نعمة البدء القرآني
كنت أتأمل نعمة الله على من نشأ في كنف القرآن منذ بواكير العمر، فخطر لي أن ذلك ليس فضلًا عارض في سيرة العبد، بل هو اصطفاء ربانيّ يغيّر مسار العمر من جذره، ويجعل نقطة البداية هي عين النجاة، لا محطة التصحيح.
كنت أتأمل نعمة الله على من نشأ في كنف القرآن منذ بواكير العمر، فخطر لي أن ذلك ليس فضلًا عارض في سيرة العبد، بل هو اصطفاء ربانيّ يغيّر مسار العمر من جذره، ويجعل نقطة البداية هي عين النجاة، لا محطة التصحيح.
فكثير من الناس يُبصرون نور القرآن بعد أن أضرّ بهم التيه، وتصدّعت فيهم دوائر المعنى، فإذا هم يعودون إليه طلبًا للترميم، لا تأسيسًا للبناء، أما من استُفتح له بسكينة القرآن من أول الطريق، فقد أُعفي من كثير من الانكسارات المؤلمة.
وليس هذا التوفيق مجرّد مسألة “زمنية”، أن تصل مبكرًا أو متأخرًا، بل هو مسألة تكوين جوهريّ، فمن شبّ على تلاوة الوحي، كانت مفاهيمه وأذواقه وعلاقته بالكون تتشكّل تحت إشرافٍ مباشر من الله.
وهذه النشأة المبكّرة، لا تمنحك فقط أسبقية في السباق، بل تمنحك مناعةً من الداخل، ورسوخًا في الفهم، وحصانةً من الالتواءات التي يتعثر بها غيرك حين يلجأ للقرآن متأخرًا.
ولذلك، فإن من أعظم ما يُستصحب في باب الشكر: أن تفقه أن بدايتك مع القرآن ليست صدفة، ولا اجتهاد بيئة فقط، بل هي إذنٌ سماويّ بالهداية المبكّرة، ولبنةٌ أولى في بناءٍ أراد الله له أن يكتمل على عين منه، وهنا يتبدّى الفارق الجوهري بين أن يكون القرآن ملاذًا من السقوط، أو يكون مانعًا من السقوط أصلًا، فالأول يتعافى، والثاني ينمو.
ومن أعظم الألطاف التي يُخفيها الله في ثنايا النشأة، أن يُورثك القرآن في سنين الفطرة، قبل أن تنقضّ عليك الدنيا بسعارها، فذاك بكور الهداية، وذاك هو التفضيل الذي لا تُكتَب نعمتُه على الجباه، بل تُكتَب في خاتمة المصير.
- التصنيف: