اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ

منذ 2025-02-16

{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا}


✍ العناصر الأساسية : 
✍ أولًا: نعوذ بالله تعالى من المأثم والمغرم. 
✍ ثانيًا: المقصود بظاهر الإثم وباطنه. 
✍ ثالثًا: باب التوبة مفتوح.. لكن بشروط . 
                 ✍ المـــوضــــــــــوع
أَمَّا بَعْدُ فَيَقُولُ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا}
✍: أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَامُ : وَنَحْنُ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ ، شَهْرِ رَفْعِ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، مَعَنَا دَعْوَةٌ دَعَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ لِنَفْسِهِ ، وَنَحْنُ كَذَلِكَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَدْعُوَ بِهَا لِأَنْفُسِنَا . .
هَذِهِ الدَّعْوَةُ : هِيَ قَوْلُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
« اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ »
أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَدْعُو في الصَّلَاةِ: «« اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِن عَذَابِ القَبْرِ، وأَعُوذُ بكَ مِن فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وأَعُوذُ بكَ مِن فِتْنَةِ المَحْيَا، وفِتْنَةِ المَمَاتِ، اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ المَأْثَمِ والمَغْرَمِ فَقَالَ له قَائِلٌ: ما أكْثَرَ ما تَسْتَعِيذُ مِنَ المَغْرَمِ، فَقَالَ: إنَّ الرَّجُلَ إذَا غَرِمَ، حَدَّثَ فَكَذَبَ، ووَعَدَ فأخْلَفَ »» . 

✍: جُمْلَةٌ مِنْ ( الْمَسَاوِئِ ) اسْتَعَاذَ مِنْهَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( فِتْنَةُ الْقَبْرِ ، فِتْنَةُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ، فِتْنَةُ الْمَحْيَا ، فِتْنَةُ الْمَمَاتِ ، وَاسْتَعَاذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ . .
* أَمَّا الْمُغْرَمُ الَّذِي اسْتَعَاذَ مِنْهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : فَهُوَ الدَّيْنُ الَّذِي يَعْجِزُ الْإِنْسَانُ عَنْ سَدَادِهِ ، وَإِذَا الْإِنْسَانُ عَجَزَ عَنْ سَدَادِ دَيْنِهِ فَسَدَتْ أَخْلَاقُهُ ، قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إنَّ الرَّجُلَ إذَا غَرِمَ، حَدَّثَ فَكَذَبَ، ووَعَدَ فأخْلَفَ ». 

* وَأَمَّا الْمَأْثَمُ الَّذِي اسْتَعَاذَ مِنْهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : فَهُوَ سُوءُ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ الَّذِي يُؤَاخَذُ بِهِ صَاحِبُهُ ، وَيُعَاقَبُ بِسَبَبِهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ أَوْ فِيهِمَا مَعًا . .

قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى : {{وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ}} [سورة الأنعام] . 

هَذِهِ الْآيَةُ : عُمْدَةٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الذَّنْبِ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ وَدَقِيقِهِ وَجَلِيلِهِ {{ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يُكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ }}
* أَمَّا ظَاهِرُ الْآثَامِ : فَيُقْصَدُ بِهَا ذُنُوبُ الْجَوَارِحِ [ ظُلْمُ النَّاسِ ، سَبُّ النَّاسِ ، سُوءُ الْجِوَارِ ، قَطِيعَةُ الْأَرْحَامِ ، أَذِيَّةُ النَّاسِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ ] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِ الْجَوَارِحِ . .
* وَأَمَّا بَاطِنُ الْآثَامِ : فَيُقْصَدُ بِهَا ذُنُوبُ الْقَلْبِ [ الْحِقْدُ ، الْحَسَدُ ، الْغَلُّ ، الْعُجْبُ ، الْكِبْرُ ] وَغَيْرُهَا مِنْ ذُنُوبِ الْقُلُوبِ . .

وَرَحَّمَ اللَّهُ مَنْ قَالَ : [ خَلَّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا ، وَكَبِيرَهَا ذَاكَ التُّقَى ، وَاصْنَعْ كَمَّاشٍ فَوْقَ أَرْضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى ، لَا تُحَقِّرَنَّ صَغِيرَةٌ ، إِنَّ الْجِبَالَ مِنْ الْحَصَى ] . .

✍: لِمَاذَا حَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْوُقُوعِ فِي الذُّنُوبِ صَغِيرِهَا ، وَكَبِيرِهَا ، وَدَقِيقِهَا ، وَجَلِيلِهَا ؟

* لِأَنَّ الْوُقُوعَ فِي الذَّنْبِ : يَغْضَبُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِذَا غَضِبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَقُومُ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ . .

 قالَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ: لو رَأَيْتُ رَجُلًا مع امْرَأَتي لَضَرَبْتُهُ بالسَّيْفِ غيرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذلكَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: أتَعْجَبُونَ مِن غَيْرَةِ سَعْدٍ، واللَّهِ لَأَنَا أغْيَرُ منه، واللَّهُ أغْيَرُ مِنِّي، ومِنْ أجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ .. 

* حَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْوُقُوعِ فِي الذُّنُوبِ صَغِيرِهَا ، وَكَبِيرِهَا ، وَدَقِيقِهَا ، وَجَلِيلِهَا لِأَنَّ الْوُقُوعَ فِي الذَّنْبِ : سَبَبٌ لِهَوَانِ الْعَبْدِ عَلَى رَبِّهِ وَسُقُوطِهِ مِنْ عَيْنِهِ .

قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هَانُوا عَلَيْهِ فَعَصَوْهُ، وَلَوْ عَزُّوا عَلَيْهِ لَعَصَمَهُمْ، وَإِذَا هَانَ الْعَبْدُ عَلَى اللَّهِ لَمْ يُكْرِمْهُ أَحَدٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: 
{{وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ}}  
وَإِنْ عَظَّمَهُمُ النَّاسُ فِي الظَّاهِرِ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِمْ أَوْ خَوْفًا مِنْ شَرِّهِمْ، فَهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ أَحْقَرُ شَيْءٍ وَأَهْوَنُهُ.. 

* حَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْوُقُوعِ فِي الذُّنُوبِ صَغِيرِهَا ، وَكَبِيرِهَا ، وَدَقِيقِهَا ، وَجَلِيلِهَا لِأَنَّ الْوُقُوعَ فِي الذَّنْبِ : يُورِثُ الذُّلَّ ، وَيُورِّثُ اللَّعْنَ مِنْ دَوَابِّ الْأَرْضِ . .

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ الْحُبَارَى لَتَمُوتَ فِي وَكْرِهَا مِنْ ظُلْمِ الظَّالِمِ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ الْبَهَائِمَ تَلْعَنُ عُصَاةَ بَنِي آدَمَ إِذَا اشْتَدَّتِ السَّنَةُ، وَأُمْسِكَ الْمَطَرُ، وَتَقُولُ: هَذَا بِشُؤْمِ مَعْصِيَةِ ابْنِ آدَمَ.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ: دَوَابُّ الْأَرْضِ وَهَوَامُّهَا حَتَّى الْخَنَافِسُ وَالْعَقَارِبُ، يَقُولُونَ: مُنِعْنَا الْقَطْرَ بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ.

* حَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْوُقُوعِ فِي الذُّنُوبِ صَغِيرِهَا ، وَكَبِيرِهَا ، وَدَقِيقِهَا ، وَجَلِيلِهَا لِأَنَّ الْوُقُوعَ فِي الذَّنْبِ :
لِأَنَّ الْوُقُوعَ فِي الذَّنْبِ : يُورِثُ ( إلْفَ الْمَعْصِيَةِ ) فُلَانٌ وَقَعَ فِي ذَلِكَ الذَّنْبِ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً حَتَّى أَلِفَ الذَّنْبَ وَتَعَوَّدَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا الْإِنْسَانُ تَعَوَّدَ عَلَى الذَّنْبِ زَالَ اسْتِحْيَاؤُهُ مِنْ قَلْبِهِ ، فَأَعْلَنَ بِذَنْبِهِ وَصَرَّحَ بِهِ وَأَظْهَرَهُ وَجَهَرَ بِهِ وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْعَبْدُ عَنْ دَائِرَةِ عَفْوِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . .

قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إلَّا الْمُجَاهِرُونَ ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ ، فَيَقُولُ : يَا فُلَانُ ، قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ ، فَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سَتْرَ اللَّهِ عَلَيْهِ ) » [رَوَاهُ مُسْلِمٌ] .

✍: مُعْظَمُ الْبَلَايَا وَالْمَصَائِبِ وَالرَّزَايَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا سَبَبُهَا ذُنُوبُ النَّاسِ ، سَبَبُهَا الْمُخَالَفَةُ لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . .

أُخْرِجَ آدَمَ مِنْ الْجَنَّةِ بِسَبَبِ ذَنْبِهِ ، طُرِدَ إِبْلِيسُ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ بِسَبَبِ ذَنْبِهِ ، خُسِفَتْ الْأَرْضُ بِقَارُونَ بِسَبَبِ ذَنْبِهِ ، أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ نَارًا عَلَى أَصْحَابِ الْأَيْكَةِ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ . .

سَنَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِينَا وَفِي الَّذِينَ خَلَو مِنْ قَبْلِنَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {{وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ، فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}} [سورة العنكبوت] . 

* جُرْأَةُ الْعَدُوِّ ، سَلْبُ الْأَمْوَالِ وَالدِّيَارِ ، الْهَزِيمَةُ الْمُنْكَرَةُ ، الْقَحْطُ ، الْجُوعُ ، الْهَمُّ ، الْغَمُّ ، الْحُزْنُ ، الْكَرْبُ ، كَثِيرٌ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَالْأَوْجَاعِ سَبَبُهَا الرَّئِيسُ مُخَالَفَاتُ الْإِنْسَانِ وَذُنُوبُهُ وَغَدَرَاتُهُ وَفَجَرَاتُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِخَيْرِ الْقُرُونِ ( أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ) : {{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ ] .

✍: حَدِيثٌ لَا أَكْلَ مِنْ ذِكْرِهِ وَلَا أَمَلَ مِنْ التَّذْكِيرِ بِهِ لِأَنَّهُ يُشَخِّصُ الدَّاءَ وَيَضَعُ أَيْدِيَنَا عَلَى أَسْبَابِ الْبَلَايَا وَالْمِحَنِ الَّتِي تَنْزِلُ بِنَا . .
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : 
«" يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ : لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ» ".

أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ انْ يَعْصِمَنَا جَمِيعًا مِنْ الزَّلَلِ ، وَأَنْ يُنَجِّيَنَا بِرَحْمَتِهِ مِنْ سُوءِ الْعَمَلِ ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَمَوْلَاهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
✍: أَيُّهَا اَلْإِخْوَةُ اَلْكِرَامُ : إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى هُوَ اَلَّذِي خَلَقَنَا ، وَهُوَ اِعْلَمُ بِنَا ، وَهُوَ اعْلَمُ بِضَعْفِنَا ، فَلَيْسَ مِنْ بَيْنِنَا وَإِنْ حَرِصَنَا أَحَدٌ مَعْصُومٌ مِنْ اَلْخَطَأِ وَالزَّلَلِ ، فَقَدْ دُفِنَتْ اَلْعِصْمَةُ يَوْمَ مَاتَ وَدُفِنَ اَلنَّبِيُّ اَلْخَاتَمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . .

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «يَا عِبَادِي كُلِّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرَ لَكُمْ » 

بَعْدَ الِانْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ كُنَّا ذَوِي خَطَأٍ فِينَا الْجَهْلُ وَفِينَا الظُّلْمُ وَفِينَا السَّفَهُ . . مِنْ هُنَا كَانَتْ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي عَفْوِهِ وَتَوْبَتِهِ وَغُفْرَانِهِ لِكُلِّ مَنْ تَابَ وَأَنَابَ . .

{{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}} لَوْ وَقَفْنَا عِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ {{ قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا على أَنْفُسَهُمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }} لَوْ وَقَفْنَا عِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ كَانَ الْمَعْنَى غَيْرَ مُكْتَمِلٍ . .
لِأَنَّ اللَّهَ يَعْفُو وَيَصْفَحُ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ يَتُوبُ وَيَغْفِرُ ، لَكِنْ لِمَنْ سَعَى ، وَلِمَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ ، وَلِمَنْ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ ، وَلِمَنْ اقْلَعَ عَنْ الذَّنْبِ ، وَلِمَنْ رَدَّ الْمَظَالِمَ إلَى أَهْلِهَا وَلِذَا لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ بَابَ الرَّحْمَةِ بِقَوْلِهِ :
{{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}} أَتَى بَعْدَهَا مُبَاشَرَةً بِقَوْلِهِ {{وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ، وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ }} [سورة الزمر] . 
✍: فِي إِشَارَةٍ إِلَى أَنَّ التَّوْبَةَ عَمَلٌ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ كَلَامًا ، فِي إِشَارَةٍ إِلَى أَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَتَطَلَّبُ سَعْيًا ، فَلَابُدَّ وَأَنْ تَبْذُلَ جَهْدًا {{وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ، وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ }}

إِذَا تَغَيَّرَتْ أَعْمَالُ الْإِنْسَانِ وَسُلُوكِيَّاتُهُ مِنْ الشَّرِّ إِلَى الْخَيْرِ ، وَمِنْ السَّيِّئِ إِلَى الْحَسَنِ ، وَمِنْ الضَّلَالِ إِلَى الْهَدْيِ ، وَمِنْ الْجُرْأَةِ عَلَى مَحَارِمِ اللَّهِ إلَى خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى . .

غَيَّرَ اللَّهُ حَالَ الْإِنْسَانِ مِنْ الضَّعْفِ إِلَى الْقُوَّةِ ، وَمِنْ الْهَزِيمَةِ إِلَى النَّصْرِ ، وَمِنْ الذِّلَّةِ إِلَى الْعِزَّةِ ، وَمِنْ الْعُسْرِ إِلَى الْيُسْرِ {{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }}

نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ يُبَدِّلُ أَحْوَالَنَا إِلَى أَحْسَنِ الْأَحْوَالِ ، وَأَنْ يَهْدِيَنَا جَمِيعًا إِلَى خَيْرِ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَمَوْلَاهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
✍: جمع وترتيب الشيخ / محمد سيد حسين عبد الواحد. 
إدارة أوقاف القليوبية . مصر.

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.

  • 1
  • 0
  • 137

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً