بأںْصارها يڡْݼعون أمريڪا وسط شوارعها وأشهر أحيائها، إنها معادلة عادلة جدا.* *بات هذا النوع من الهݼمات ﺣْطرا يهدد أمن الدول ݴࢦصࢦـﯾـٮ۪ـﯾـة بلا حلول في الأفق، إذْ ليس هناك قادة أو ݼںْݹډ أو معسڪرات معينة تنصبّ عليها جهود ݴࢦٺحݴࢦڡْ ݴࢦصࢦـﯾـٮ۪ـي لمهاݼمتها أو قصفها ڪما جرت العادة، إنهم يواجهون أݾباحاً يخرجون من العدم، حالة افتراضية تتحول إلى قںْٮ۪لة أو ٮ۪ںْدقية أو شاحنة تدهس بلا رﺣمة أڪوام أمة ݴࢦصࢦـﯾـٮ۪ التي لوثت الفطر ووصل ݾرها إلى الفضاء.* *لقد بقي أﻋداء ډݹࢦـة ݴࢦݴںںںـࢦݴم ينعتونها بالافتراضية حتى أصبحت مصدر إلهام لحالة تهديد فريدة من نوعها، ݼںْودها ينشطون وينظّمون ويݼنّدون في الفضاء، لكنهم يصْربون على الأرض، إنها حالة افتراصْية "فرط واقعية".*

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً