هلْ واحدٌ منْ بينكمْ يعرفُ معنى الشَّام؟!

منذ 2012-02-24

ومرّت الأيامُ، ومضى الرفاقُ الثلاثة، وبقيت الشامُ، تنقل صورَها الشاشاتُ، وتتابع ثورتَها الأقلام، وعشاقٌ بعيدون هناك في كل أنحاء العالم يردّون صدى الصوتِ الذي ينادي برفعِ الظلم، ويحرّكون أقدامهم في دروبِ الحريّة، يعتقدون أن ليس ثمَّ بلدٌ أولى بالثورة من بلادهم، ويمدون أيديهم نحو السماء يصيحون: يا ربّ...


(1) كانت الطائرةُ تهبطُ بنا تدريجيًا سماءَ دمشق، وكنتُ منصرفًا بكلِّ حواسّي لمتابعة المنظرِ الذي تطلُّ عليه النافذة، لا أدركُ منه سوى ما يمنحهُ النظرُ الكليل، هذه الأرضُ المباركةُ، فكحّلْ عينَك أيّها العاشق، يحتضنُها من الشمال الجبلُ الأشمُّ قاسيون، وعلى جانبيها جنّتان، أرضٌ درجَ عليها الأنبياء، وسَرى بليلها الضياء، وكان بها عزّ الإسلامِ، ومدفنُ العظام العظام، تكادُ تجدُ تحت كل صخرة أثرًا من ذكرى، وحكايةً من غرام.
لم يبلغ بي الشوقُ لزيارةِ أرضٍ كما فعلَ بي مع الشام، ولم أروِ منها نظري بعدُ، وقد كرّرتُ زيارتها مرّاتٍ ومرات.
أعْلنوا من غرفةِ القيادة: مرحبًا بكم في مطارِ دمشقَ، وقد وفوا لدمشق فلمْ يخطِفوا اسمَ المطار لكبيرٍ ولا صغير، وللمكانِ قداسةٌ وذكرى لا يحسنُ أن تنتهكها أسماءُ الذوات.

(2) كان بي شوقٌ لرؤية القلعةِ التي سُجن بها شيخُ الإسلام، وزيارة مرابعِ الحنابلة الكرام، والصلاةِ بالجامع الأموي، والتبضّعِ من سوق الحَميديّة، ورشفِ قطراتٍ من برَدى، والوقوفِ على قاسيون، كان صوتُ ابن تيمية الحرّاني يسْري في خلَدي وهو يُقرّر: "أنه قد جاء في فضل الشام وأهله أحاديثُ صحيحة، ولا ريب أن ظهور الإسلام وأعوانه فيه بالقلب واليد واللسان أقوى منه في غيره، وفيه من ظهور الإيمان وقمع الكفر والنفاق ما لا يوجد في غيره".
وكانَ عليُّ الطنطاويُ يتسامى في بيانٍ عجيب: "دمشق، وهل توصف دمشق؟ هل تُصوّر الجنةُ لمن لم يرها؟ كيف أصفُها وهي دنيا من أحلام الحب وأمجاد البطولة وروائع الخلود؟ من يكتبُ عنها وهي من جنات الخلد الباقية بقلمٍ من أقلام الأرض فانٍ.
دمشق التي تعانقها الغوطةُ، الأم الرؤومُ الساهرة أبدًا، تصغي إلى مناجاة السواقي الهائمة في مرابع الفتنة وقهقهة الجداول المنتشية من رحيق بردى الراكضة دائما نحو مطلع الشمس".

وكانَ نزارُ بن توفيق يُنشدُ في حزنٍ كبير:
"مسقطُ رأسي في دمشقَ الشام
هل واحدٌ من بينكمْ يعرف أينَ الشام؟
هل واحدٌ من بينكم أدمن سكنى الشام؟
رواه ماءُ الشام
كواهُ عشق الشام
تأكّدوا يا سادتي، لن تجدوا في كل أسواق الورود وردةً كالشام
وفي دكاكينِ الحُلَى جميعها، لؤلؤةً كالشام
لن تجدوا مدينةً حزينةَ العينين مثلَ الشام".

وكنتُ في مقتبلِ حياتي حفيًّا بثقافةٍ يأسرُها فقهُ عالمٍ و جمالُ أديبٍ وإبداعُ شاعر، لا تؤاخذُ كلّ طرفٍ بما يريده الآخرون، ففعلت بي تلك النقولُ الأفاعيلُ، وشقَّ بي ذلك التكوينُ، وأدركتُ أنَّ لنفسي من هوى الشام زمانًا لا يزدادُ إلاّ مدة، ونظرًا لا يرتدُّ إلاّ أكثرَ حدة، وحقائق لا تستطيع وصفَها دقائقُ السطور.

(3) خرجنا من المطار وفاجأتني الصورُ التي لم تكن وقتئذ موجودةً ببلدي، تدعو بالبقاء للرئيسِ المعظم، وتهتفُ باسمه المجيد، وتزعم أنّه سيكون القائدَ للأبد، البناياتُ والطرقات، الأنفاقُ والجسور، المدارسُ والدور، ما الأمر؟ سألتُ السائقَ فأجابني: "صدِّقني يا بُنيّ الصورُ حين تخرج من القلوب تسكنُ الجدران"، لم يكنْ بعد ذلك البيانِ بيان، حانت مني التفاتة للخلف وإذا صورة السيد الرئيس على الزجاجة الخلفية لسيارة صاحبنا، عدت لسؤاله من جديد وأجاب على الفور: "لنتذكر لعنه في كل حين"، أخذتنا فترةُ صمت، وتلفّتنا بكل اتجاه، ثم قال بعد تنهيدة طويلة: "مغلوبون على أمرنا يا سيدي، والله مغلوبون".

(4) لمْ يستغرق الأمر طويلاً لأتبيّن حقيقة قول نزار: "لن تجدوا مدينة حزينة العينين مثل الشام"، وقد رأيتها بعد طُهر الأمويين ملطّخة بأدران البعث، لا تكاد تقضي لك بها شأنًا إلاّ بدفع رشوة، يحاصر بها الكبراء حريات المساكين، وبردى يغالبُ سلسالاً من الماء تراه يجري مرة ويختفي مرات، وبنايات قديمة جدًا ومركبات، ومظاهر من فوضى وشتات، ذات يومٍ وأنا أتجوّل بسوق الحميدية وعلى حين غفلةٍ مني خطف صبيٌ محفظتي ولم يكن بها سوى ما يعادلُ ألف ليرة، أدركه العسكري الذي استنجدت به وبعضُ المارة فأمْسكوه، وحين أعادوها لي قررت مسامحَته، إلاّ أنهم أشعروني بأهمية الأمر، وطلبوا منّي التوجه معهم لمخفرِ الشرطة، ضاعتْ عليّ فرصةُ الاستجمام ذاك اليوم، ولم يزلْ رئيسُ المخفر - وهو ينفث دخانه باتجاهي- يؤكّد لي حرصه على أمنِ السائحين، ويستعرض قدراته في استنطاق السارق الصغير باستخدام عصا كهربائية كانت معه حتى اعترف، ثم استمرّ يتحدث بإشارات كثيرة مفهومة وغير مفهومة كلفتني أخيرًا حين أدركت مغزاها ألفي ليرة، وددت أنها كانت بيد الصبيّ الجائع وليس الشرطيِّ الشبعان، وقررت بعدها ألا أمنعَ محفظتي أبدًا من يد أي سارقٍ بالشام، وحزنت حزنًا كبيرًا، هربتُ من حزني ذاك إلى حي الميدان، وزرتُ العالم النبيلَ عبد القادر الأرناؤوط أسأله عن صحة حديث: «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم»، فقال لي: "نعم هو حديث صحيح، ولا يزال بالشام خير كثير"، وكان فعلاً حين أعدتُ النظر خيرٌ كثير.

(5) كان منظرُ قاسيون من بعيد يحيّي على الزيارة، وله مغناطيسٌ يجذب إليه الأرواح..
من قاسيون أطلُّ يا وطني *** فأرى دمشقَ تعانقُ السُّحُبا

تراه وقد ارتفعت في سفحه الأحياءُ حتى تكاد تبلغ منتصَفه، وهو شامخٌ كـ "قاسيون" لا تستطيع أن تجد له وصيفًا فتقاربَه به، لم يعط الدنيّة لمستبدّ أو يضع رأسَه لطاغوت، وقالوا في سبب تسميته: "أنه قسا على المشركين فلم ينحتوا منه صنمًا"، هو المَعلم الأثيرُ هناك، يُشرفك على دمشق وغوطتيها، ويوقفك على صورةٍ متحركة لا تفترُ من زحام الأسواق وضجيج المركبات، ويرحلُ بك في الذكرى، لتنعم بمشاهد لا يستطيعُ وصفَها البيان، فيها وعْظ الأرواحِ سابقٌ لقرار العيون، وحديثُ الهوى متقدمٌ على جميل اللحون، ومزيجٌ من غرام قديم وذكرياتٍ وشجون.

(6) وحين عرفتُ عن دمشقَ الإجمالَ على ظهر قاسيون، ذهبت أبحثُ عن التفاصيلِ في زواياها: الصالحيةُ، ودمشق القديمة، والمكتبةُ الظاهرية، وقبر صلاح الدين، وباب توما، ومقبرة بابِ الصغير، والجامع الأموي، وقد كان تحتَ كلّ ساريةٍ فيه حلقة علم، والبناياتُ المعمّرة الهازئةُ بقصر أعمار الآدميين وغرورِهم، ودروب طويلة تسير فيها القدم فتتعب ولا تتعب الروح، ثم وردتُ بيتَ صديقي الشاميِّ ضيفًا وهم أهل ودّ وضيافة فرأيت عجبًا؛ الفسحةُ السماويةُ في بطن الدار لا يسترها سقفٌ ينفذ لها الهواء، وتتوسطها نافورةُ ماء، لا تكاد تخطئها البيوتُ الشاميّة، ونقوشٌ معروفة اللون والأشكال تكسو الأرائكَ والجلسات، وفاكهةُ المشمش أولُ غرامٍ يعانق في الضيافة شفاهك، والماء الذي لن تشرب مثله حتى لو حملته معك لبلدك يفقد عذوبتَه بمغادرة الديار، وأحاديثُ ماتعة تغلب فيها طريقةُ الكلام الفكرة، ويذهب معها الخيالُ في سكرة، ويتخللها كما يقول الشاعر نزار: "حزنٌ كبير"..

(7) وفي يوم قائظٍ من أيام آب اللّهاب، خرجتُ إلى الزبداني، وصلتُ إلى نبعِ بردى، شربتُ من عذب مائه حتى ارتويت، وتجوّلتُ بمركب له مجاديف في بحيرتِه الصغيرة، ثم انصرفتُ إلى مزرعةٍ قريبة تؤجر للراغبين، جلستُ في عريش قد هيّؤوه، والسواقي الباردةُ إلى جواري تدلُّ مياه بردى على أشجار الثمار المختلفة، وأقبلت فتاتان صغيرتان اسم واحدةٍ منهما ميسون، تعملان مع أهلهما في خدمة المزرعة، وهما المسؤولتان عن واجبِ الضيافة، رأيتهما تغسلان الآنيةَ من الساقي، ثم تسيران إلى تلك الأشجارِ فتقطفان من ثمارها ما تطوله يداهما الصغيرتان، حتى استتمَّ لهما سبعةُ أنواع أو ثمانية، من أشهاها الكمّثرى وثلاثةُ أنواع العنب، ثم ترشّان عليها ماء باردًا له لون بردى وطعمُه، وتقدمانها لي، ولا والله ما ذقتُ شيئًا أشهى أو هكذا يُخيّل لي، وكأني أستعيدُ رشفَ بردى في تشكيلاته الجديدة.
وما ذقت طعمَ الماءِ إلاّ استخفّني *** إلى بردى و"الطفلتين" حنينُ


(8) ولم أزلْ بعدُ في كل رحلاتي التي وصلتُ بها سِدني بـكندا، والبرازيلَ بأمريكا، لم أزلْ أجد من أهل الشامِ علماء وصالحين تفرّقوا في الديار، وتركوا لذّة العيش بأوطانهم مطرودين وملاحقين، مُنيةُ الواحدِ منهم أن يروي ظَماه من بردى، أو يعفّر جبهتَه بتراب الشام، وفي كلمات أستاذ الحنين الشاميِّ الزركلي خير مثال عليهم، وهو يترنم بهذه الأبياتِ، يلفظ معها آخر أنفاسه على ضفاف النيل:
العينُ بعد فراقها الوطنا *** لا ساكنًا ألفتْ ولا سكنا
ريانةٌ بالدمع أقلقها *** أنْ لا تحسَّ كرًى ولا وَسَنا
يا موطنًا عبث الزمانُ به *** من ذا الذي أغرى بك الزمنا
عطفوا عليك فأوسعوك أذًى *** وهمُ يُسمّون الأذى مننا
وحنَّوا عليك فجرّدوا قضبًا *** مسنونةً وتقدموا بقنا
يا طائرًا غنّى على غصن *** والنيلُ يسقي ذلك الغصنا
زدني وهجْ ما شئتَ من شجني *** إنْ كنتَ مثلي تعرفُ الشجنا
أذكرتني ما لستُ ناسيَه *** ولربّ ذكرى جدّدت حزنا
أذكرتني بردى وواديَه *** والطيرَ آحادًا به وثُنى
وأحبةً أسررتُ من كلفي *** وهواي فيهم لاعجًا كمنا
كم ذا أغالبُه ويغلبني *** دمع ٌإذا كفكفتُه هتَنا
لي ذكرياتٌ في ربوعِهمُ *** هنَّ الحياةُ تألّقًا وسنا
ليت الذين أحبّهم علموا *** وهمُ هنالك ما لقيتُ هنا


وهكذا كان شأنُ الثلاثةِ الرفاق؛ فأمّا ابن تيمية فقد حُبس بالقلعة، وما كانوا يضطرون أحدًا للرحيل، وبقي قبرُه عند التكيّة السليمانية، يقول الأستاذ زهير أحمد ظاظا: "في شتاء عام 1996م كنت أتجوّل في دمشق بالقرب من التكية السليمانية فاستوقفني سائح أوروبي يسألني بالعربية: هل يمكن أن تساعدني؟ فقلت له: على الرحب والسعة وفي ماذا أساعدك؟ فأخرج خريطة للمواقع الأثرية في مدينة دمشق وقال لي: أنا أبحث عن قبر ابن تيمية وحسب الخريطة يجب أن يكون هنا، وأشار إلى مكان بالقرب من مشفى الغرباء بجانب كلية طب الأسنان القديمة، ثم زرت قبر ابن تيمية فرأيت شاهدةَ القبر مكسّرة متناثرة حول القبر ولم يبق منها إلاّ كلمة (تيمية) والتقطت مجموعة صور للقبر ومعه قبر تلميذه ابن كثير، أه، وأمّا الطنطاوي فقد كتب الله له بمقبرةِ العدل مكانًا غريبًا هناك إلى جوار الكعبة في البلد الحرام قضى وهو يقول: "حرم الله الجنة من حرمني رؤية قاسيون"، وأمّا نزارُ فقد فاضت روحه بعيدًا طريدًا، ثم حنّوا على جسده، فقبلوا دفنه إلى جوار والده تحت شجرة زيتون بالشام.

(9) هذه هي الشامُ، بستانُ الروح، والفخرُ بها للمادح لا الممدوح، نغار من الطيور التي تحومُ سماءها، لا يُطلب منها تقديم ولاءٍ ولا اصطناعُ ودّ، ونغتاظُ من الأيدي التي لم تزل تهدمُ من مجدها صروحًا لا تستردّ، ونؤمل في صبحٍ يَطوي الليلَ الخانق، وتتنفسُ له الأزهار، وتشرق به شمس الهناء والخلاص.
ويا ساكني الشام كلِّها، من حلب المتنبي وحمص ابن الوليد، إلى اللاذقيةِ وحماة النواعير، ومن أذرعات إلى جسرِ الشغور، استلهموا مجدكم من تلك الزوايا، وخذوا عزمكمْ من تلك الطرقات، وجُدّوا في سبيل تطردون بها الأسدَ، وذوي الأنياب حوله، وتنهون حكم الغاب، واغسلوا عن دمشق -أرجوكم- قذى علق بثيابها، وامسحوا غبارًا استطال على لمّتها، واكتبوا لكم في سفر الخلود ثورة، يترحم لها القادمون على شهدائكم، ويكبرون بها مسعاكم، وتضجّ لها مساجد الدنيا بالتكبير، ثورة يبردُ لها رفات الأمواتِ في أرضكم، وتعودُ من أجلها الطيورُ المهاجرة، وتطلبون بها الثأرَ ممن ظلمكم، ثورة تبترون بها اليد التي تساهم في تضييق أرزاقكم لتتبعوها، وتقطعون بها الوتينَ الذي يتاجرُ بعداء إسرائيل وهو لم يَنلها برصاصة، أراضيكم كلُّها شام، وما لرقاعٍ من أرض الله فخرٌ أثيلٌ بمجد الإسلام كفخركم، رسول الله زار أرضكم، وما زار العراق ولا مصر ولا اليمن، ولكم في قلوب العالمين مقامٌ عليٌّ ومؤتمن، وكثير من الصحابة دخلوا الشام منهم: أبو عبيدة، و سعيد بن زيد، ومؤذن رسول الله بلال، ومعاذ بن جبل، و أبو الدرداء، وعبادة بن الصامت، وسيف الله خالد بن الوليد، وابن عم رسول الله الفضل بن عباس، قال الوليد بن مسلم: "دخلت الشامَ عشرةُ آلاف عينٍ رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ومئات الكتب التي نقرؤها ابتدأت سطورها في دواوينكم، الطبراني وابن عساكر، وابن الصلاح والذهبي، والنووي وابن كثير، وابن رجب وابن القيم، والمزّي وابن قدامة، وسواهم كثير، درّسوا بحلقاتكم، وكتبوا بمدادكم، وتنفّسوا هواكم، ولولا دمشق ما كانوا وما كانت الأندلس، ولا زهت ببني العباس بغداد، ولا كانت فتوح الإسلام العظام.

(10) وفي ارتباط أرضِ الشام بالحرية وبعثِ العزم يقول العالمُ ابن تيمية: "ثبت للشام وأهله مناقب بالكتاب والسنة وآثار العلماء، وهي أحد ما اعتمدته في تحضيضي المسلمينَ على غزو التتار، وأمري لهم بلزوم دمشق، ونهيي لهم عن الفرار".
والطنطاويُّ الخبير بها وبأهلها يقول: "وأهل الشام كالماء، لهم في الرضا رقته وسيلانه، وفي الغضب شدّته وطغيانه، بل ربما كان لهم من البركان فورانه وثورانه".
ونزار القباني يفخرُ بدمشقَ وهو لا ينفكّ عن حزنهِ فيقول:
يا دمشقُ البسي دموعي سوارًا *** وتمنّيْ فكلُّ شيء يهونُ
وضعي طَرحَةَ العروس لأجلي *** إنَّ مَهْرَ المُناضلات ثمينُ
رضيَ اللهُ والرسولُ عن الشام *** فنصرٌ آتٍ وفتحٌ مبينُ
استردّت أيامَها بكِ بدرٌ *** واستعادت شبابَها حطينُ
بك عَزّتْ قريشُ بعد هوان *** وتلاقتْ قبائلٌ وبطونُ
صَدَقَ السيفُ وعدَهُ يا بلادي *** فالسياساتُ كلُّها أَفيُونُ
صدق السيفُ حاكمًا وحكيمًا *** وحدَه السيفُ يا دمشقُ اليقينُ
علّمينا فقهَ العروبةِ يا شامُ *** فأنتِ البيانُ والتبيينُ
علّمينا الأفعالَ قد ذَبَحَتْنا *** أحرفُ الجرّ والكلام العجينُ
علّمينا قراءةَ البرق والرعد *** فنصفُ اللغاتِ وحلٌ وطينُ
أوقدي النارَ فالحديثُ طويلٌ *** وطويلٌ لمن نحبُّ الحنينُ
واركبي الشمسَ يا دمشقُ *** حصانًا ولك اللهُ حارسٌ وأمينُ


ومرّت الأيامُ، ومضى الرفاقُ الثلاثة، وبقيت الشامُ، تنقل صورَها الشاشاتُ، وتتابع ثورتَها الأقلام، وعشاقٌ بعيدون هناك في كل أنحاء العالم يردّون صدى الصوتِ الذي ينادي برفعِ الظلم، ويحرّكون أقدامهم في دروبِ الحريّة، يعتقدون أن ليس ثمَّ بلدٌ أولى بالثورة من بلادهم، ويمدون أيديهم نحو السماء يصيحون: يا ربّ، يا ربّ، يا ربّ، ومطعمهم ثمارُ الشام، ومشربهم مياهُ الشام، وملبسهم غرامُ الشام، وغُذّوا بالشام، فعسى أن يُستجابَ لهم.

 

طالب بن عبد الله آل طالب
 

  • 8
  • 0
  • 3,201

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً