مقال ( فضل الصيام )

منذ 9 ساعات

الصيام عبادة قديمة عرفتها الأديان قبل الإسلام وإن حرف الناس في كيفيته وبدلوها قال تعالى {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }  [سورة البقرة آية 183]

بسم الله الرحمن الرحيم

   أشرف شعبان أبو أحمد

الصيام عبادة قديمة عرفتها الأديان قبل الإسلام وإن حرف الناس في كيفيته وبدلوها قال تعالى {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }  [سورة البقرة آية 183] (1) فأناجيل النصارى تذكر الصوم وتمدحه وتعتبره عبادة كبرى وقد صام عيسى عليه السلام والحواريون، والتوراة تفرض الصوم بعض الأيام ومنها فيما يروى يوم عاشوراء وقد صام موسى عليه السلام أربعين يوما، بل أن الوثنين يعرفون الصوم فقد كان المصريون في أيام وثنيتهم يصومون، وانتقل منهم الصوم إلى اليونان والرومان ولا يزال الوثنيون في الهند يصومون إلى الآن، ويكاد الصوم يكون أمرا فطريا يلجأ إليه كل كائن حي فترة أو فترات من الزمان حتى أننا نجد بعض الحيوانات كالجمال مثلا تصوم، فالصوم إذن فطرة مألوفة وعبادة معروفة (2)

والصيام معناه في اللغة الإمساك عن الشيء فإذا أمسك شخص عن الكلام أو الطعام فلم يتكلم ولم يأكل يقال له صائما ومن ذلك قوله تعالى في سورة مريم آية 26 ( إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) أي صمتا وإمساكا عن الكلام وأما معناه في اصطلاح الشرع فهو الإمساك عن المفطرات يوما كاملا من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بنية الصيام لله (3) وبذلك فإن للصيام ركنين أولهما الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، قال تعالى في سورة البقرة آية 187 ( {فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } ) والمراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود بياض النهار وسواد الليل. ثانيهما النية لقوله تعالى في سورة البينة آية 5 ( { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) ولابد أن تكون النية قبل الفجر من كل ليلة من ليالي شهر رمضان، لحديث حفصة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «( من لم يجمع "يجمع من الإجماع وهو إحكام النية والعزيمة" الصيام قبل الفجر فلا صيام له )» [ رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان] ، وتصح النية في أي جزء من أجزاء الليل، ولا يشترط التلفظ بها، فإنها عمل قلبي لا دخل للسان فيه، فإن حقيقتها القصد إلى الفعل امتثالا لأمر الله عز وجل وطلبا لوجهه الكريم، فمن تسحر بالليل قاصدا الصيام تقربا إلى الله بهذا الإمساك فهو ناو، ومن عزم الكف عن المفطرات أثناء النهار مخلصا لله فهو ناو كذلك، وإن لم يتسحر، أما في صيام غير رمضان فقد قال كثير من الفقهاء إن النية فيه تجزئ من النهار إن لم يكن قد طعم، قالت عائشة دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال ( هل عندكم شيء؟ ) قلنا: لا. قال ( فإني صائم ) رواه مسلم وأبو داود.

واشترط الأحناف أن تقع النية قبل الزوال وهذا هو المشهور من قولي الشافعي، وظاهر قولي ابن مسعود وأحمد أنها تجزئ قبل الزوال وبعده على السواء (4) وينقسم الصيام باتفاق المالكية والشافعية والحنابلة إلى أربعة أقسام أحدها صيام مفروض وهو صيام شهر رمضان أداء وقضاء، وصيام الكفارات، والصيام المنذور. الثاني الصيام المسنون. الثالث الصيام المكروه. الرابع الصيام المحرم. صيام شهر رمضان هو أحد أركان الإسلام وهو فرض عين على كل مكلف قادر على الصوم ودليل فرضيته الكتاب والسنة والإجماع (5) فأما الكتاب فقول الله تعالى في سورة البقرة آية 183 {( يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )} وقوله عز وجل في الآية 185 من نفس السورة {( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه )} وأما السنة فمنها قول النبي صلى الله عليه وسلم « ( بنى الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج البيت )» وفي حديث طلحة بن عبيد الله ( « أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أخبرني عما فرض الله علي من الصيام؟ قال ( شهر رمضان ) قال هل علي غيره؟ قال ( لا. إلا أن تطوع» ) (6) وأما الإجماع فقد اتفقت الأمة على فرضيته ووجوب صيامه، فهي معلومة من الدين بالضرورة ومنكرها كافر مرتد عن الدين كمنكر فرضية الصلاة والزكاة والحج (7) ويبدأ شهر رمضان بثبوت رؤية الهلال، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» ) ومعنى ذلك أنه إذا كانت السماء صحوا في اليوم التاسع والعشرين من شعبان، وجب التحقق من رؤية هلال رمضان بالعين، فإذا لم  يظهر الهلال أو لم تكن السماء صحوا أو كان بها غيم يمنع رؤية الهلال، وجب إتمام شهر شعبان ثلاثين يوما، ولو خالف ذلك حسابنا الفلكي.

فلا عبرة بقول الفلكيين مع التسليم بدقة حساباتهم. لأن الشارع الحكيم علق الصوم على أمارة ثابتة لا تتغير أبدا وهي رؤية الهلال أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما، وعليه فإن التماس الهلال بعد غروب اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان ومن شهر رمضان كذلك فرض كفاية لتحديد موعد بدء الصوم ونهايته. ويجب التماس هلال شوال في اليوم الثلاثين من رمضان إذا لم تثبت رؤيته في التاسع والعشرين فإذا لم يظهر أيضا في اليوم الثلاثين مع كون السماء صحوا حرم الإفطار في اليوم التالي وتأكد كذب شهود رؤية هلال رمضان الذين أثبتوا رؤية الهلال مساء التاسع والعشرين من شعبان وثبت أن شعبان كان ثلاثين يوما ونكون بذلك قد صمنا يوما من شعبان ولا حرج في ذلك. هذا وإذا ثبتت رؤية الهلال بقطر من الأقطار الإسلامية وجب الصوم على سائر الأقطار (8)

صيام الكفارات وهو عبادة يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى للتكفير عن ذنب أو جريمة ارتكبت، وهو كالأتي: صيام شهرين متتابعين لمن قتل مؤمنا خطأ ولم يستطع تحرير رقبة قال تعالى في سورة النساء آية 92 ( {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما } ) صيام شهرين متتابعين لمن ظاهر من امرأته أي قال لها أنت علي كظهر أمي يريد بذلك تحريم مجامعتها على نفسه مع إبقائها في عصمته إذا لم يستطع تحرير رقبة، قال تعالى في سورة المجادلة الآيات 2-4 ( {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم } ) صيام ثلاثة أيام كفارة اليمين لمن لم يستطع إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، قال تعالى في سورة المائدة آية 89 ( {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون} ) صيام أيام تعادل عدد المساكين الواجب إطعامهم في حالة قتل الصيد أثناء الإحرام بالحج أو العمرة لمن لم يجد هديا يعادل الصيد المقتول أو مالا يطعم به العدد المفروض من المساكين قال تعالى في سورة المائدة آية 94 - 96 ( {يأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون } ) (9) صيام عشرة أيام ثلاثة منها في الحج وسبعة بعد العودة من الحج للمتمتع أو القارن في الحج الذي لم يجد هديا قال تعالى في سورة البقرة آية 196 ( {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } ) صيام شهرين متتابعين لمن أفطر يوما من رمضان عامدا بغير عذر ولمن جامع امرأته في نهار رمضان إذا لم يستطع تحرير رقبة فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله. قال النبي (وما أهلكك؟ ) قال: وقعت على امرأتي في رمضان.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( هل تجد ما تعتق به رقبة؟ ) قال: لا. قال النبي ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ ) قال: لا. قال النبي صلى الله عليه وسلم ( هل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ ) قال: لا. قال ثم جلس فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال ( تصدق بهذا ) قال: أعلى أفقر مني؟ فما بين لابتبها "أي ناحيتها" أهل بيت أحوج إليه منا. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال ( أذهب فأطعمه أهلك )» [رواه الجماعة] (10) الصيام المنذور فمن نذر لله صوم أيام معينة كثرت أو قلت وجب عليه الوفاء بنذره وأصبح ذلك الصيام فرضا عليه، فقد قال تعالى في سورة الحج آية 29 ( {وليوفوا نذورهم} ) الصيام المسنون فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بصوم أيام في غير شهر رمضان كل بحسب حاله وقدرته هذه الأيام هي صوم يوم وإفطار يوم وذلك أفضل أنواع الصيام وأحبها إلى الله، صوم شهري رجب وشعبان، صوم الأشهر الحرم وهي أربعة ثلاثة متوالية وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد منفرد وهو رجب، صوم ستة أيام من شوال ويفضل صومها متتابعة بدون فاصل تبدأ باليوم الثاني من عيد الفطر ويجوز تفريقها على الشهر كله، صوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، صوم الأيام الثلاثة البيض من كل شهر عربي وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، صوم يوم عرفة لغير الحاج وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، صوم التاسع والعاشر معا أو اليوم العاشر فقط "يوم عاشوراء" من شهر المحرم.

الصيام المكروه فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم  عن صوم الجمعة منفردا وذهب الجمهور إلى أن النهي للكراهة لا للتحريم إلا إذا صام يوما قبله أو يوما بعده أو وافق عادة له أو كان يوم عرفة أو عاشوراء فإنه حينئذ لا يكره صيامه عن عامر الأشعري قال سمعت رسول الله عز وجل يقول ( « إن يوم الجمعة عيدكم فلا تصوموه إلا أن تصوموا قبله أو بعده» ) رواه البراز بسند حسن، كما نهى عن إفراد يوم السبت بصيام عن بسر السلمي عن أخته الصماء  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم وإن لم يجد أحدكم إلا لحا عنب أو عود شجرة فليمضغه) رواه أحمد وأصحاب السنن والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وحسنه الترمذي وقال معنى الكراهة في هذا  أن يختص الرجل يوم السبت بصيام لأن اليهود يعظمون يوم السبت، النهى عن صوم يوم أو يومين قبل رمضان مباشرة وصوم يوم الشك وهو اليوم الثلاثون من شهر شعبان في حالة عدم ثبوت رؤية هلال رمضان في التاسع والعشرين من شهر شعبان بسبب غيم أو نحوه قال عمار بن ياسر رضي الله عنه من صام اليوم الذي شك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم رواه أصحاب السنن وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال ( «لا تقدموا صوم رمضان بيوم ولا يومين  إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك اليوم» ) [رواه الجماعة] . النهي عن وصال الصوم وهو مواصلة الإمساك عن المفطرات ليلا ونهارا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ( إياكم والوصال ) قالها ثلاث مرات قالوا فإنك تواصل يا رسول الله قال ( إنكم لستم في ذلك مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فاكفلوا من الأعمال ما تطيقون ) » [رواه البخاري ومسلم] .

وقد حمل الفقهاء النهي على الكراهة وجوز أحمد  وإسحق وابن المنذر الوصال إلى السحر ما لم تكن مشقة على الصائم لما رواه البخاري عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( « لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر» ) النهي عن صوم أيام الدهر جميعا دون إفطار فيها فيحرم صيام السنة كلها بما فيها الأيام التي نهى الشارع عن صيامها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ل «ا صام من صام الأبد» ) [رواه أحمد والبخاري ومسلم] .

فإن أفطر يومي العيد وأيام التشريق وصام بقية الأيام انتفت الكراهة إذا كان ممن يقوى على صيامها، النهي عن صوم الصمت وهو الصوم عن الكلام، ونهي المسافر والمريض والحامل والمرضع عن الصيام إذا خيف منه مشقة شديدة أو ضرر، وكذلك نهى الضيف عن الصوم بغير إذن رب المنزل.

الصيام المحرم فيحرم الصوم في الأيام والأحوال الآتية اليوم الأول من أيام عيد الفطر وعيد الأضحى لقول عمر رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم  نهى عن صيام هذين اليومين أما يوم الفطر ففطركم من صومكم "أي الفطر من صيام رمضان" وأما يوم الأضحى فكلوا من نسككم "الأضاحي" رواه أحمد والأربعة. ويحرم صيام ثلاثة أيام بعد عيد الأضحى عند ثلاثة من الأئمة إلا أن الحنفية قالوا إن ذلك مكروه تحريما، وقال المالكية يحرم صوم يومين بعد عيد الأضحى لا ثلاثة أيام، روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى أن لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل رواه أحمد بإسناد جيد، وروى الطبراني في الوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل صائحا يصيح  أن لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال "أي جماع الرجل زوجته" وأجاز أصحاب الشافعي صيام أيام التشريق فيما له سبب من نذر أو كفارة أو قضاء أما ما لا سبب له فلا يجوز فيها بلا خلاف وجعلوا هذا نظير الصلاة التي لها سبب في الأوقات المنهي فيها عن الصلاة،  ويحرم صيام المرأة نفلا بغير إذن زوجها أو بغير أن تعلم بكونه راض عن ذلك وإن لم يؤذنها صراحة إلا إذا لم يكن محتاجا لها كأن كان غائبا أو محرما أو معتكفا وهذا هو رأى الشافعية والمالكية، أما الحنفية قالوا صيام المرأة بدون إذن زوجها مكروه والحنابلة قالوا متى كان زوجها حاضرا فلا يجوز صومها بدون إذنه ولو كان به مانع من الوطء كإحرام أو اعتكاف أو مرض فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تصم المرأة يوما واحدا وزوجها شاهد إلا بإذنه إلا رمضان) رواه أحمد والبخاري ومسلم. وقد حمل العلماء هذا النهى على التحريم وأجازوا للزوج أن يفسد صيام زوجته لو صامت دون أن يأذن لها لافتاتها "أي لتعديها "على حقه وهذا في غير رمضان كما جاء في الحديث وكذلك لها أن تصوم من غير إذنه إذا كان غائبا فإذا قدم له أن يفسد صيامها (11) ولا يجب الصيام بإجماع العلماء إلا على المسلم العاقل البالغ الصحيح المقيم ويجب أن تكون المرأة طاهرة من الحيض والنفاس، فلا صيام على كافر ولا مجنون لأن الصيام عبادة إسلامية لا تجب على غير المسلمين كما لا تجب على المجنون لأنه غير مكلف حيث أنه مسلوب العقل الذي هو مناط التكليف وفي حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي. ولا صيام على صبي إلا أنه ينبغي لولي أمره أن يأمره به ليعتاده من الصغر مادام مستطيعا له وقادرا عليه  فعن الربيع بنت معوذ قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عاشوراء إلى قرى الأنصار من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليصم بقية يومه فكنا نصومه بعد ذلك ونصوم صبياننا الصغار منهم ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن "الصوف" فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناه إياه حتى يكون عند الإفطار رواه البخاري ومسلم. كما يباح الفطر للمريض الذي يرجى برؤه والمسافر ويجب عليهما القضاء قال تعالى في سورة البقرة آية 184 ( ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) والمرض المبيح للفطر هو المرض الشديد الذي يزيد بالصوم أو يخشى تأخر برئه، قال في المغني وحكى عن بعض السلف أنه أباح الفطر بكل مرض حتى وجع الإصبع والضرس لعموم الآية فيه ولأن المسافر يباح له الفطر وإن لم يحتج إليه فكذلك المريض، وهذا مذهب البخاري وعطاء وأهل الظاهر. والصحيح الذي يخاف المرض بالصيام يفطر مثل المريض وكذلك من غلبه الجوع أو العطش فخاف الهلاك لزمه الفطر وإن كان صحيحا مقيما وعليه القضاء  قال تعالى في سورة النساء آية 29 {( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما )} وقال تعالى في سورة الحج آية 78 {( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) } وإذا صام المريض وتحمل المشقة صح صومه إلا أنه يكره له ذلك لإعراضه عن الرخصة التي يحبها الله وقد يلحقه بذلك ضرر، وقد كان بعض الصحابة يصوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضهم يفطر متابعين في ذلك فتوى الرسول صلى الله عليه وسلم، قال حمزة الأسلمي: يا رسول الله أجد مني قوة على الصوم في السفر فهل علي جناح؟ فقال «( هي رخصة من الله تعالى فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه )» رواه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى مكة ونحن صيام فنزلنا منزلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «( إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم )» فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر ثم نزلنا منزلا آخر فقال ( إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم ) فأفطروا فكانت  عزمة فأفطرنا ثم رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  في السفر ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد الصائم على المفطر "أي لا يعيب عليه" ولا المفطر على الصائم ثم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن ويرون أن من وجد ضعفا فأفطر فإن ذلك حسن، رواه أحمد ومسلم. وقد اختلف الفقهاء في أيهما أفضل؟ فرأى أبو حنيفة والشافعي ومالك أن الصيام أفضل لمن قوي عليه والفطر أفضل لمن لا يقوى على الصيام، وقال أحمد الفطر أفضل، وقال عمر بن عبد العزيز أفضلهما أيسرهما فمن يسهل عليه حينئذ ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك فالصوم في حقه أفضل، وحقق الشوكاني فرأى أن من كان يشق عليه الصوم ويضره وكذلك من كان معرضا عن قبول الرخصة فالفطر أفضل وكذلك من خاف على نفسه العجب أو الرياء  إذا صام في السفر فالفطر في حقه أفضل، وما كان من الصيام خاليا عن هذه الأمور فهو أفضل من الإفطار. وإذا نوى المسافر الصيام بالليل وشرع فيه جاز له الفطر أثناء النهار فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ الغميم "اسم واد أمام عسفان" وصام الناس معه فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإن الناس ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه فأفطر بعضهم وصام بعضهم فبلغه أن ناسا صاموا فقال ( أولئك العصاة ) رواه مسلم والنسائي والترمذي وصححه. وإذا ما نوى الصوم وهو مقيم ثم سافر في أثناء النهار فقد ذهب جمهور العلماء إلى عدم جواز الفطر له وأجازه أحمد وإسحاق، لما رواه الترمذي وحسنه عن محمد بن كعب قال أتيت في رمضان أنس بن مالك وهو يريد سفرا وقد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت له سنة؟ فقال سنة ثم ركب. وعن عبيد بن جبير قال ركبت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط في رمضان فدفع ثم قرب غداءه ثم قال اقترب فقلت ألست بين البيوت فقال أبو بصرة: أرغبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ رواه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات. قال الشوكاني والحديثان يدلان على أن للمسافر أن يفطر قبل خروجه من الموضع الذي أراد السفر منه، وقال: قال ابن العربي وأما حديث أنس فصحيح يقتضي جواز الفطر مع أهبة السفر، وقال: هذا هو الحق، والسفر المبيح للفطر هو السفر الذي تقصر الصلاة بسببه ومدة الإقامة التي يجوز للمسافر أن يفطر فيها هي المدة التي يجوز له أن يقصر الصلاة فيها. كما اتفق الفقهاء على أنه يجب الفطر على الحائض والنفساء ويحرم عليهما الصيام وإذا صامتا لا يصح صومهما ويقع باطلا وعليهما قضاء ما فاتهما، روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم  فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة (12)

وفي فضل الصوم فقد جاء إن الصوم ربع الإيمان بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم ( الصوم نصف الصبر ) أخرجه الترمذي، وقوله عليه الصلاة والسلام ( لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم والصوم نصف الصبر ) رواه ابن ماجه وبمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم ( الصبر نصف الإيمان ) أخرجه أبو نعيم في الحلية والخطيب في التاريخ من حديث ابن مسعود بسند حسن. ويتميز الصيام من بين سائر الأركان بخاصية النسبة إلى الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يقول الله عز وجل إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه لأجلي فالصوم لي وأنا أجزى به ) ويباهي الله تعالى ملائكته بالصائم فيقول الله عز وجل فيما أخبرنا به رسوله المصطفي صلوات الله وسلامه عليه ( أنظروا يا ملائكتي إلى عبدي ترك شهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي ) كما أخبرنا عليه الصلاة والسلام بأن للصائم فرحتين، في الدنيا عند إفطاره وفي الآخرة عند لقاء ربه (13) وبالصوم تفتح أبواب الجنة فعن أبى أمامة قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت مرني بعمل يدخلني الجنة قال ( عليك بالصوم فإنه لا عدل له ) ثم أتيته الثانية فقال ( عليك بالصيام ) رواه أحمد والنسائي والحاكم وصححه، وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن للجنة بابا يقال له الريان يقال يوم القيامة أين الصائمون؟ فإذا دخل آخرهم أغلق ذلك الباب ) رواه البخاري ومسلم، وبالصوم يباعد بوجه العبد عن النار فعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يصوم عبد يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفا ) رواه الجماعة إلا أبا داود، كما أن الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة فعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني به ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان ) رواه أحمد بسند صحيح (14)

وفي فضل شهر رمضان وفضل صيامه: ففي شهر رمضان أنزلت الكتب السماوية فعن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان ) (15) قال تعالى ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) سورة البقرة آية 185 كما أول ما أنزلت من آيات القرآن العزيز حملها الروح الأمين إلى قلب الرسول الكريم كانت في شهر رمضان وهي قوله تعالى  ( أقرا باسم ربك الذي خلق ) سورة العلق آية 1  (16) كما كان جبريل عليه السلام يدارس القرآن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  في كل ليلة من رمضان فهو شهر المراجعة لما تم حفظه ما بين العام والعام غير أن العام الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم  راجع القرآن الكريم جبريل مع الرسول صلى الله عليه وسلم مرتين وهو ما يسمى بالعرضة الأخيرة وهي العرضة التي تم فيها ترتيب القرآن (17) وفي شهر رمضان ليلة أفضل من ألف شهر وهي ليلة القدر بسبب ما أنزل فيها من قرآن كريم لقوله تعالى في سورة القدر ( إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر ) وبسبب أن العبادة فيها أكثر ثوابا وأعظم قبولا من العبادة في أشهر كثيرة ليس فيها ليلة القدر والعمل القليل قد يفضل العمل الكثير باعتبار الزمان والمكان وإخلاص النية وحسن الأداء، ولله تعالى أن يخص بعض الأزمنة والأمكنة ولأشخاص بفضائل متميزة، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) ويستحب طلبها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان وروى أحمد بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من كان متحريها فليتحريها ليلة السابع والعشرين ) وروى أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال قولي ( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ) (18) ومن مزايا هذه الليلة المباركة أن الملائكة وعلى رأسهم جبريل ينزلون فيها أفواجا إلى الأرض بأمره تعالى وإذنه وهم جميعا إنما ينزلون من أجل كل أمر من الأمور التي يريد  الله تعالى إبلاغها إلى عباده ومن أجل نشر البركات التي تحفهم فنزولهم في تلك الليلة يدل على شرفها وعلى رحمة الله تعالى بعباده. وعن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل عليه السلام في كبكبة من الملائكة يصلون ويسلمون على كل قائم وقاعد يذكر الله تعالى، وقوله تعالى ( سلام هي حتى مطلع الفجر ) بيان لمزية أخرى من مزايا هذه الليلة أي هذه الليلة  يظلها ويشملها السلام المستمر والأمان الدائم لكل مؤمن يحييها في طاعة الله تعالى إلى أن يطلع الفجر أو هي سالمة من كل أذى وسوء لكل مؤمن ومؤمنة حتى طلوع الفجر (19) ولو لم يكن في رمضان إلا ليلة القدر لكفاه شرفا وكرامة وفضلا وفخرا (20) وقد جاء أن صيام رمضان يغفر الذنوب ويكفر السيئات فعن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا أي طالبا وجه الله وثوابه غفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه أحمد وأصحاب السنن، وعن أبي هريرة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( والصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ) رواه مسلم، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه كفر ما قبله ) رواه أحمد والبيهقي بسند جيد. وتكاد أسباب الغواية أن تنعدم في شهر رمضان وتتوافر فيه أسباب الهداية ودواعيها حيث تغل الشياطين عند أول ليلة منه مفسحة المجال لعباد الرحمن، وفيه تغلق أبواب النيران وتفتح أبواب الجنان فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما حضر رمضان (قد جاءكم شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب جهنم وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم ) رواه أحمد والنسائي والبيهقي، كما قال عليه الصلاة والسلام في رمضان ( تغلق أبواب النار وتفتح أبواب الجنة وتصفد فيه الشياطين، قال وينادي فيه ملك يا باغي الخير أبشر ويا باغي الشر أقصر حتى ينقضي رمضان ) رواه أحمد والنسائي وسنده جيد (21) وهو شهر رفع الدرجات والتسابق إلى الخيرات والتنافس على صالح الأعمال فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال يوما وقد حضر رمضان ( أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا فان الشقي من حرم فيه من رحمة الله عز وجل ) رواه الطبراني. كما أنه شهر مضاعفة الأجر والثواب تعمه الرحمة في أوله والمغفرة في أوسطه والعتق من النار في آخره وإلى ذلك أشار النبي صلى الله عليه في خطبته عندما حضر رمضان فقال ( يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا من تقرب فيه بخصلة كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء ) قالوا يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن وهو شهر أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار من خفف عن ملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار فاستكثروا فيه من أربع خصال خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غناء بكم عنهما فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا اله إلا الله وتستغفرونه وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار ومن سقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخله الجنة ) رواه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي وأبو الشيخ في الثواب مختصرا ونقله الحافظ ابن المنذر في الترغيب والترهيب. فمن السنن المأثورة في رمضان صلاة التراويح وقيام الليل بالعبادة والطاعة والتبتل إلى الله عز وجل وقراءة القرآن والاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر والاعتكاف وإحياء ليلة القدر المباركة. وقد خص الله عز وجل الأمة المحمدية بالنفحات في هذا الشهر فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قــال ( أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا لم يعطهن نبي قبلي أما واحدة فانه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان ينظر الله عز وجل  إليهم ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبدا وأما الثانية فان خلوف أفواههم  حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك وأما الثالثة فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة وأما الرابعة فإن الله عز وجل يأمر جنته فيقول لها استعدي وتزيني لعبادي أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي وأما الخامسة فإنه إذا كان آخر ليلة غفر الله لهم جميعا فقال رجل من القوم أهي ليلة القدر فقال لا ألم تر إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم ) رواه البيهقي (22) وفي السحور بركة فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( تسحروا فإن في السحور بركة ) رواه البخاري ومسلم. وليس البركة بكثرة الطعام أو قليلة وإنما تتحقق  في السحور ولو كان بجرعة ماء والمستحب تأخيره كما يستحب تعجيل الفطر ولو كان الفطر على رطبات وترا فإن لم يجد فعلى الماء فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه مرفوعا ( لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور ) وعن أنس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يفطر على رطبات قبل أن يصلى فإن لم تكن فعلى تمرات فإن لم تكن حسا "شرب" حسوات من ماء ) رواه أبو داود والحاكم وصححه والترمذي وحسنه (23)

ولكون رمضان فرصة يجب على المؤمن اغتنامها كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل  شهر رجب يقول ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ) رواه الطبراني وغيره عن أنس (24) ويحذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم  من فوت هذه الفرصة وعدم اغتنامها حين يقول ( خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له ) (25) ويحذرنا من الفطر في رمضان بدون عذر شرعي فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم    قال ( من أفطر يوما من رمضان في غير رخصة رخصها الله لم يقض عنه صيام الدهر كله وأن صامه ) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال البخاري ويذكر عن أبي هريرة رفعه ( من أفطر يوما من رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صوم الدهر وإن صامه ) وبه قال ابن مسعود، وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان ) رواه أبو يعلى والديملي وصححه الذهبي. قال الذهبي وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلا مرض أنه شر من الزاني ومدمن الخمر بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال (26) ولذا يستحب لمن مات وعليه صيام إن يصوم وليه عنه ويبرأ به الميت وهذا هو المذهب المختار عند الشافعية والمراد بالولي القريب سواء كان عصبة أو وارثا أو غيرهما، ولو صام أجنبي عنه، صح، إن كان بإذن الولي وإلا فإنه لا يصح واستدلوا بما رواه أحمد والشيخان عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) زاد البزار لفظ ( إن شاء ) سندها حسن، وروى أحمد وأصحاب السنن عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم  فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صيام شهر أفأقضيه عنها؟ فقال ( لو كان على أمك دين أكنت قاضيه؟ ) قال: نعم. قال ( فدين الله أحق أن يقضى ) قال النووي: وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده (27)

وفي فضل صيام التطوع قال عليه الصلاة والسلام ( صوم شهر الصبر "شهر رمضان" وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر ) رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي والبراز ورجاله رجال الصحيح (28) وروى الجماعة إلا البخاري والنسائي عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر ) قال العلماء الحسنة بعشرة أمثالها ورمضان بعشرة شهور والأيام الستة بشهرين. وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( صوم يوم عرفة "لغير الحاج" يكفر سنتين ماضية ومستقبلة وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية ) رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي، وفي الخبر ( ما من أيام العمل فيهن أفضل وأحب إلى الله عز وجل من أيام عشر ذي الحجة إن صوم يوم منه يعدل صيام سنة وقيام ليلة منه تعدل قيام ليلة القدر ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا من عقر جواده وأريق دمه ) وعن أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم  أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال ( الصلاة  في جوف الليل ) قيل ثم أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال ( شهر الله الذي تدعونه المحرم ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم  (صوم يوم من شهر حرام أفضل من ثلاثين من غيره وصوم يوم من رمضان أفضل من ثلاثين من شهر حرام ) وفي المعجم الصغير للطبراني من حديث ابن عباس ( من صام يوما من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يوما ) وفي الحديث ( من صام ثلاثة أيام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له بكل يوم عبادة تسعمائة عام ) أخرجه الأزدي في الضعفاء من حديث أنس، وعن أسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال ( ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ) رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة، قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن نصوم أيام ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة من الشهر العربي وقال هي ( كصوم الدهر ) رواه النسائي وصححه ابن حبان. وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم  كان أكثر ما يصوم الاثنين والخميس فقيل له أي سئل عن الباعث على صوم يومي الخميس والاثنين فقال ( إن الأعمال تعرض كل اثنين وخميس فيغفر الله لكل مسلم أو لكل مؤمن إلا المتهاجرين فيقول أخرهما ) رواه أحمد بسند صحيح0 فهذه الأيام الفاضلة يستحب الصيام وتكثير الخيرات فيها لتضاعف أجورها ببركة هذه الأوقات (29)

وإن كانت أيام رمضان أيام عبادة و طاعة وتقرب إلى الله والانصراف عن مشاغل الدنيا وهمومها والتفرغ لكل عمل يحصد ثماره في الآخرة في جنة الرضوان، إلا أن هذا لا يمنع أن تكون أيام رمضان جهاد في سبيل الله ونصر حربي وعسكري إذا تتطلب الأمر كذلك وليس كما يظن الكسالى الخاملون أن الصيام يضعف البدن ويخمد القوى فهم بذلك الفهم في كسل دائم ينامون أكثر الوقت وينقطعون عن العمل الجاد دون مبرر هؤلاء واهمون، لأن الصيام مصدر قوة روحية تدفع إلى العمل واعتقاد المؤمن أنه يؤدي عبادة فرضها الخالق عليه يمده بالروح الفتى والعزم القوى ولقد كانت شهور رمضان أيام نصر حربي وفوز نضالي ففي مواسم هذا الشهر الكريم تحققت انتصارات إسلامية رائعة، ففي السنة الثالثة من الهجرة وفي شهر رمضان كانت غزوة بدر وفي السنة الثامنة من الهجرة وفي شهر رمضان كانت غزوة الفتح الأعظم وفي رمضان من العام الخامس عشر الهجري كانت معركة القادسية وفيها قضي على المجوسية بفارس وفي رمضان من العام الثاني والتسعين كان فتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد وفي رمضان سنة إحدى وستين وثلاثمائة تم بناء الجامع الأزهر بمصر وفي رمضان سنة أربع وثمانين وخمسمائة تم طرد الصلبين من سوريا على يد صلاح الدين الأيوبي وفي رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة انتصر المسلمون على التتار في موقعة عين جالوت وفي رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة ألف تم عبور القوات المصرية لقناة السويس وطردت القوات الإسرائيلية.

المراجع

(1) العبادة في الإسلام يوسف القرضاوي ص287

(2) من توجيهات الإسلام محمود شلتوت ص 363

(3) الفقه على المذاهب الأربعة عبد الرحمن الجزيري ج1 ص541

(4) فقه السنة السيد سابق ج1 ص 437  -  ص 438

(5) الفقه على المذاهب الأربعة عبد الرحمن الجزيري ج1 ص541   إلى ص  543

(6) فقه السنة السيد سابق ج1 ص 433

(7) الفقه على المذاهب الأربعة عبد الرحمن الجزيري ج1 ص543

(8) الإسلام وأركانه ياسين رشدي ص 143

(9) الدين والدولة من توجيه القرآن الكريم محمد البهي من ص229  إلى 236

(10) الكفارات أسباب وصفات سعيد عبد العظيم ص 49 & موطأ الأمام مالك رواية يحيي بن يحيي الليثي ص201

(11) الإسلام وأركانه ياسين رشدي ص 143    146 & الفقه على المذاهب الأربعة عبد الرحمن الجزيري ج1 ص555  560 & فقه السنة السيد سابق ج1 من ص 445    454

(12) فقه السنة السيد سابق ج1 من ص 438 إلى ص 444

(13) إحياء علوم الدين لأبي حامد محمد الغزالي ج1  ص205& العبادة في الإسلام يوسف القرضاوي ص291

(14) فقه السنة السيد سابق ج1 من ص 432 إلى ص 434 

(15) البركة في القرآن الكريم محمد أحمد طه علي  ص 158

(16) العبادة في الإسلام يوسف القرضاوي ص 287

(17) مجلة الهداية تصدرها وزارة العدل والشئون الإسلامية بدولة البحرين العدد 271 السنة الثالثة والعشرون رمضان 1420هـ يناير 2000م مقال بعنوان ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) من ص 22  إلى ص 27

(18) فقه السنة السيد سابق ج1 ص 472 -  473

(19) البركة في القرآن الكريم محمد أحمد طه علي  ص 170 إلى ص 171

(20) جريدة أخبار العالم الإسلامي العدد 1632 بتاريخ 12 رمضان 1420هـ الموافق 26 ديسمبر عام 1999م مقال بعنوان ( قبسات من أنوار رمضان) ص 9

(21) فقه السنة السيد سابق ج1 من ص 432 إلى ص 434 

(22) البركة في القرآن الكريم  محمد أحمد طه علي من ص158  إلى ص 163

(23) فقه السنة السيد سابق ج1 ص 455 إلى ص 457

(24) من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم  طه عبد الله العفيفي ج1 ص 302

(25) جريدة أخبار العالم الإسلامي العدد 1632 بتاريخ 12 رمضان 1420هـ الموافق 26 ديسمبر 1999م مقال بعنوان ( قبسات من أنوار رمضان )  ص 9

(26) فقه السنة السيد سابق ج1 ص 434

(27) فقه السنة السيد سابق ج1 ص 471

(28) العبادة في الإسلام يوسف القرضاوي ص 291

(29) إحياء علوم الدين أبي حامد الغزالي ج1 ص 210  - 211 & فقه السنة السيد سابق ج1  من ص  449 إلى ص 453

  • 0
  • 0
  • 90

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً