نعمة الشيخوخة

منذ 8 ساعات

الله من رحمته خلق الشيخوخة لتُفيق وتستعد؛ لتُحسِّن نهاية صحيفتك، وخاتمة أنفاسك؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعذر الله إلى امرئٍ أخَّر أجَلَه حتى بلَّغه ستين سنةً»

نعمة الشيخوخة

إن أعراض الشيخوخة الطبيعية التي يهرُب منها الناس، ويحاولون كل المحاولات لطمس معالمها، والهروب من هيئتها - لَنِعْمَةٌ كبرى؛ فالوصول إليها أو الإحساس بها، أو مشاهدتها نازلةً بغيرك يُزهِّدك في هذه الحياة الدنيا، ويُرغِّبك فيما عند الله، يزهِّدك في الزخرف الفاني، ويرغِّبك في الذهب الباقي، جاءك نذيرُ الشَّيب، وإحساس الضعف في القِوى والوظائف؛ لتعقِلَ أنك ما خُلقت لهذه الحياة، إنما للحياة الخالدة هنالك عند رب الخلائق.

 

نعم، هي نعمة؛ فلو أن الإنسان يعيش حياته كلها وهو شابٌّ، ويموت وهو شاب، لطغى وبغى، وغفل ولم يستعد للدار الآخرة، لكن الله من رحمته خلق الشيخوخة لتُفيق وتستعد؛ لتُحسِّن نهاية صحيفتك، وخاتمة أنفاسك؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعذر الله إلى امرئٍ أخَّر أجَلَه حتى بلَّغه ستين سنةً»، ستون سنة بالتقويم الهجري وليس بالميلادي، بمعنى تقريبًا 58 سنة بالتقويم الميلادي؛ قال ابن حجر رحمه الله: "قوله: (أعذر الله): الإعذار إزالة العذر، والمعنى أنه لم يبقَ له اعتذار، كأن يقول: لو مُدَّ لي في الأجَل، لَفعلتُ ما أُمرت به، يُقال: أعذر إليه إذا بلَّغه أقصى الغاية في العذر ومكَّنه منه، وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة، مع تمكُّنه منها بالعمر الذي حصل له، فلا ينبغي له حينئذٍ إلا الاستغفار، والطاعة والإقبال على الآخرة بالكلية، والمعنى أن الله لم يترك للعبد سببًا في الاعتذار يتمسك به، والحاصل أنه لا يُعاقب إلا بعد حُجَّة".

 

وقال رحمه الله: "قال ابن بطال: إنما كانت الستون حدًّا لهذا؛ لأنها قريبة من المعترك، وهي سن الإنابة والخشوع وترقُّب المنيَّة، فهذا إعذار بعد إعذار لطفًا من الله بعباده، حتى نقلهم من حالة الجهل إلى حالة العلم، ثم أعذر إليهم، فلم يعاقبهم إلا بعد الحُجَجِ الواضحة، وإن كانوا فُطِروا على حب الدنيا وطول الأمل، لكنهم أُمِروا بمجاهدة النفس في ذلك؛ ليتمثلوا ما أُمروا به من الطاعة، وينزجروا عما نُهوا عنه من المعصية، وفي الحديث إشارة إلى أن استكمال الستين مَظِنَّة لانقضاء الأجَل؛ وأصرح من ذلك ما أخرجه الترمذي بسند حسن إلى أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة رفعه: «أعمارُ أُمَّتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك»؛ قال بعض الحكماء: الأسنان أربعة: سن الطفولية، ثم الشباب، ثم الكهولة، ثم الشيخوخة وهي آخر الأسنان، وغالب ما يكون ما بين الستين والسبعين، فحينئذٍ يظهر ضعف القوة بالنقص والانحطاط، فينبغي له الإقبال على الآخرة بالكلية؛ لاستحالة أن يرجع إلى الحالة الأولى من النشاط والقوة".

 

قال تعالى: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ} [يس: 68]؛ قال ابن كثير رحمه الله، وما أجمل وأروع ما قال: "يُخبر تعالى عن ابن آدم أنه كلما طال عمره، رُدَّ إلى الضعف بعد القوة، والعجز بعد النشاط؛ كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم: 54]، وقال: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5].

 

والمراد من هذا - والله أعلم - الإخبار عن هذه الدار بأنها دارُ زوالٍ وانتقال، لا دارُ دوامٍ واستقرار؛ ولهذا قال: { {أَفَلَا يَعْقِلُونَ} } [يس: 68]؛ أي: يتفكرون بعقولهم في ابتداء خَلْقِهم، ثم صيرورتهم إلى نفس الشَّبِيبة، ثم إلى الشيخوخة؛ ليعلموا أنهم خُلِقوا لدار أخرى، لا زوال لها ولا انتقال منها، ولا مَحِيدَ عنها؛ وهي الدار الآخرة".

 

قال القرطبي رحمه الله:

"قال الشاعر:

من عاش أخلقَتِ الأيامُ جِدَّتَه   **   وخانه ثقتاه السمعُ والبصرُ 

 

فطولُ العمر يُصيِّر الشباب هَرَمًا، والقوة ضعفًا، والزيادة نقصًا، وهذا هو الغالب، وقد تعوَّذ صلى الله عليه وسلم من أن يُرَدَّ إلى أرذل العمر؛ {أَفَلَا يَعْقِلُونَ} [يس: 68] أن من فعل هذا بكم قادر على بعثكم".

 

نعمة كبرى لا يُقدِّر قدرها إلا الموفَّق الْمُسدَّد: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم: 54]؛ قال السعدي رحمه الله: "ثم انتقل من هذا الطَّور، ورجع إلى الضعف والشيبة والهرم، {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [الروم: 54] بحسب حكمته، ومن حكمته أن يُريَ العبدَ ضعفَه، وأن قوته محفوفة بضَعفَين، وأنه ليس له من نفسه إلا النقص، ولولا تقوية الله له لَما وصل إلى قوة وقدرة، ولو استمرت قوته في الزيادة، لطغى وبغى وعتا.

 

وليعلم العبادُ كمالَ قدرة الله التي لا تزال مستمرة يخلق بها الأشياء، ويدبر بها الأمور، ولا يلحقها إعياء ولا ضعف، ولا نقص بوجه من الوجوه".

 

قال ابن كثير: "ثم يشرع في النقص فيكتهل، ثم يشيخ ثم يَهْرَم، وهو الضعف بعد القوة، فتضعُف الهِمَّة والحركة والبطش، وتشيب اللِّمة، وتتغير الصفات الظاهرة والباطنة؛ ولهذا قال: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم: 54]؛ أي: يفعل ما يشاء ويتصرف في عبيده بما يريد، {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم: 54]".

 

قال ابن عاشور رحمه الله: "وعطف {وَشَيْبَةً} للإيماء إلى أن هذا الضعف لا قوةَ بعده، وأن بعده العدم بما شاع من أن الشيب نذير الموت".

 

والعاقل هو من يستغل شبابه وعمره قبل أن يذوق ضعفه وهرَمَه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يَعِظُه: «اغتَنِمْ خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هَرَمِك، وصحتك قبل سُقمك، وغِناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».

 

وقال: «لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره: فيمَ أفناه، وعن علمه: فيمَ فعل؟ وعن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه: فيمَ أبلاه» ؟، وقال: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»؛ قال ابن حجر: "وقال ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحًا، ولا يكون متفرغًا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا فغَلَبَ عليه الكسل عن الطاعة، فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقُبه الشغل، والصحة يعقبها السُّقم، ولو لم يكن إلا الهَرَم كما قيل:

يسُرُّ الفتى طول السلامة والبقا   **   فكيف ترى طول السلامة يفعلُ 

يرد الفتى بعد اعتدال وصحــة   **   ينوء إذا رام القيام ويُحمَـــــــلُ 

 

وقال الطيبي: ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمكلَّف مثلًا بالتاجر، الذي له رأس مال، فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال، فطريقه في ذلك أن يتحرَّى فيمن يعامله، ويلزم الصدق والحِذْقَ؛ لئلا يُغبَن، فالصحة والفراغ رأس المال، وينبغي له أن يُعامِلَ الله بالإيمان ومجاهدة النفس وعدوِّ الدين؛ ليربح خيري الدنيا والآخرة؛ وقريب منه قول الله تعالى: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف: 10]؛ الآيات؛ وعليه أن يجتنب مطاوعة النفس ومعاملة الشيطان؛ لئلا يضيع رأس ماله مع الربح، وقوله في الحديث: «مغبونٌ فيهما كثير من الناس» كقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]، فالكثير في الحديث في مقابلة القليل في الآية، وقال القاضي وأبو بكر بن العربي: اختُلِف في أول نعمة الله على العبد، فقيل: الإيمان، وقيل: الحياة، وقيل: الصحة، والأول أولَى؛ فإنه نعمة مطلقة، وأما الحياة والصحة، فإنهما نعمة دنيوية، ولا تكون نعمة حقيقية إلا إذا صاحبت الإيمان، وحينئذٍ يُغبَن فيها كثير من الناس؛ أي: يذهب ربحهم أو ينقص، فمن استرسل مع نفسه الأمَّارة بالسوء الخالدة إلى الراحة، فَتَرَكَ المحافظة على الحدود، والمواظبة على الطاعة فقد غُبِنَ، وكذلك إذا كان فارغًا، فإن المشغول قد يكون له معذرة بخلاف الفارغ؛ فإنه يرتفع عنه المعذرة، وتقوم عليه الحُجَّة"؛ [انتهى كلامه].

 

أقول: والعاقل هو من يَعتِبر بحاله، ويتَّعظ إذا ما وصل إلى سن الضعف والشيبة والهرم، ويستغل باقي حياته في طاعة الله، ولم يضيع نفائس أنفاسه فيما لا يفيد، ويحسن وفادته على ربه، ويهيئ مِهاده قبل الرحيل، والحكيم هو من إذا كبُرت سنُّه يُحوِّل وجهته في الليل - عند حسرة البول - من الحمام إلى محراب القيام، ومن قلق الليل والأسحار إلى عبادة ربه الغفار، الحكيم هو من يفهم هذه النعمة جيدًا، ويعلم حكمة الحكيم سبحانه، وقدرته الكبيرة، وإرادته النافذة، وقوته الكبيرة؛ ليُدرِكَ ساعتها ذلكم العبدُ الموفَّق أنه الضعيف الذليل المسكين بين يدي ربه الفقير إليه، ويدرك لطفه سبحانه به؛ إذ يسوق له ما يصلحه في خفاء، حتى تلكم الشيخوخة والضعف، العاقل الحكيم يدرك ذلك كله، فيشكر ربه على نعمائه، ولا يجزع عند البلاء، بل يصبر على الطاعة، وعن المعصية، وعلى القَدَرِ المؤلم، ريثما يُنعِم عليه ربه باللحظة الفارقة المرتقبة بحسن الختام؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله عز وجل بعبدٍ خيرًا عَسَلَهُ، وهل تدرون ما عسله» ؟ قالوا: الله عز وجل ورسوله أعلم، قال: «يفتح الله عز وجل له عملًا صالحًا بين يدي موته، حتى يرضى عنه جيرانه، أو من حوله» ، وفي رواية: «إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا عَسَلَهُ» ، قيل: وما عسله؟ قال: «يفتح له عملًا صالحًا قبل موته، ثم يقبضه عليه».

 

رزقني الله وإياكم حُسْنَ الختام، وصحبةَ خيرِ الأنام في جنات عدن، مُتنعِّمين برؤية وجه ربنا الملك القدوس السلام.

____________________________________________
الكاتب: د. محمد أحمد صبري النبتيتي

  • 1
  • 0
  • 97
  • عبد السلام خالد

      منذ
    فارس الإعلام أبو بلال الحمصي أقسم على الله فأبرّه، نحسبه • من إعلام «الثورات» إلى إعلام الخلافة، ليحط رحاله أخيرا في قناديل تحت عرش الرحمن، نحسبه والله حسيبه. أبو بلال، ابن مدينة حمص الأبية ذو الثامنة والعشرين ربيعا، أسد مقدام وفارس في زمن عزّ فيه الفرسان، لم يخش في الله لومة لائم صدع بالحق حينما كُممت الأفواه، شهم شجاع ما عرفه أحد إلا أحبه، ترك الدنيا وزينتها، في وقت كان فيه شباب المسلمين يلهثون وراء الدنيا وحطامها، لكنه من نوع آخر فريد، شغف قلبه حب الجهاد وأسر روحه الكريمة عشق الشهادة فطلب الموت واشتاق لقاء الرحمن حتى نال شرف اللقاء في أعلى مراتبه درس العلوم «الشرعية» بمعهد حمص وحصل على شهادة، لم تكن تعني له شيئا، فالمناهج كانت أشعرية صوفية، كان يبحث عن مراده ولم يجده إذ لم يجد إلى أرض الجهاد سبيلا حتى انطلقت الأحداث في الشام فصار محرّضا على النظام النصيري يحض رفاقه على الخروج عليه. لم تستهوه السلمية ولا صرخات الحناجر فالذل لا تمحيه إلا الخناجر فبدأ أبو بلال يحرّض رفاقه على رفع السلاح في وجه الطغاة ثم أخذ يجمع التبرعات التي يجود بها المسلمون لأهلهم المستضعفين ببلاد الشام ولكن لم يرض أن تكون هذه الأموال إلا لشراء السلاح والإعداد ليواجهوا هذا الطاغوت. عمل مع الكثير من الخارجين على النظام النصيري في كيانات وتحت مسميات شتّى كانت أهداف العاملين فيها لا تتجاوز الخروج على هذا النظام، وقد انتكس كثير ممن كان معه فيها وهوى في مهاوي الفصائل ومؤامرات الفنادق بينما كان هدفه هو أن يجد الطريق إلى الراية النقية المجاهدة. كان دوره في هذه الفترة هو تحويل الدعم إلى سلاح، إضافة إلى نقل معاناة المسلمين في حمص المحاصرة للعالم وله مع إعلام العار مواقف كثيرة، أظهر فيها زيف دعاويهم، فلقد كانوا يلزمونه بعدم كشف فضائح «الائتلاف» و «المجالس المحلية» التي تتاجر بدماء المستضعفين ولكن صدقه وسلامة فطرته منعاه من ذلك فقد كان كلما حاوروه طفق يكشف خور كل هؤلاء العملاء ويفضح مشروعهم الخبيث ثم ما لبثوا أن اشترطوا عليه إزالة راية التوحيد التي كان يضعها وراءه، اعتزازا بها، ولمّا خيروه بين الراية والشهرة ضربهم عرض الحائط وازداد تمسكا بالراية. تواصل معه العرعور مطية طواغيت آل سلول الذي باع دينه بالدولار والريال وساومه ليطعن بمجاهدي دولة الإسلام أو قطع الدعم عنه وعن مجموعته فرفض أبو بلال عرض العرعور رغم أنه كان في قلب حمص يعيش مع أبناء منطقته قصة صمود تحت خناق حصار رهيب لا يملكون ما يسدون به الرمق بل جلد العرعور حين أعلن أمام الملأ، أنه إذا خرج من الحصار حياً سيبايع دولة الإسلام ويقاتل كل من يقاتلها. خرج من حمص بعد أن سلمها العملاء للنظام النصيري على طاولة المفاوضات برعاية أمم الكفر حاملاً في قلبه وجعا وألما كبيرين لتركه أرضه مجبرا معاهدا الله أن يعود فاتحا وقال كلمته الشهيرة رافعا سبابة التوحيد قبل خروجه: «لا تظنوا أننا لن نعود، سنعود، بإذن الله، ولكن بالدماء والأشلاء لنحرقكم حرقا، فانتظرونا»! خرج أبو بلال من حمص مهاجراً إلى دار الإسلام، في حين سلك أغلب من كان معه في الحصار طريق تركيا باحثين عن عرض من الدنيا قليل فثبت الفارس بعدما وجد طريق الحق والهداية وإن كان صعباً مُتعِبا فشتان بين طريق أشواك نهايته الجنان، وطريق رياحين وورود نهايته جهنم وبئس المصير! • هجر أضواء الشهرة والفضائيات ليكتب قصة جهاده بالدماء والأشلاء بدأت حياته الجديدة بين إخوانه المهاجرين والأنصار، في كنف دولة الإسلام، فأحب إخوانه وأحبوه حبا شديدا، لفرط أدبه، وحبه لهم، وذوده عنهم، فترك أبو بلال أضواء الشهرة وبريق الفضائيات ليكون جنديا خفياً من جنود الخلافة، فهو لا يهتم بمعرفة الناس له، فيكفي أن يعرفه رب الناس ويصطفيه. واصل مسيرته مجاهدا إعلاميا، فكان ممن ينقلون معارك دولتنا لتكون بشرى للموحدين وحسرة لأعداء الدين. كانت عدته سلاحه وآلة التصوير فهما أغلى ما يملك وبهما تعلق قلبه، سلاح بيده، يسطر به أروع الملاحم، وآلة التصوير في اليد الأخرى، توثق هذه الملاحم. هكذا كان هذا المجاهد الإعلامي، فلم يترك غزوة إلا كان في صفها الأول، ولا بشرى إلا كان أول من يزفها، ولم يكتف بهذا، بل أراد المزيد من التضحيات في سبيل الله، فقد شغف قلبه حب الشهادة، وأصبح يردد في جلوسه وقيامه: «اللهم شهادة ترضى بها عني، اللهم خذ من دمي وأشلائي حتى ترضى». أسر قلبه الاستشهاديون وفعالهم، فكان يصور وصاياهم، وكلما وقف أمامهم بكى بحرقة وحسرة، وليس يَبكي هؤلاء الأحبة الذين سيفارقهم، بل يبكي حاله وحرمانه، إنه الاصطفاء الذي في كل مرة يتجاوزه، وكلما مرت في إصدار ما قصة استشهادي، تجده يندمج في تلك اللحظات، حتى كأنه ينقطع عن هذه الدنيا وينتقل إلى عالم آخر، بدايته طير خضر وقناديل، ثم حين يعود إلى عالمه تنهمر دموعه غزيرة ليقول: «ونحن متى نلتحق بهذه القوافل؟!». مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 21 – قصة شهيد: السنة السابعة - 1437 هـ
  • Rida

      منذ
    📰 صحيفة النبأ العدد477 🔗 https://jmp.sh/s/wrh9gROypTuxVcXQ81t4 https://pdf.ac/3BRY35 https://drive.google.com/file/d/1D0znKPhbZiytaCB8VFQ31YyxJHedYdEd/view?usp rive_link https://www.flipsnack.com/BEB86977C6F/477/full-view.html https://publuu.com/flip-book/768296/1703792
  • كمال عبد الله

      منذ
    عادل بن عبد الله المجماج التميمي ناصَر الأسرى في جزيرة العرب، وجاوَرهم... ثم قُتل وهو يسعى إلى فكاك أسرهم أرض القصيم، ودود ولود، نزعت عنها رداء الشرك من قرون، ونصر أهلها التوحيد، فكان منهم أجيال من الموحّدين المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، ولا ينقضي جيل إلا وقد غرس في الذي يليه عقيدة صافية، ونفوسا أبية. ولم يختلف جيلنا المعاصر عن أسلافهم، فالألوف من شباب القصيم نفروا خلال العقود الماضية ليمدوا ساحات الجهاد في مشارق الأرض ومغاربها، ولم تنفع كل محاولات الطواغيت من آل سلول في القضاء على دعوة التوحيد في هذه المنطقة، رغم التعسف والسجون، ورغم تلبيس الملبسين من السرورية والجامية وأشباههم. فلا زال فيها بقية باقية من أهل الإيمان، يسيرون على خطى أسلافهم ممن نصر دعوة التوحيد عندما صدع بها الشيخ محمد بن عبد الوهّاب وإخوانه، ممّن لا يعرف إلا طريق العزة والشرف والرفعة، فجعل طريقها يبدأ من الصدع بملة إبراهيم، ويمر على سجون ومعتقلات المرتدين، إلى مناجزتهم بالسيف، ومن هذه الثلة المباركة بطلنا المجاهد أبو عبد الله التميمي (عادل بن عبد الله المجماج) تقبّله الله. ولد أبو عبد الله في مدينة عنيزة من حواضر نجد عام 1410 هـ، وشب على حب العلم وأهله، وثنى ركبتيه على عدد من علماء مدينته وحفظ القرآن على أيديهم، وكان يتردد على مجالس العلم ليتعلم دين الله عز وجل، ويرفع الجهل عن نفسه. دخل كلية الشريعة وكان الطالب المجتهد فيها، إلا أنها كانت مليئة بالمناهج الضالة، سواء من جهة كتبها المفروضة، أو من الأفكار التي يروجها المدرسون فيها، وكان -رحمه الله- كما ذكر عنه أحد أقرانه لا يسلّم لهم بما يطرحونه من أباطيل وضلالات، بل يناقشهم ويردّ على شبهاتهم، وكان منهم مدرس يشيع في محاضراته انحرافات في العقيدة، فلم تكن تمر محاضرة لهذا المدرس إلا ويناقشه أبو عبد الله ويرد على ضلاله، ولم يطل به الأمد وترك الكليّة مبكرا. كان -رحمه الله- من الصادعين بالكفر بالطاغوت، لا يجلس مجلسا إلا ويبّصر الناس بحقيقة طواغيت آل سلول، وحكم عسكرهم، وشرطهم، وعلمائهم المرتدين. ومن المعلوم من سنن الله الكونية أن الصراع بين الحق والباطل مستمر حتى قيام الساعة، ولذلك سعى طواغيت الجزيرة إلى محاربة الجهاد والمجاهدين في كل مكان، زاعمين أنهم سيوقفون أهل هذه الدعوة المباركة عن نشرها، وأنهم سيمنعون الرجال من القتال والجهاد، فملؤوا سجونهم بالشباب المجاهدين، وزجوا بالموحدين في معتقلاتهم، لا لذنب إلا أنهم صدعوا بالتوحيد، وحاربوا عباد الصليب وأذنابهم. فكان لهذا الأمر تأثير بالغ على كثير من الشباب ومنهم فارسنا تقبله الله، فكان من أبرز المناصرين للأسرى والأسيرات في سجون الطواغيت، وأسر من أجل ذلك مرتين؛ إحداها حينما خرجت مسيرة نصرة للأسرى في سوق النخيل في مدينة بريدة، حيث قام جنود الطواغيت بالاعتداء على نساء المسلمين، فانبرى لهم الأسد، وتعارك مع جنود الطاغوت حتى يمنعهم من الوصول للنساء حتى اعتقلوه ومكث في السجن أكثر من سنة، حتى أفرج عنه، ثم خرج عزيزا شامخا ينصر دين الله. وما لبث أن ذهب إلى سجن الطرفيّة مطالباً بفكاك الأسرى والأسيرات من سجون الطواغيت، ومعه أحد إخوانه فاعتقله الطواغيت مرة أخرى، ليزجوا به في معتقلاتهم لأكثر من ثلاث سنين، ثم أفرجوا عنه، بعد أن وضعوه في برنامج الطاغوت ابن نايف للمناصحة، وهو برنامج يضعون فيه الموحدين قبل الإفراج عنهم محاولين صرفهم عن التوحيد الذي دعوا إليه. حينما خرج من سجونهم وضع الطواغيت في ساقه حلقة إلكترونية لتتبعه، ومعرفة مكانه في كل وقت، وظنوا أنهم بهذه الحلقة سيجعلون بطلنا ذليلا خانعا لهم، فلم يستسلم لهم -تقبله الله- بل تمكّن من الاتصال بالمجاهدين في ولاية نجد بعد فترة قصيرة من خروجه من السجن، ولم يكن ما وضعوه له عائقا له من النفير، فقام بقصها رغم خطورة ذلك عليه، ولحق بالإخوة المجاهدين مبايعاً لخليفة المسلمين. التحق بجنود الخلافة في جزيرة العرب، وقلبه يحترق على أخواته الأسيرات في سجون الطواغيت المرتدين، وعلى إخوة لهم أعدمهم الطاغوت بسبب نصرتهم للمجاهدين، وقتالهم للصليبيين وأذنابهم المرتدين، فلا يكاد يمر عليه يوم إلا ويذكر من خلّفهم وراءه من إخوانه الأسرى والأسيرات في سجون الكفر، كيف لا وهو اعتقل مرتين نصرة لهم. انضمّ -رحمه الله- إلى إحدى السرايا، التي قامت بتنفيذ عدد من العمليات التي أرعبت الطواغيت وجنودهم، وكان له خبرة في مجال التقنية وأمن المعلومات، فلم يبخل على إخوانه بإعطائهم الدروس والتعليمات في هذا الأمر المهم لهم. وما كان لهذه النفس بعد هذا الجهد والنصب والتعب إلا أن تستريح من هذه الدنيا الفانية، فقد قام المرتدون في يوم الخميس (27 رجب 1437 هـ) بمحاصرة مكان السرية في ولاية الحجاز بين الطائف ومكة، ومطالبة الإخوة الموجودين بتسليم أنفسهم للطواغيت، وأنى لهذه الأسود أن تسلم نفسها وقد ذاقت في الجهاد طعم العز فاشتبك معهم الإخوة بالأسلحة الخفيفة، وجلب الطواغيت كعادتهم عشرات المدرعات، والمئات من الجنود رغم معرفتهم أن الإخوة قلة قليلة لا يملكون إلا أسلحة خفيفة. وانغمس أخونا أبو عبد الله على سيارة لقوات الطوارئ المرتدة بحزامه الناسف وفجره فيهم، ليرسل لأعداء الله رسالة أن الأسود لا تسلم نفسها للكلاب، وأن القتل في سبيل الله منية المجاهدين، وأنهم ما خرجوا إلا من أجل نصرة هذا الدين، وإقامة شرع الله المغيَّب، ولكي يبذلوا دماءهم لأجل هذا الهدف، وأن المجاهدين لن يكونوا لقمة سهلة للطواغيت، بل دون الوصول لهم دماء وأشلاء، وأن جنود الخلافة قد رووا بدمائهم أرض جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم. فليبشر طواغيت الجزيرة بما يسوؤهم، فخلف هذا الرجل رجال، لم يلقوا أسلحتهم بعد، ولن يلقوها أبدا حتى يكون الدين كله لله، في جزيرة العرب، وفي أرض الله كلها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 30 السنة السابعة - الثلاثاء 3 شعبان 1437 هـ قصة شهيد: عادل بن عبد الله المجماج التميمي ناصَر الأسرى في جزيرة العرب، وجاوَرهم... ثم قُتل وهو يسعى إلى فكاك أسرهم.

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً