أيها القابع في الشبهات، أما آنت توبتك قبل الممات؟

منذ 9 ساعات

احذر أن تكون استنارتك هي قطع كل سبل الإضاءة عن المهتدين، وإشاعة الفتنة بين المسلمين، ونشر الكذب، والتضليل، والتدليس والتلبيس على أهل الدين في ثوابتهم، ومعتقدهم بإشاعتك الظلمة بين طرائقهم

أن تكون تنويريًّا ذا فكر مستنير لا ظلاميًّا، حيث لا تَظلم ولا تُظلَم، ولا تهدم معتقدًا أنزله الله تعالى، وارتضاه لصلاح خلقه، ولا تسفه رأيًا لغيرك، وإن اختلف معك، تنطلق من ثوابت لا تحيد عنها، ومبادئ لا تغيرها فتثبت عليها، ولك عقيدة راسخة رسوخ الزمان، تبني عليها وتستند، وهي المرجع، والمعتمد؛ فهذا لا غضاضة فيه، ولا استنكار له، ولا اعتراض عليه، لكن بالله الذي تُوحِّده بأي استنارة استنرت، وبأي هديٍ اهتديت، وبأي نور أضأت، أكان مصدر نورانيتك الله تعالى، ورسوله الكريم؟

 

أكانت قاعدة إضاءتك القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وإجماع الصحابة الأكارم، والقياس، وسائر مصادر التشريع الإسلامي؟ أم ماذا؟

 

احذر أن تكون استنارتك هي قطع كل سبل الإضاءة عن المهتدين، وإشاعة الفتنة بين المسلمين، ونشر الكذب، والتضليل، والتدليس والتلبيس على أهل الدين في ثوابتهم، ومعتقدهم بإشاعتك الظلمة بين طرائقهم، وسائر دروبهم، ونثرك السواد الحالك أمام أعينهم؛ حتى لا يروا إلا ما تراه أنت، ولو كان وهمًا، وخديعةً، وكذبًا؛ فليس هذا من الاستنارة في شيء، بل إنه عين الظلام، والتهاوي لمساقط المتردين بأسفل سافلين، فأنت بذلك أول الساقطين قبل سقوطهم، وأسرع الهاوين بدركات الأسفلين قبل وقوعهم، وأول من تحرقه سموم أفكاره، ولفح مفاهيمه، وغموض أهدافه، وسوء قصده، وشناعة مأربه، وسواد نيته، وقطعًا ستخسر نفسك قبل خسران الآخرين لأنفسهم ممن تسببت بإضلالهم، وتشويش أفكارهم، وهدم ثوابتهم.

 

إياك أن تعني باستنارتك المزعومة قطع جميع السبل الواصلة بين الله الحق، وبين جميع الخلق، واستنكارك لما عرف وأُلِف، وإلفك لكل منكر مختلف، وقلبك الحقَّ باطلًا، والباطلَ حقًّا.

 

 

إياك أن تقصد باستنارتك النبش في مراجع المستشرقين ممن تقاضوا أثمانًا باهظةً، ومبالغَ طائلةً؛ للطعن، والتشكيك، والتشويه لكل غض ندي طاهر بالإسلام، والمسلمين لتتقوَّل عليه ما لم يقل، وتتفلسف فيه ما لم يحتمل، وتنظر عليه كأنك جئت بما لم يأتِ به الأوَّلون والآخرون؛ فيخال لك من السبق ما لم يسبقك به أحد، ومن الريادة والتفرد فيما لم يرد عليه أبد.

 

أيها القابع بنفايات من الشبهات، ما أشنع يداك حينما تعبث بتلك النفايات! لتلقي بشبهات إثر شبهات كعثرات بطريقنا، وعقبات أمامنا؛ حتى تشتت عقولنا، وتريب أفئدتنا نحو شموخ الإسلام، ونقائه، وسمو نبيه، وعلو نهجه، وطهر آل بيته، وعدالة صحبه، واستقامة تابعيه من سلف، ومن خلف، لكنا والله ثابتون على الحق، سائرون بالدرب؛ فما يكال لنا منك بشبهات لغزير، وما يصبُّ بآذاننا منك بترهات لكثير، لا طاقة لنا باستيعابه فضلًا عن تحمله إلا لمتخصص بالعلم، فما بالكم بعوام الخلق ممن ليس له باع، ولا بضاعة بتفنيد الغث من السمين، ومعرفة الصالح من الطالح، والمفيد من الفاسد، فضلًا عن عدم معرفتهم بكيفية إبطال الحجة بالحجة، ودرء الدليل بالدليل، وإفحام المخالف بالبرهان الساطع، والكلام القاطع؛ فالأمر جد خطير، وتداركه ليس باليسير؛ فإثارتكم لتلك الشبهات بعقول العوام بمثابة وضع إنسان معصوب العينين بحجرة مظلمة مليئة بالعثرات، والحوائط، وقد طلب منه الخروج من تلك الحجرة سالمًا وهو شبه أعمى؛ فذاك قطعًا محال، وأبدًا لا ينال، فإما أن يصطدم بما دونه فيحطمه، وإما أن يصطدم بأقوى منه فيتحطم به؛ إذ بكلا الحالتين غير ناجٍ، وما دونه فغير سالم، فإثارتكم للشبهات هي عصابة العين التي توضع فوقها فلا يبصر بها، والظلمة بتلك الحجرة هي قلة بضاعة عوام البشر من العلم الكافي، واليقين الشافي، ونجاة ذاك المعصوب بحجرة مظلمة هو فك العصابة عن عينيه بإزالة تلك الشبهات، ودحضها، والعمل على إذابتها، ومحوها؛ بكثرة قراءته، وتعمق فهمه، وتبحر علمه؛ إذ لا سبيل ينجي من براثن شبهه إلا بالعلم السديد، والرأي الرشيد.

 

أغاية مبتغاك التدليس على عامة الناس في دينهم، وأمور شرعهم بإلصاق بعض الهفوات، والصغائر ببعض الصحابة الأفاضل، والصحابيات الفضليات؟

 

أمنتهى هواك الوصول من خلال تلك الهفوات التي لا تسمن ولا تغني من جوع إلى القدح بهم، والانتقاص بقدرهم، والحط بمقدارهم وإسقاط عدالتهم؟ واستدلالك بما لا يصح، ولم يثبت، أو ببعض الآيات القرآنية المشتبهة على الخلق، وبعض الأحاديث المشكلة بفهمها، وصعوبة وعيها، وبعض الآثار التاريخية، والمسائل الفقهية الشائكة المتداخلة، وتشويه بعض الشخصيات الإسلامية، وأكثر الرموز التاريخية التي قامتها شماء، وصفحتها نقية بيضاء، وأياديها سابغة الكرم بالبذل في الإعطاء، وحسابها بما لها، وما عليها؛ فليس عليك، ولا بيديك، لكن على ربها القادر أزلًا، وأبدًا، بحاضر، وإنساء.

 

فيا لشدة حرصك بمحاربتك لله! وعدم اكتراثك بخذلانه لك؛ بإضعافه بأسك، وإيهانه حجتك، وإسقاطه رأيك، وإقلاله ناصريك، وإكثاره خاذليك بمسعاك في هدم الإسلام، وإزالة قيمه، ومحو مآثره، وطمس إشراقه، ويا لكثرة بؤسك القاصر فيه! والقابع له بنشر الإشاعات، وذر الموبقات، وإشاعة الملهيات الصارفة له عن كل هام به، ومفيد، وقدحك لكل قيمة له، وعفة فيه، وطهر له بكل فاحشة، وذنب، وعهر.

 

يا صاحب الفكر المظلم، والذهن المعتم، ألا زلت تعتقد أن الإسلام تخلُّف، ورجعية؛ إذ ليس لك حاجة بدخول الحمام بقدمك اليسرى، وخروجك منه باليمنى، فكل عهدك بالدين مختزل بآداب قضاء الحاجة فقط، وأن الدين لديك انتهى عند باب الخلاء، ألا سحقًا لفكرك، وبعدًا لمعتقد ذهنك، وخبث سريرتك، وظلام قلبك؛ إذ الدين عام، وشامل؛ فالدين عقيدة، وشريعة، وأخلاق، ومعاملات.

 

فالدين عقيدة انعقد القلب بها، وربط عليها بالإذعان الخالص لله الواحد بتوحيده، وتنزيهه، وتمجيده، وتسبيحه بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، وإفراده بالألوهية، والربوبية.

 

والدين شريعة تنظم لنا كل شيء بحياتنا؛ فلم يترك الدين بشرعته شاردةً، ولا واردةً إلا وذكرها، وأعطاها قدرها، واهتمامها من عبادات تشتمل على الأحكام العملية، لأفعال المكلف وعلاقته بالله تعالى، وهي: الطهارة والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج وما يندرج بكل ذلك.

 

والدين معاملات تتضمن جملةً من الأحكام الشرعية العملية، التي تنظم علاقة المكلف بالآخرين؛ فيشمل الأحكام المدنية، وفقه الأسرة (الزواج، والطلاق، ونحوهما)، والمرافعات (القضاء والشهادة، والجنايات، والعلاقات الدولية، والأحكام الاقتصادية، والعقود، والتصرفات الصحيحة، والفاسدة... إلخ).

 

والدين شامل للفرد، والمجتمع، وتقديره لكليهما؛ فالفرد نواة المجتمع وأساسه، وأهم لبناته، به يستند، وعليه يقوم ويعتمد، والمجتمع كيان الفرد الذي يحتمي به، ويستظل فيه، ويعمل لرفعته، وارتقائه.

 

الدين يضبط الحياة فتستقيم على خير نهج، وأمثل شرع، ويضبط بالإنسان عقله، وفكره، وينقي قلبه، ويطهر جوارحه، ويقوي عزيمته، ويشد من همته، ويزكي فطرته، ويعلي هامته، ويدعم بأسه، ويسمو بروحه فينصلح حاله، ومآله فيسود بالدنيا، ويحظى بنعيم الله تعالى، ورضاه بالآخرة.

 

والدين أخلاق، وقيم، ومثل عليا كفيلة بإنشاء مجتمع من الملائكة بل أسمى منهم منزلةً عند الله؛ إذ الملائكة ليس بهم شهوة صارفة لهم عن الطاعة، أما الإنسان فركب فيه شهوات صارفة له، ودافعة به للابتعاد عن الامتثال، لكن إنْ روَّض الإنسان شهواته، وضبط سلوكه، وتحلَّى بأخلاقيات أنزلها الله تعالى له بدينه؛ فعمل بما شرع له، وتمسك بما أمر به، وانتهى عما نهي عنه؛ كان أعلى منزلةً من الملائكة بلا أدنى شك.

 

والأخلاق الإسلامية ربانية المصدر؛ فالأخلاق الإسلامية مصدرها كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ لذا اتسمت الأخلاق الإسلامية بسمة الخلود، والصدق، والصحة؛ فعن ابن أبي حسين: ألا أدلكم على خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ أن تَصِلَ من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك؛ البيهقي (ت 458)، شعب الإيمان 6‏/2811. مرسل حسن.

 

فقد مدح الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بها في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل جوهر بعثته إتمام حسن الأخلاق؛ فعن مالك بن أنس: «إنما بُعِثت لأُتمِّم حسن الأخلاق» ؛ (ابن عبد البر (ت 464)، التمهيد 24‏/333).

 

- فيا أيها المستنير بظلام الآخرين، المستتر خلف حجاب من النفاق المشين، وستار من الرياء المهين، لا يُرى لك وجه به تعرف، ولا سمت به تؤلف، بل لك ألف وجه للظهور، وألف لون، كالحرباء تتوارى به وتدور، أما آن لك أن تخلع عنك النفاق، وتقلع عن الشقاق، وتتوب إلى الله تعالى؛ فتستبدل خنجرك المسموم الذي تطعننا به خلف أظهرنا بشمعة تضيء لنا، ولك ديننا فتنعم، وننعم معك بالنور، والهداية بدلًا من التشتت، والغواية؟!

 

أيها القابع بنفايات من الشبهات، أما آنَتْ توبتك قبل الممات؟ فتكون ذا وجه واحد به تُعرف، وسمت ظاهر به تؤلف، فتكف عن محاربتك لله، ورسوله، وتتبرأ من كبائر فعلك، وشبهات عملك؛ عَلَّ الله أن يتوب عليك، وإلا فحكم الله منصرف إليك، وقائم لديك بقوله الحكيم: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

__________________________________________
الكاتب: حسام الدين أبو صالحة

  • 0
  • 0
  • 35

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً