خطبة عيد الفطر المبارك 1446 (خذوا جنتكم فقد انطلقت الشياطين)
فالشيطان هو العدوُّ اللدُود للإنسان، فلا بد للمسلم أن يتذكَّر هذه العداوة، وأن يجعلها نصب عينه، ألَّا ينسى أبدًا أن هناك قَرِينًا من الشيطان مُلازِمًا له لا يفارقه.

الحمد لله العزيز الحميد، المبدئ المعيد، الفعَّال لما يريد، تفضَّل علينا برمضان شهر القرآن المجيد، وأكرمنا بأنوار عيد الفطر السعيد، ونسأله سبحانه وتعالى أن يمنَّ علينا بالجنة والمزيد، والصلاة والسلام على أفضل من صام وقام، ودعا إلى التوحيد، فأنقذ الله به العبيد، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم من ذوي التسديد.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
إخوة الإسلام، كل عام وأنتم بخير، كل عام وأنتم إلى الله تعالى أقرب، كل عام وأنتم إلى طاعته أسرع، كل عام وأنتم إخوة متحابُّون، كل عام وأنتم من أهل التقوى، كل عام وأنتم من أهل القرآن، كل عام وأنتم إلى جنته ودار كرامته أقرب.
بعدما عشنا أيامَ رمضان ولياليَه، وتذوقنا حلاوة الصيام والقيام، وذكر الملك العلَّام بعدما حققنا التقوى في أقوالنا وأفعالنا، في أخذنا وعطائنا في رمضان، بعدما تزودنا من خير الزاد ليوم المعاد، بعدما أخذنا جنتنا في رمضان، هيا بعد ذلك كله نقول خذوا جنتكم من الشياطين فقد انطلقت من سلاسلها ومن قيودها وهي عازمة على مواصلة حرب ضروس لإغواء بني آدم وإضلالهم عن الصراط المستقيم.
الشيطان عدو خفي ولكن عداوته ظاهرة واضحة، قال الله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس: 60].
فالشيطان هو العدوُّ اللدُود للإنسان، فلا بد للمسلم أن يتذكَّر هذه العداوة، وأن يجعلها نصب عينه، ألَّا ينسى أبدًا أن هناك قَرِينًا من الشيطان مُلازِمًا له لا يفارقه، يتربَّص به من يوم ولادته إلى يوم فراقه للحياة، يحاول هذا العدو القَرِين إضلاله وإبعاده عن سبيل الله، وقد توعَّد وأقسم بعزَّة الله على إضلال بني آدم: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16].
الشيطان طويل العمر الذي قال الله فيه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6]، وهذه الآية جمعت بين الخبر الذي حقه التصديق وهو قوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ}، والأمر الذي حقه التطبيق وهو قوله: {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}.
فالخبر يجب علينا تصديقه، فيجب علينا جميعًا أن نعتقد أن الشيطان عدوٌّ لنا، وهذا لا أرى أحدًا يخالف فيه، والأمر وهو قوله: {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}، يوجب علينا أن نتخذه عدوًّا؛ أي: أن نريه من أنفسنا عداوة، وهذه العداوة لا بد أن نعرف أنه لا يمكن أن نقتله بها فهو من المنظَرِين إلى يوم الوقت المعلوم، ولا يمكن أن نضربه، فهو يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم، ولا يضره شتمنا له وهجاؤنا له؛ فقد لعنه الله.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
إخوة الإسلام، إن الحرب الشيطانية تختلف باختلاف قوة وضعف الإيمان عند العبد، فالشيطان وضع لنفسه أهدافًا لا يكل ولا يمل يوصل الليل بالنهار، والسر مع الجهار حتى ينالها، فهو لن يمل ولن يكل حتى ينال منك واحدة من سبعة أهداف، وهي:
العقبة الأولى: عقبة الكفر بالله ولقاؤه وبصفات كماله وبما أخبرت به رسله عنه، فإنه إن ظفر به في هذه العقبة بردت نار عداوته واستراح.
فهذه أغلى أماني الشيطان، ولقد ظفر بكثير من الخلق في هذه العقبة، الدليل على ذلك قول ربنا سبحانه وتعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103]، ويقول: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، ويقول سبحانه وتعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24]، فمن خلال تلك الآيات تبيَّن لنا كيف نجح الرجيم في إغواء كثير من بني آدم، فالحذرَ من شره، ولا يغتر العبد بصلاته وعمله، ولا يأمن على إيمانه، وليحذر عدوه ويهتف فيقول: ((يا مُقلِّب القلوب، ثبِّتْ قلبي على طاعتك)).
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
العقبة الثانية: وهي عقبة البدعة إما باعتقاد خلاف الحق الذي أرسل الله به رسوله وأنزل به كتابه، وإما بالتعبد بما لم يأذن به الله، من الأوضاع والرسوم المحدثة في الدين التي لا يقبل الله منها شيئًا.
والبدعتان في الغالب متلازمتان، قلَّ أن تنفك إحداهما عن الأخرى، كما قال بعضهم: تزوجت بدعة الأقوال ببدعة الأعمال، فاشتغل الزوجان بالعرس فلم يفجأهم إلا وأولاد الزنا يعيشون في بلاد الإسلام، تضج منهم العباد والبلاد إلى الله تعالى.
تزوجت الحقيقة الكافرة بالبدعة الفاجرة فتولَّد بينهما خسران الدنيا والآخرة.
فإن قطع هذه العقبة وخلص منها بنور السُّنَّة واعتصم منها بالحقيقة المتابعة وما مضى عليه السلف الأخيار من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وهيهات أن تسمح الأعصار المتأخرة بواحد من هذا الضرب، فإن سمحت به نصب له أهل البدع الحبائل ويبغوه الغوائل وقالوا: مبدع محدث.
والناظر في أحوال كثير من المتعبد على غير علم يجد أن الشيطان الرجيم قد ظفر بهم في هذه العقبة، عن حارثة بن مضرب: إن الناس نودي فيهم بعد نومة أنَّه مَنْ صَلَّى في المسجد الأعظم دخل الجنة، فانطلق النساء والرجال حتى امتلأ المسجد قيامًا يصلون. قال أبو إسحاق: إن أُمِّي وجدّتي فيهم، فأتي ابن مسعود فقيل له: أدرك الناس، فقال: ما لهم؟ قيل: نودي فيهم بعد نومة أنه من صلى في المسجد الأعظم دخل الجنة، فخرج ابن مسعود يشير بثوبه: ويلكم اخرجوا لا تُعَذَّبوا، إنما هي نفخة من الشيطان، إنه لم ينزل كتابًا بعد نبيكم، ولا ينزل بعد نبيكم، فخرجوا[1].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
لا عاصم منه إلا الله جل في علاه، فإذا وفقك الله لقطع هذه العقبة طلبك على الثالثة:
العقبة الثالثة: وهي عقبة الكبائر: فإن ظفر فيها زيَّنها له، وحسَّنها في عينه، وسوَّف به، وفتح له باب الإرجاء، وقال له: الإيمان هو التصديق نفسه؛ فلا تقدح فيه الأعمال (أي أعمال الفسوق والعصيان).
وربما أجرى على لسانه وأذنه كلمة طالما أهلك بها الخلق وهي قوله: (لا يضر مع التوحيد ذنب كما لا ينفع مع الشرك حسنة) والظفر به في عقبة البدعة أحب إليه؛ لمناقضتها الدين، ودفعها لما بعث الله به رسوله.
وصاحبها لا يتوب منها، ولا يرجع عنها؛ بل يدعو الخلق إليها والاجتهاد على إطفاء نور السنة.
وتولية من عزله الله ورسوله، وعزل من ولَّاه الله ورسوله، واعتبار ما رده الله ورسوله، ورد ما اعتبره، وموالاة من عاداه، ومعاداة من والاه، وإثبات ما نفاه، ونفي ما أثبته.
وتكذيب الصادق، وتصديق الكاذب، ومعارضة الحق بالباطل، وقلب الحقائق بجعل الحق باطلًا والباطل حقًّا، والإلحاد في دين الله، وتعمية الحق على القلوب وطلب العوج لصراط الله المستقيم، وفتح باب تبديل الدين جملة، فإن البدع تستدرج بصغيرها إلى كبيرها، حتى ينسلخ صاحبها من الدين كما تنسل الشعرة من العجين.
فمفاسد البدع لا يقف عليها إلا أرباب البصائر، والعميان ضالون في ظلمة العمى {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40].
فإن قطعت أيها الأخ الكريم هذه العقبة بعصمة الله أو بتوبة نصوح تنجيك منها طلبك على:
العقبة الرابعة: وهي عقبة الصغائر، فكال له منها بالقفزان وقال: ما عليك إذا اجتنبت الكبائر ما غشيت اللمم أو ما علمت أنها تكفر باجتناب الكبائر وبالحسنات، ولا يزال يهون عليه أمرها حتى يصرَّ عليها.
فيكون مرتكب الكبيرة الخائف الوجل النادم أحسن حالًا منه، فالإصرار على الذنب أقبح منه، ولا كبيرة مع التوبة والاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: " «إياكم ومحقرات الذنوب» "، ثم ضرب لذلك مثلًا بقوم نزلوا بفلاة من الأرض فأعوزهم الحطب، فجعل هذا يجيء بعود وهذا بعود حتى جمعوا حطبًا كثيرًا فأوقدوا نارًا وأنضجوا خبزتهم.
فكذلك فإن محقرات الذنوب تتجمع على العبد وهو يستهين بشأنها حتى تهلكه[2].
فإن نجا من هذه العقبة بالتحرز والتحفظ ودوام التوبة والاستغفار وأتبع السيئة الحسنة طلبه على:
العقبة الخامسة: وهي عقبة المباحات التي لا حرج على فاعلها، فشغله بها عن الاستكثار من الطاعات، وعن الاجتهاد في التزود لمعاده، ثم طمع فيه أن يستدرجه منها إلى ترك السنن، ثم إلى ترك الواجبات.
وأقل ما ينال منه: تفويته الأرباح والمكاسب العظيمة والمنازل العالية، ولو عرف السعر ما فوَّت على نفسه شيئًا من القربات، ولكنه جاهل بالسعر.
فإن نجا من هذه العقبة ببصيرة تامة ونور هادٍ ومعرفة بقدر الطاعات والاستكثار منها وقلة المقام على الميناء وخطر التجارة وكرم المشتري، وقدر ما يعوض به التجار فبخل بأوقاته وضنَّ بأنفاسه أن تذهب في غير ربح، طلبه العدوُّ على:
العقبة السادسة: وهي عقبة الأعمال المرجوحة المفضولة من الطاعات، فأمره بها، وحسَّنها في عينه، وزيَّنها له، وأراه ما فيها من الفضل والربح، ليشغله بها عما هو أفضل منها وأعظم كسبًا وربحًا؛ لأنه لما عجز عن تخسيره أصل الثواب طمع في تخسيره كماله وفضله، ودرجاته العالية، فشغله بالمفضول عن الفاضل، وبالمرجوح عن الراجح، وبالمحبوب لله عن الأحب إليه، وبالمرضي عن الأرضى له.
ولكن أين أصحاب هذه العقبة؟ فهم الأفراد في العالم. والأكثرون قد ظفر بهم في العقبات الأول.
فإن نجا منها بفقه في الأعمال ومراتبها عند الله ومنازلها في الفضل، ومعرفة مقاديرها والتمييز بين عاليها وسافلها ومفضولها وفاضلها ورئيسها ومرؤوسها وسيدها ومسودها.
ولا يقطع هذه العقبة إلا أهل البصائر والصدق من أولي العلم السائرين على جادة التوفيق، قد أنزلوا الأعمال منازلها وأعطوا كل ذي حق حقه.
فإذا نجا منها أحد لم يبق هناك عقبة يطلبه العدو عليها سوى واحدة لا بد منها، ولو نجا منها أحد لنجا منها رسل الله وأنبياؤه وأكرم الخلق عليه.
العقبة السابعة: وهي عقبة تسليط جنده عليه بأنواع الأذى باليد واللسان والقلب على حسب مرتبته في الخير، فكلما علت مرتبته أجلب عليه العدو بخيله، وظاهر عليه بجنده، وسلَّط عليه حزبه وأهله بأنواع التسليط.
وهذه العقبة لا حيلة له في التخلص منها، فإنه كلما جد في الاستقامة والدعوة إلى الله والقيام له بأمره جدَّ العدوُّ في إغراء السفهاء به، فهو في هذه العقبة قد لبس لَأْمَةَ الحرب، وأخذ في محاربة العدوِّ لله وبالله.
فعبوديته فيها عبودية خواص العارفين، وهي تُسمَّى عبودية المراغمة، ولا ينتبه لها إلا أولو البصائر التامة، ولا شيء أحب إلى الله من مراغمة وليه لعدوه وإغاظته له؛ ا هـ[3].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
خذوا جنتكم أيها الإخوة الكرام، حصنوا أنفسكم، حصنوا نساءكم، حصنوا أولادكم، حصنوا بيوتكم.
حصنوا أنفسكم بذكر الله: ومن تلك الحصون المنيعة التي لا يستطيع الشيطان أن يتسورها: ذكر الله تعالى.
روى الإمام أحمد رضي الله عنه والترمذي من حديث الحارث الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله سبحانه وتعالى أمر يحيى بن زكريا صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعلموا بها... وأمركم أن تذكروا الله تعالى فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعًا حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى» [4].
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة - كانت له عدل عشر رقاب، وكُتِبَ له مائة حسنة، ومُحِيَتْ عنه مائة سيئة، وكانت له حِرْزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يُمْسِيَ، ولم يأتِ أحدٌ بأفضلَ مما جاء، إلا رجل عمِل أكثر منه».
حصنوا أنفسكم في تلك المعركة بالاستعاذة بالله من ذلك العدو اللدود {أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} أستجيرُ بالله - دون غيره من سائر خلقه - من الشيطان أن يضرَّني في ديني، أو يصدَّني عن حق يلزَمُني لرَبي..... ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ أي: أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه؛ فإن الشيطان لا يكفُّه عن الإنسان إلا الله {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200] {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 34 - 36].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
حصنوا أنفسكم وأولادكم باجتناب قرناء السوء: فهم أولياء الشيطان وهم من جنوده المخلصين {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 27 - 29]، كقوله تعالى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} [الأعراف: 202]، وقوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [فصلت: 25]، وقوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ} [الأنعام: 128].
حصنوا أنفسكم وأولادكم بالمواظبة على الأذكار عند الخروج من البيت؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِاسْمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟»؛ (أبو داود والترمذي)[5].
وعند دخول المسجد؛ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: «كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: «أَعُوذُ بِاللهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»، قَالَ: أَقَطْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ»؛ (أبو داود)[6].
وعند دخول الخلاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ»؛ (البخاري)[7].
وعند الغضب؛ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَجُلَانِ يَسْتَبَّانِ، فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ، وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ»، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ»، فَقَالَ: وَهَلْ بِي جُنُونٌ؟ (البخاري)[8].
معاشر المسلمين، ومن سبل الوقاية من الشيطان وكيده ومكره: قراءة القرآن؛ عن أبي هُريرةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَجْعلُوا بُيوتكمْ مَقابرَ، وإنَّ البيتَ الَّذِي تُقْرأ فيهِ البقرةُ لا يَدخُله الشَّيطانُ»؛ (مسلم)[9].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
حصنوا أنفسكم بالتقوى: اعلموا -رحمكم الله-أن أعظم سبل الوقاية من الشيطان يكمن في تقوى الله ومخافته، قال طلق بن حبيب عن التقوى: "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخشى عقاب الله"، وقال بعض السلف -رحمه الله-: "التقوى: حساسية في الضمير، وشفافية في الشعور، وخشية مستمرة، وحذر دائم، وتوقٍّ لأشواك الطريق". والله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].
هذا فاروق الأمة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه-؛ كان ورعًا تقيًّا، يخاف الله ويرجو رحمته، بهذه المنزلة بلغ المراتب العالية حتى إن رسول الله قال لعمر -كما عند الشيخين من حديث سعد-: «إيه يا بن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا غير فجِّك».
الإمام أحمد –رحمه الله - يحدث عنه ابنه عبدالله قال: "حضرت وفاة أبي أحمد، وبيدي خرقة لأشد لحييه، فكان يغرق، ثم يفيق، ويقول بيده: لا بعد، لا بعد، فعل هذا مرارًا، فقلت له: يا أبت، أي شيء يبدو منك؟ قال: إن الشيطان قائم بحذائي عاض على أنامله، يقول: يا أحمد فتني! وأنا أقول: لا بعد، لا بعد، حتى أموت".
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
[1] اتباع السنن واجتناب البدع، المؤلف: ضياء الدين المقدسي، ص1.
[2] أخرجه أحمد (5 /331، رقم 22860)، والطبراني (6/165، رقم 5872)
[3] مدارج السالكين [جزء1 - صفحة 222] بتصرف.
[4] رواه أحمد في مسنده ح 17209، والترمذي ح 1863، وقال الشيخ الألباني: "صحيح"؛ انظر حديث رقم: 1724 في صحيح الجامع.
[5] أخرجه النسائي في "الكبرى" (9837)، وأخرجه الترمذي (3724) "صحيح ابن حبان" (822).
[6] أخرجه أبو داود (466).
[7] البخاري (142)، ومسلم (375)، سلف برقمي: (13947) و(13999).
[8] أخرجه البخاري (3282)، ومسلم (2610).
[9] أخرجه مسلم (780)، والنسائي في "الكبرى" (8015).
- التصنيف: