التفسير المختصر لأعظم سورة في القرآن

منذ 16 ساعة

الفاتحة هي أعظم سورة في القرآن، وسميت سورة الفاتحة لأنه يُبدأ بكتابتها وقراءتها في المصاحف، ويَبدأ المصلي بقراءتها في صلاته

 

قال الله تعالى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: {{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}} [الحجر: 87]، فسورة الفاتحة هي أعظم سورة في القرآن، وسميت سورة الفاتحة لأنه يُبدأ بكتابتها وقراءتها في المصاحف، ويَبدأ المصلي بقراءتها في صلاته، وتُسمَّى السبع المثاني لكونها سبع آيات، وتثنى وتعاد قراءتها في كل ركعة في الصلاة، وتُسمَّى أم القرآن لأن معاني جميع آيات القرآن ترجع إليها، كما سيأتي بيانه.

يقول الله تعالى في أول سورة الفاتحة: {{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)}}

علَّمنا الله أن نبتدئ قراءة القرآن مستعينين به، متبركين بذكر اسمه، فيقول القارئ حين يقرأ القرآن: {بِسْمِ اللَّهِ} أي: أبتدئ قراءتي باسم الله.

والله هو المعبود الحق دون ما سواه.

  {{الرَّحْمَنِ}} اسم من أسماء الله الحسنى، بمعنى: صاحب الرحمة الواسعة، ورحمته وسعت في الدنيا كل شيء، لكنها في الآخرة لا تكون إلا لعباده المتقين، كما قال تعالى: {{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} } [الأعراف: 156].

{{الرَّحِيمِ}} اسم من أسماء الله الحسنى، بمعنى: صاحب الرحمة الواصلة إلى عباده المؤمنين، كما قال تعالى: {{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}} [الأحزاب: 43]، فالله يرحم المؤمنين في الدنيا والآخرة، ويلطف بهم.

{{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}}

يُعلِّم الله عباده أن يحمدوه بهذا القول، والتقدير: قولوا: الحمد لله.

والحمد له معنيان: المعنى الأول: بمعنى الثناء، والمعنى الثاني: بمعنى الشكر، فالحمد بمعنى الثناء والحمد بمعنى الشكر لله سبحانه، فمعنى قوله تعالى: {{الْحَمْدُ لِلَّهِ} } أي: الثناء كله لله وحده، والشكر كله لله وحده.

فالثناء كله لله؛ لأنه الخالق الكامل في صفاته، وما سواه مخلوق ناقص، والشكر كله لله؛ لأن جميع النعم الظاهرة والباطنة، الدنيوية والدينية من عند الله وحده، وبتيسيره ورحمته.

{{رَبِّ الْعَالَمِينَ}} الرب هو الخالق المالك المدبِّر، والعالمين هم كل ما سوى الله من جميع المخلوقات، من الملائكة والإنس والجن والدواب والجمادات، فالله خالق كل شيء، ومالك كل شيء، ومدبر الكون وما فيه، والمتصرف في جميع المخلوقات بقدرته وعلمه وحكمته.

{{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)}}

الرحمن الرحيم اسمان كريمان من أسماء الله الحسنى، دالان على صفة الرحمة كما يليق بعظمة الله، والفرق بينهما أن اسم (الرحمن) يدل على رحمة الله العامة بجميع الخلق، واسم (الرحيم) يدل على رحمة الله الخاصة بالمؤمنين، وأسماء الله كلها حسنى، بالغة الغاية في حسن الألفاظ والمعاني، والدلالة على كمال الصفات والعظمة، والتنزه عن جميع النقائص، قال الله تعالى: {{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}} [الإسراء: 110].

{{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}}

أي: مالك يوم الجزاء والحساب، فمن أسماء يوم القيامة: يوم الدين؛ لأن الله يحاسب فيه جميع عباده الأولين والآخرين، ويجازيهم بأعمالهم، خيرها وشرها، ولا يملك أحد في ذلك اليوم شيئا لنفسه ولا لغيره، كما قال تعالى: { {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}} [الانفطار: 17 - 19].

{{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)}}

يُعلِّم الله عباده أن يقولوا: {{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}} أي: نخصك - يا ربنا - بالعبادة، متذللين لك وحدك لا شريك لك، ونستعين بك وحدك في جميع أمور ديننا ودنيانا، ونتوكل عليك في جلب ما ينفعنا ودفع ما يضرنا، كما قال تعالى: {{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}} [هود: 123].

فيجب على الإنسان أن يعبد الله وحده لا شريك له، ولا يعبد غيره كائنا من كان، ويجب على المسلم أن يتوكل على الله وحده، فيعتمد قلبه على الله في جلب ما ينفعه ودفع ما يضره في دينه ودنياه، مع الأخذ بالأسباب الشرعية.

{{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)}}

أي: دُلَّنا ووفِّقنا إلى الطريق الواضح الواسع، الذي لا اعوجاج فيه ولا ضيق، ولا إفراط فيه ولا تفريط، وهو دين الإسلام الموصل إلى رضا الله وجنته، وهو طريق واحد لا يتعدد، ومن سلك غيره فقد ضل، كما قال تعالى: {{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}} [الأنعام: 153].

وهذا الصراط المستقيم هو الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وهو طاعة الله وطاعة رسوله، كما قال تعالى: {{وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}} [يس: 61]، وقال سبحانه عن رسوله: { {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}} [المؤمنون: 73].

{{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}}

أي: اهدنا طريق الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، الذين علموا الحق وعملوا به، وجنِّبنا طريق المغضوب عليهم الذين علموا الحق ولم يعملوا به كاليهود ومن تشبه بهم من هذه الأمة، وجنِّبنا طريق الضالين الذين لم يهتدوا إلى الحق لجهلهم بالحق، فهم يعملون بأهوائهم وآرائهم المخالفة لشرع الله، كالنصارى ومن تشبه بهم من هذه الأمة.

قال الله تعالى: {{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}} [النساء: 69]، وقال الله عن اليهود: {{وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} } [البقرة: 61]، وقال الله عن النصارى: {{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}} [المائدة: 77].

وفي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي (2954) عن عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( «اليهود مغضوبٌ عليهم، والنصارى ضُلَّال» )).

ويستحب لمن قرأ سورة الفاتحة أن يقول: (آمين)، بمعنى: اللهم استجب، ففي سورة الفاتحة أعظم وأفضل دعاء على الإطلاق، وهو الدعاء بالهداية إلى الصراط المستقيم، فالمسلم يحتاج أن يهديه الله لمعرفة الحق، وما يجهله العبد أكثر مما يعلمه، كما قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]، ويحتاج العبد أن يوفقه الله لأحسن الأعمال والأخلاق في جميع أموره وأحواله، وإذا علم العبد الحق يحتاج أن يوفقه الله للعمل به، وإذا عمل به يحتاج أن يوفقه الله للثبات عليه، فحاجة المسلم إلى هذا الدعاء فوق كل حاجة؛ ولذلك أوجب الله على المسلم أن يدعو ربه بهذا الدعاء في كل ركعة في صلاته.

وهذه الآية الأخيرة: {{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}} قسَّمت جميع الناس إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: من علم الحق وعمل به، القسم الثاني: من علم الحق ولم يعمل به، القسم الثالث: من جهل الحق، وعمل بالباطل على جهل، وهو يحسب أنه يحسن صنعا.

وفي هذه الآية الأخيرة التحذير من طاعة اليهود والنصارى، ومن التشبه بهم فيما هو من خصائصهم، والحرص على مخالفتهم في أمورهم، قال الله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}} [آل عمران: 100]، وقال سبحانه: {{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}} [البقرة: 120]، وقال عز وجل: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}} [المائدة: 51]، فما من انحراف في هذه الأمة إلا وأصله يرجع إلى تَشَبُّهٍ باليهود المغضوب عليهم أو تَشَبُّهٍ بالنصارى الضالين؛ ولذلك شرع الله للمسلم أن يسأله دائما الهداية إلى الاستقامة التي لا يهودية فيها ولا نصرانية، فأي مخالفة للحق من هذه الأمة فهي ترجع إلى شُعبةٍ من شُعَب اليهود أو شُعبةٍ من شُعَب النصارى، فمثلا عدم تعظيم الله ورسله، وكتمان الحق، وخلط الحق بالباطل، والحسد، وعقوق الوالدين، والتهاون بالصلاة، ومنع الزكاة، وأكل الربا، وأكل أموال الناس بالباطل، وظلم الناس، والقتل بغير الحق، والإعراض عن الحكم بما أنزل الله، والإيمان ببعض الكتاب دون بعض؛ كلها من صفات اليهود كما بيَّن الله ذلك في كتابه، والجهل بالعقيدة الصحيحة، والابتداع في الدين ابتغاء رضوان الله بما لم يدل عليه دليل، والغلو في الصالحين؛ كلها من صفات النصارى كما بيَّن الله ذلك في كتابه.  

واعلم أن سورة الفاتحة هي أم القرآن وأساسه، فإليها ترجع جميع معاني آيات القرآن الكريم، وكل آيات القرآن تُفصِّل معنى ما أجملته الفاتحة، وبيان ذلك فيما يلي:

  • الآيات التي فيها بيان عظمة الله، والتعريف بأسمائه الحسنى، كلها تبيين وتفصيل لمعنى قوله تعالى: { {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}} [الفاتحة: 1].
  • الآيات التي فيها حمد الله وشكره، وبيان كثرة نعمه على عباده، وربوبيته لجميع خلقه من الإنس والجن والملائكة وجميع الدواب والجمادات، كلها تبيين وتفصيل لمعنى قوله: {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} [الفاتحة: 2].
  • الآيات التي فيها رحمة الله العامة بخلقه، ورحمته الخاصة بعباده الصالحين، كلها تبيين وتفصيل لمعنى قوله تعالى: {{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}} [الفاتحة: 3].
  • الآيات التي فيها إثبات البعث بعد الموت، وذكر القيامة والحساب والجزاء والجنة والنار، كلها تبيين وتفصيل لمعنى قوله تعالى: {{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}} [الفاتحة: 4].
  • الآيات التي فيها الأمر بعبادة الله وحده، والتحذير من الشرك به، والآيات التي فيها بيان العبادات المتنوعة من صلاة وصوم وزكاة وصدقة وحج وعمرة وجهاد وصبر وشكر وذكر لله ودعاء واستعاذة وتوكل وغير ذلك من العبادات الظاهرة والباطنة، كلها تبيين وتفصيل لمعنى قوله تعالى: { {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}} [الفاتحة: 5]، وكذلك الآيات التي فيها الحث على الاجتماع، وترك التفرق والاختلاف، والأمر بالتعاون على البر والتقوى، كلها تدخل في معنى هذه الآية.
  • الآيات التي فيها بيان الاعتقاد الصحيح والعمل الصالح والأخلاق الفاضلة، وتوضيح الإسلام وأحكامه وشرائعه، والأمر بالتوسط بلا إفراط ولا تفريط، والنهي عن الغلو والتكلف، كلها تبيين وتفصيل لمعنى قوله تعالى: {{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}} [الفاتحة: 6]. 
  • الآيات التي فيها الإخبار عن النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وذكر قصصهم، كلها تبيين وتفصيل لمعنى قوله تعالى: {{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} } [الفاتحة: 7]؛ لنقتدي بهم في دعوتهم وصبرهم وأخلاقهم وعبادتهم لله ودعائهم.
  • الآيات التي فيها الإخبار عن الكفار والمشركين، وبيان صفات اليهود والنصارى والمنافقين وعلماء السوء، والمعرضين عن كتاب الله وتحكيمه، والغافلين عن عبادة الله وطاعته، كلها تبيين وتفصيل لمعنى قوله تعالى: { {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}} [الفاتحة: 7]؛ لنحذر من الاتصاف بصفاتهم.

نسأل الله برحمته أن يهدينا بالقرآن إلى صراطه المستقيم، وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين، آمين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

محمد بن علي بن جميل المطري

دكتوراه في الدراسات الإسلامية وإمام وخطيب في صنعاء اليمن

  • 0
  • 0
  • 0

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً