الطوفان الرقمي

منذ يوم

وفي هذا الطوفان الرقمي، لا يُنجي العبد أن يُبحر دون وعي، ولا أن يُسلم نفسه لموج الخوارزميات، بل أن يعود إلى فقه الانتخاب الذي ربّى عليه الوحي: {فبشّر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}

الطوفان الرقمي |• 

هل تستطيع أن تسبح في بحر يُضاف إليه ٥٠٠ موجة في الدقيقة؟

هل يمكنك أن تسير في مدينة تتّسع كل دقيقة لألف طريق جديد، فتفتح في اليوم الواحد ٧٢٠٠٠٠ درب لم تُكتب لها خرائط، ولم تُرسم لها نهايات، ثم يُطلب منك ألا تتيه؟ 

لقد تغيّرت طبيعة البلاء: ما عادت المشكلة في الجهل، بل في ازدحام المعرفة حتى حجبت البصيرة، منصة واحدة، كيوتيوب، يُضاف إليها أكثر من ٥٠٠ ساعة من الفيديو في الدقيقة الواحدة، أي ما يتجاوز ٧٢٠٠٠٠ ساعة في اليوم، في مشهد رقميّ يُشبه الطوفان؛ لا يستطيع عقل أن يُدركه، ولا وقت أن يُلاحقه.
 
كل لحظة تُمنح لك هي رأس مال أخرويّ، وأنت في كل "مشاهدة" تختار: إما أن تكون سلعةً تستهلك، أو عبدًا ينتقي، فقه الاستهلاك اليوم أصبح فقهًا تعبّديًا، والانتقاء من بين آلاف الأصوات بات سلوكًا إيمانيًا ناضجًا، والوحي علّمنا أن نزن الأمور بميزان الهداية لا الإثارة، وأن نقيس الأمور بنتائجها على قلوبنا، لا بانفعالات لحظية، فالزمن لا يعرف التكرار،والمنصات لا تعرف التوقّف.

وفي هذا الطوفان الرقمي، لا يُنجي العبد أن يُبحر دون وعي، ولا أن يُسلم نفسه لموج الخوارزميات، بل أن يعود إلى فقه الانتخاب الذي ربّى عليه الوحي: {فبشّر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}، والواجب اليوم أعظم من مجرّد الإعراض عن الحرام، بل صار لزامًا حُسن الانتخاب حتى في المباحات، وتوجيه الساعات نحو ما يزكّي النفس، ويحيي القلب، ويورث العلم النافع، ويقوّي الهمة.

  • 1
  • 0
  • 53

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً