أيام العمر

منذ 2025-03-06

الأعمار تُطوى والمراحل تُقضى، وهي أيام تَمُرُّ مَرَّ السحاب، وعلى المسلم العاقل أن يستثمر أيام عمره بما يقرِّبه الى ربه عز وجل.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ»؛ (رواه الترمذي 2417، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وصحَّحه الألباني رحمهم الله) .

 

الأعمار تُطوى والمراحل تُقضى، وهي أيام تَمُرُّ مَرَّ السحاب، وعلى المسلم العاقل أن يستثمر أيام عمره بما يقرِّبه الى ربه عز وجل، ومن فضل الله ودلائل توفيقه أن يُلهمَ الرجل استغلالَ كلِّ ساعة من عمره في العمل والاستجمام من جهدٍ استعدادًا الى لجهدٍ آخر؛ قال تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص: 73].

 

قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى: هذا امتنانٌ من الله على عباده، يدعوهم به إلى شكره، والقيام بعبوديته وحقه، أنه جعل لهم من رحمته النهار؛ ليبتغوا من فضل الله، وينتشروا لطلب أرزاقهم ومعايشهم في ضيائه، والليل ليَهدؤُوا ويَسكنوا فيه، وتستريح أبدانهم وأنفسهم من تعبِ التصرف في النهار، فهذا من فضله ورحمته بعباده؛ ا.هـ.

 

ومن المؤسف أن بعض الناس لا يبالون بضياع أوقاتهم، وتصرُّم أيامهم من تأمُّل وتفكُّر بمن حولهم، كانوا بالأمس القريب معهم، والآن تحت التراب وحدهم، فاعمَل لدارٍ غدًا أنت ساكنها، وتزوَّد من الصالحات ما يقرِّبك إلى رب الأرباب والسماوات..

 

أخي الحبيب، إنما فضلُ العقل بتأمُّل العواقب، فأما قليل العقل، فإنه يرى الحال الحاضرة، ولا ينظر إلى عاقبتها؛ يقول محمد بن الفضل رحمه الله: ما خطوتُ منذ أربعين سنة خطوة لغير الله عز وجل؛ [جامع العلوم والحكم ص930].

 

تَمر أيامنا وتنقص أعمارُنا، ونحن لا نزال في غفلتنا؛ قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: من كان يومُه مثل أمسه، فهو في نقصان.

 

قال السري رحمه الله: يا معشر الشباب، جِدُّوا قبل أن تبلغوا مبلغي، فتَضعفوا وتقصِّروا كما قصرت.

 

أخي الحبيب، حاسِب نفسك وانظُر ماذا يشغل فكرَك في هذه الدنيا، آمالُك وطموحاتك، ما هي؟ أهي حطام الدنيا أم جنة عرضها السماوات والأرض؟ وانظر ماذا يهمك من أمرٍ، أهو للآخرة أم الدنيا؛ قال بعض الحكماء: (عجِبت ممن يَحزن على نقصان ماله، ولا يحزن على فناء عمره، وعجبت ممن الدنيا مولية عنه والآخرة مُقبلة إليه، يَشتغل بالمدبِرة ويعرض عن المقبلة)؛ موسوعة ابن أبي الدنيا،2/ 546.

 

إخواني، تصرَّمت الأعوام عامًا بعد عام، وأنتم في غفلتكم ساهون نيام، أما تشاهدون مواقع المنايا، وحلول الآفات والرزايا، وكيف فاز وأفلح المتقون؟ وكيف خاب وخسِر المبطلون المفرِّطون، فيا ليت شعري على أي شيءٍ تُطوى الصحائفُ، أعلى أعمال صالحة وتوبةٍ نصوح تُمحى بها الآثام، أم على ضدها؟

 

فليتُب الجاني إلى ربه، فالعمل بالختام، فاتَّقوا الله عباد الله، واستدركوا عمرًا ضيَّعتم أوله، فإن بقية عمر المؤمن لا قيمة له، فرحِم الله عبدًا اغتنم أيام القوة والشباب، وأسرع بالتوبة والإنابة قبل طي الكتاب، وأخذ نصيبًا من الباقيات الصالحات قبل أن يتمنَّى ساعة واحدة من ساعات الحياة، أين من كان قبلكم في الأوقات الماضية، أما وافَتهم المنايا وقضت عليهم القاضية! [ (موارد الظمآن 2/414 ش:عبدالعزيز السلمان رحمه الله) ].

 

قال الأخطل:

هل الشبابُ الذي قد فات مـــردُودُ   **   أم هل دواءٌ يَرُدُّ الشيبَ مَوجودُ 

لن يَرجِعَ الشِّيَّبُ شُبَّانًا ولن يَجدوا   **   عِدلَ الشباب له ما أورَق العُـــودُ 

نظر كسرى إلى رجلين من مرازبته، أحدهما قد شابَ رأسه قبل لِحيته، والآخر قد شابت لِحيته قبل رأسه، فأراد ان يعرف جوابَ كلِّ واحد منهما عن حاله تلك، فقال لأحدهما: لِمَ شاب رأسُك قبل لحيتك؟ قال: لأنَّ شعر رأسي خُلق قبل شعر لحيتي، والكبير يشيبُ قبل الصغير، وقال للآخر: لِمَ شابت لحيتك قبل رأسك؟ قال: لأنها أقربُ إلى الصدر موضع الهم والغم.

 

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ينبغي للإنسان كلما طال به العمر، أن يُكثر من الأعمال الصالحة، كما أنه ينبغي للشباب أيضًا أن يُكثر من الأعمال الصالحة؛ لأن الإنسان لا يدري متى يموت، قد يموت في شبابه، وقد يؤخر موته، لكن لا شك أن من تقدَّم به السن، فهو أقرب إلى الموت من الشاب؛ لأنه أنهى العمر، وقال: الواجب على الإنسان أن يَحرِص في آخر عمره على الإكثار من طاعة الله، ولا سيما ما أوجب الله عليه.

 

وأن يكثر من الاستغفار والحمد؛ كما قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1 - 3]، هذه السورة يقال: إنها آخر سورة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم؛ ا.هـ؛ [ (شرح رياض الصالحين 2 /139-140) ].

 

اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك، واجعلنا اللهم ممن طال عمرُه وحسُن عمله، واجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله، وعليه التُّكلان، ولا حول لنا ولا قوة إلا بالله، وصلِّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

____________________________________________
الكاتب: عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي

  • 1
  • 0
  • 137

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً