الأحكام الفقهية لصيام شعبان

منذ يوم

الإكثار من الصيام في شعبان سُنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس فيه عبادة خاصة سوى الصيام المشروع، كما أن الصيام فيه نوع من التهيئة والاستعداد لرمضان؛ ليكون العبدُ أنشطَ في العبادة، وأقوى على الصيام حين يدخل رمضان.

إن شهر شعبان من الأشهر التي ورد في السنة النبوية ما يدل على الإكثار من الصيام فيه؛ فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيامَ شهر قط إلا رمضانَ، وما رأيته في شهرٍ أكثرَ منه صيامًا في شعبان)).

 

وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة من ذلك؛ فقال: «ذاك شهر يغفُل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأُحب أن يُرفع عملي وأنا صائم»؛ (رواه النسائي وأحمد، وصححه الألباني).

 

وقد قرر أهل العلم أن الإكثار من الصيام في شعبان سُنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس فيه عبادة خاصة سوى الصيام المشروع، كما أن الصيام فيه نوع من التهيئة والاستعداد لرمضان؛ ليكون العبدُ أنشطَ في العبادة، وأقوى على الصيام حين يدخل رمضان.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "صيام شعبان كان مستحبًّا للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من غيره؛ فهو كالتمهيد لصيام رمضان"؛ (مجموع الفتاوى (25/290))، وهذا يدل على أن الصيام في شعبان وسيلة لتهيئة النفس للطاعة قبل دخول رمضان، وليس مقصودًا لذاته.

 

قال الإمام الذهبي رحمه الله: "كان السلف يتهيؤون لرمضان قبل دخوله، وكان شعبان ميدانًا للطاعات، فمن سبق فيه كان أقدر على المسابقة في رمضان"؛ (السير (4/242)).

 

ولهذا؛ فإن المشروع في شعبان أن يُكْثِرَ العبد من الصيام، وأن يحرص على إصلاح أعماله، وأن يتقرب إلى الله بما يستطيع من الطاعات؛ ليكون في رمضان على أتم الاستعداد للطاعة والعبادة.

 

النهي عن الصيام بعد النصف من شعبان، وحكم يوم الشك:

الحمد لله الذي شرع لعباده من الدين ما يحفظ لهم التوازن بين الطاعة والاعتدال، ونهى عن التشدد والابتداع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد عباد الله:

فإن من الأحكام المتعلقة بشهر شعبان ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الصيام بعد النصف من الشهر؛ حيث قال: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»؛ (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

 

وقد بيَّن أهل العلم أن هذا النهي يُحمل على من لم يكن له عادة سابقة في الصيام، أما من اعتاد الصيام، كمن كان يصوم الاثنين والخميس، أو صيام يوم وإفطار يوم، أو كان يقضي صيامًا واجبًا، فلا يشمله النهي.

 

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: «لا تقدَّموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجلٌ كان يصوم صومًا، فليصمه»، وهذا يدل على أن صيام يوم أو يومين قبل رمضان بنية الاحتياط غير مشروع، بل هو منهي عنه؛ لأن الأصل ألَّا يُصام رمضان إلا برؤية الهلال، أو بإتمام عِدة شعبان ثلاثين يومًا.

 

كما أن صيام يوم الشك، وهو اليوم الذي يُشك فيه؛ هل هو من شعبان أو من رمضان؟ محرَّم عند جمهور أهل العلم، إلا لمن وافق يوم صيامه المعتاد؛ كما ورد عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: «من صام اليوم الذي يُشَك فيه، فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم»؛ (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "النهي عن الصيام بعد النصف لمن لم يكن له عادة، أما من كان يصوم قبل النصف، فله أن يكمل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصوم أكثر شعبان"؛ (مجموع الفتاوى (25/292)).

 

هذا، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

____________________________________________________
الكاتب: ظافر بن ثابت الحكمي

  • 1
  • 0
  • 84

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً