من درر العلامة ابن القيم عن الدعاء

منذ يوم

فالدعاء من المواضيع التي تكلم عليها العلامة ابن القيم, رحمه الله في عدد من كتبه وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد: فالدعاء من المواضيع التي تكلم عليها العلامة ابن القيم, رحمه الله في عدد من كتبه وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

                       [كتاب: زاد المعاد في هدى خير العباد]

  • الدعاء في صلب العبادة قبل الفراغ منها أفضل منه بعد الفراغ منها::

الدعاءُ في صلب العبادة قبل الفراغ منها أفضل منه بعد الفراغ منها, وهذا كانت سنته في دعائه في الصلاة, إذ كان يدعو في صُلبها, فأما بعد الفراغ منها, فلم يثبت عنه أنه كان يعتاد الدعاء.

  • الدعاء بعد السلام من الصلاة:

الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة أو المأمومين, فلم يكن ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم أصلاً, ولا روى عنه بإسناد صحيح, ولا حسن.

وأما تخصيص ذلك بصلاتي الفجر والعصر, فلم يفعل ذلك هو ولا أحد من خلفائه, ولا أرشد إليه أمته...وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها, وأمر بها فيها, وهذا هو اللائق بحال المصلي, فإنه مقبل على ربه يناجيه ما دام في الصلاة, فإذا سلَّم منها, انقطعت تلك المناجاة, وزال ذلك الموقف بين يديه والقرب منه.

                           [كتاب: الداء والدواء]

  • الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه:

من الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه:

أن يستعجل ويستبطئ الإجابة, فيتحسر, ويدع الدعاء, وهو بمنزلة من بذر بذراً, أو غرس غرساً, فجعل يتعاهده, ويسقيه, فلما استبطأ كماله وإدراكه, تركه وأهمله.

وفي صحيح البخاري, من حديث أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل, يقول: دعوتُ, فلم يستجب لي »

  • أسباب إجابة الدعاء:

إذا جمع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب, وصادق وقتاً من أوقات الإجابة الستة وهي: الثلث الأخير من الليل, وعند الأذان, وبين الأذان والإقامة, وأدبار الصلوات المكتوبة, وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تنقضي الصلاة, وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم, وصادف خشوعاً في القلب, وانكساراً بين يدي الرب, وذلاً له, وتضرعاً ورقةً, واستقبل الداعي القبلة, وكان على طهارة, ورفع يديه إلى الله تعالى, وبدأ بحمد الله والثناء عليه, ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم, ثم قدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار, ثم دخل على الله, وألحّ عليه في المسألة, وتملقه ودعاه رغبة ورهبة, وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده, وقدم بين يدي دعائه صدقة, فإن هذا الدعاء لا يكاد يُردّ أبداً, ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الإجابة, أو أنها متضمنة للاسم الأعظم.

  • الدعاء باسم الله الأعظم:

في السنن «أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسالك بأني أشهد أنك أنت الله, لا إله إلا أنت, الأحد الصمد, الذي لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفواً أحد. فقال: (( لقد سأل الله بالاسم الذي إذا سُئل به أعطى, وإذا دُعي به أجاب)) وفي لفظ: (( لقد سألت الله باسمه الأعظم ))  وفي السنن من حديث أنس بن مالك أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يصلي, ثم دعا فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد, لا إله إلا أنت, المنان, بديع السموات والأرض, يا ذا الجلال والإكرام, يا حي يا قيوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( لقد دعا الله باسمه العظيم, الذي إذا دعي به أجاب, وإذا سئل به أعطى ))»

وفي جامع الترمذي, من حديث أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « (( اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين﴿ وَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰه وَٰحِد لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ﴾  [البقرة: 163] وفاتحة آل عمران: ﴿ الٓمٓ * ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُ ﴾  [آل عمران:1-2] ))» [ قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح] .

وفي مسند أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « (( ألظّوا بـ " يا ذا الجلال والإكرام  ))» يعني تعلقوا بها, والزموها, وداوموا عليها.

وفي جامع الترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «(( دعوة ذي النون إذ دعا, وهو في بطن الحوت: ﴿ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾  [الأنبياء:87] إنه  لم يدعُ بها مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له )) » [ ​​​​​​​قال الترمذي: حديث صحيح.]

  • مقامات الدعاء مع البلاء:

الدعاء من أنفع الأدوية, وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه, ويمنع نزوله ويرفعه, أو يخففه إذا نزل, وهو سلاح المؤمن, وله مع البلاء ثلاث مقامات:

أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.

الثاني: أن يكون أضعف من البلاء, فيقوى عليه البلاء, فيصاب به العبد, ولكن قد يخففه, وإن كان ضعيفاً. الثالث: أن يتقاوما, ويمنع كل واحد منهما صاحبه.

ومن أنفع الأدوية: الإلحاح في الدعاء.

  • الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب:

الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب, ولكن قد يتخلف عنه أثره, إما لضعف في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان, وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء,...وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام, والظلم, ورين الذنوب على القلوب, واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها.

  • الله سبحانه وتعالى يحب أن يُسأل:

لا يتبرم بإلحاح الملِحين, بل يحبّ الملحين في الدعاء, ويُحبّ أن يسأل, ويغضب إذا لم يسأل.    

                     [كتاب: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح]

  • الله عز وجل يحب الملحين في الدعاء:

أحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤالاً, وهو يحب المُلحين في الدعاء, وكلَّما ألحَّ العبد عليه في السؤال أحبهُ وأعطاه.......ومفتاح الإجابة: الدعاء

  • دعاء من أهم الأدعية وأنفعها:

قال الله تعالى حكاية عن أولى الألباب من عباده قولهم: {﴿ رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلۡإِيمَٰنِ أَنۡ ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمۡ فَـَٔامَنَّاۚ رَبَّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرۡ عَنَّا سَيِّـَٔاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلۡأَبۡرَارِ * رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ ﴾} [آل عمران:193-194] والمعنى وآتنا ما وعدتنا على ألسنة رُسُلك من دخول الجنة. فإذا سألوه سبحانه أن ينجز لهم ما وعدهم تضمن ذلك توفيقهم وتثبيتهم وإعانتهم على الأسباب التي ينجز لهم بها وعده وكان هذا الدعاء من أهم الأدعية وأنفعها, وهم أحوج إليه من كثير من الأدعية

                                    [ كتاب: الفوائد]

  • دعاء أيوب عليه الصلاة والسلام:

قوله تعالى: {﴿ وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﴾ }  [الأنبياء:83] جمع في هذا الدعاء بين: حقيقة التوحيد, وإظهار الفقر والفاقة إلى ربه, ووجود طعم المحبه في التملق له, واٌلإقرار له بصفة الرحمة, وأنه أرحم الراحمين, والتوسل إليه بصفاته سبحانه, وشدة حاجته هو وفقره, ومتى وجد المبتلى هذا كشفت عنه بلواه, وقد جُرِّب أنه من قالها سبع مرات – ولا سيما مع هذه المعرفة- كشف الله ضرَّه.

             [كتاب: جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام]

  • مفتاح الدعاء:

مفتاح الدعاء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. 

 [كتاب: بدائع الفوائد]

  • فوائد إخفاء الدعاء:

في إخفاء الدعاء فوائد عديدة:

أحدها: أنه أعظم إيماناً, لأن صاحبه يعلم أن الله تعالى يسمعُ دعاءه الخفيَّ.

ثانيها: أنه أعظم في الأدب والتعظيم, ولهذا لا تخاطب الملوك ولا تُسألُ برفع الأصوات, وإنما تخفض عندهم الأصوات, ويخفى عندهم الكلام بمقدار ما يسمعوه.

ثالثها: أنه أبلغُ في التضرع والخُشوع الذي هو رُوح الدعاء ولُبُّهُ ومقصوده.

رابعها: أنه أبلغُ في الإخلاص.

خامسها: أنه أبلغُ في جمعية القلب على الله تعالى في الدعاء, فإن رفع الصوت يفرقه.

سادسها: وهو من النكت السرية البديعة جداً, أنه دال على قرب صاحبه من الله,..فيسأله مسألة مناجاة القريب للقريب, لا مسألة نداء البعيد للبعيد.

سابعها: أنه أدعى إلى دوام الطلب والسؤال, فإن اللسان لا يملُّ والجوارح لا تتعب

ثامنها: أن إخفاء الدعاء أبعد من القواطع والمشوشات والمضعفات فإن الداعي إذا أخفى دعاءه لم يدر به أحد...وإذا جهر به تفطنت له الأرواح الشريرة والباطولية والخبيثة من الجن والإنس فشوشت عليه ولا بد, ومانعته وعارضته.

تاسعها: أعظم النعم الإقبال على الله والتعبد له والانقطاع إليه والتبتلُ إليه ولكل نعمة حاسد على قدرها دقَّت أو جلَّت, ولا نعمة أعظم من هذه النعمة...وليس للمحسود أسلم من إخفاء نعمته عن الحاسد. عاشرها: أن الدعاء هو ذكر للمدعو سبحانه,....فهو ذكر وزيادة...وقد قال تعالى: ﴿ وَاذكُر رَبَّكَ في نَفسِكَ تَضَرُّعًا وَخيفَةً وَدونَ الجَهرِ مِنَ القَولِ [الأعراف/205] فأمر نبيه أن يذكره في نفسه

  • الاعتداء في الدعاء:

الاعتداءُ في الدعاء تارةً بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المُحرمات, وتارةً بأن يسأل ما لا يفعله الله, مثل أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة, أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب, أو يسأله أن يُطلعه على غيبه, أو يسأله أن يجعله من المعصومين, أو يسأله أن يهب له ولداً من غير زوجة ولا أمةٍ, ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء, فكل سؤال يُناقضُ حكمة الله أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره, أو يتضمن خلاف ما أخبر به, فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحبُّ سائله, وفسر الاعتداء برفع الصوت أيضاً في الدعاء, قال ابن جريج: من الاعتداء رفع الصوت والنداء بالدعاء والصياح.

ومن العدوان أن يدعو ربه غير متضرع بل دعاء مُدلِّ, كالمستغني بما عنده المُدل على ربه به وهذا من أعظم الاعتداء المنافي لدعاء الضارع الذليل الفقير المسكين من كل جهة في مجموع حالاته, فما لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتد.​​​​​​​

                        [ كتاب: الصلاة]

  • الدعاء في السجود أقرب إلى الإجابة

السجود سر الصلاة، وركنها الأعظم، وخاتمة الركعة، وما قبله من الأركان كالمقدمات له، ولهذا أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وأفضل أحواله حال يكون فيها أقرب إلى الله، ولهذا كان الدعاء في هذا المحل أقرب إلى الإجابة.

                      كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

  • 0
  • 0
  • 112

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً