الحث على التوسع في علم التفسير

منذ 11 ساعة

وروى ابن جرير الطبري في تفسيره (22/ 132) عن مطر بن طهمان الوراق في قوله تعالى: { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} قال: (هل من طالب علم فيُعان عليه؟).

قال الله تعالى: {﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ } في أربعة مواضع في سورة القمر [17، 22، 32، 40].

أي: ولقد سهلنا القرآن للتلاوة والاستماع والفهم والحفظ والاتعاظ، لأجل من يريد أن يتعلمه ويتعظ به، فهل من متعظ يقرأ القرآن ويتعلمه حفظا وفهما فيتذكر به، ويعتبر بما فيه؟

يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/ 130، 131)، ((المحرر الوجيز)) لابن عطية (5/ 215)، ((تفسير القرطبي)) (17/ 134)، ((تفسير ابن كثير)) (7/ 478)، ((تفسير السعدي)) (ص: 825)، ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (27/ 189، 190)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة القمر)) (ص: 273).

كما قال تعالى: {﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾} [الدخان: 58].

وقال سبحانه: {﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ } [ص: 29].

وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»  رواه البخاري (5027)، فخير الناس من تعلَّم القرآن وعلَّمه تلاوة وحفظا وفهما. 

وروى ابن جرير الطبري في تفسيره (22/ 132) عن مطر بن طهمان الوراق في قوله تعالى: { ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾} قال: (هل من طالب علم فيُعان عليه؟).

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره (4/ 180): "لولا أن الله تعالى يسر القرآن للذكر ما استطاع أحد أن يتكلم بكلام الله تعالى، ولكن الله تعالى يسره على خلقه، فيقرءونه على كل حال". وانظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 432)

وقال الواحدي في ((الوجيز)) (ص: 1047): "سهلناه للحفظ، فليس يُحفظ كتابٌ من كتب الله ظاهرا إلا القرآن".

وقال ابن عطية في تفسيره ((المحرر الوجيز)) (5/ 215): "يُسِّر بما فيه من حسن النظم وشرف المعاني؛ فله لوطةٌ بالقلوب، وامتزاج بالعقول السليمة. وقوله: { ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾} استدعاء وحض على ذكره وحفظه؛ لتكون زواجره وعلومه وهداياته حاضرة في النفس".

وقال الشوكاني في تفسيره ((فتح القدير)) (5/ 149): "في الآية الحث على درس القرآن، والاستكثار من تلاوته، والمسارعة في تعلمه".

وقال السعدي في تفسيره (ص: 826): "علمُ القرآن حفظا وتفسيرا، أسهل العلوم، وأجلها على الإطلاق، وهو العلم النافع الذي إذا طلبه العبد أُعين عليه، قال بعض السلف عند هذه الآية: هل من طالب علم فيُعان عليه؟".

واعلم أن العلوم الشرعية التي تُدرس لذاتها ثلاثة: التفسير والحديث والفقه، ولا يستغني أي طالب علم عن الجمع بينها، فبعضها يُكمِّل بعضا، ولا يكون العالم كاملا في علمه إلا بها، ومن قصَّر في شيء منها فقد فاته كثير من العلم النافع؛ لأنها أصل العلم الشرعي، فهي علم الغاية، وما عداها علم آلة (وسيلة) تُدرس للتمكن من علم الغاية، كالنحو وعلوم الحديث وأصول الفقه، أو علم متممة كالقراءات والتاريخ وعلم الأدب.

 وأما علم التوحيد والعقيدة فهما من أهم العلوم الشرعية، وهما يدخلان في علم التفسير والحديث، فإنهما يؤخذان من القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وقد أفردهما العلماء بالتصنيف لأهميتهما كما أفردوا علم المواريث لأهميته مع كونه داخلا في علم الفقه.

وإن في علم التفسير التبيان لكل شيء والهدى والرحمة، وبه يحصل الخشوع، وزيادة الإيمان، وكل خير، فإن القرآن يهدي للتي هي أقوم في أمور الدين والدنيا.

وفي علم الحديث دراية ورواية التحقيق في العلوم، ومعرفة الراجح من المرجوح من الأقوال، وتمييز مراتب المعلومات من يقين وغلبة ظن، وبه الاتباع، وحسن الهدي، ونبذ البدع.

وفي علم الفقه معرفة الحلال والحرام، والحكم على جميع أعمال المكلفين بالأحكام الشرعية، وبه نفع الناس بالفتوى لهم والحكم بينهم وحل مشاكلهم وإصلاح ذات بينهم بالعدل، والقيام بأمور دينهم ودنياهم.

قال السيوطي في ((الإتقان في علوم القرآن)) (4/ 199): " أجمع العلماء أن التفسير من فروض الكفايات، وأجل العلوم الثلاثة الشرعية".

وقال الواحدي في ((الوسيط)) (1/ 47): "وإن أهم العلوم الشرعية، ومجمع الأحكام الدينية، كتاب الله المودع نصوص الأحكام، وبيان الحلال والحرام، والمواعظ النافعة، والعبر الشافية، والحجج البالغة، والعلم به أشرف العلوم وأعزها، وأجلها وأمزها؛ لأن شرف العلوم بشرف المعلوم. ولما كان كلام الله تعالى أشرف المعلومات، كان العلم بتفسيره وأسباب تنزيله ومعانيه وتأويله، أشرف العلوم".

فأصل العلم القرآن الكريم، ومن أراد العلم النافع فليتوسع في تفسير كتاب الله، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من أراد العلم فليثوِّر القرآن؛ فإن فيه علم الأولين والآخرين) رواه أحمد بن حنبل في كتاب ((الزهد)) (856)، ومعنى تثوير القرآن أي: كثرة تدبره، وتكرار التأمل فيه للاهتداء بهداياته.

وفي الحديث المشهور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبَّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يَخْلَق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ [الجن: 2] من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم) رواه الترمذي (2906) مرفوعا، ورجح الحافظ ابن كثير في تفسيره (1/ 21) أنه من كلام علي رضي الله عنه، وقال: "وهو كلامٌ حسنٌ صحيح".

وعن التابعي المشهور مسروق بن الأجدع الوادعي قال: (ما نسأل أصحاب محمد من شيء إلا عِلْمه في القرآن، إلا أن عِلمنا يقصر عنه) رواه زهير بن حرب في كتاب ((العلم)) (50).

وما أحسن ما قاله الإمام الشافعي في كتابه ((الرسالة)) (ص: 19، 20): "كل ما أنزل في كتابه جل ثناؤه رحمة وحجة، علِمه من علِمه، وجَهِله من جَهِله، لا يعلم من جهله، ولا يجهل من علمه. والناس في العلم طبقات، موقعهم من العلم بقدر درجاتهم في العلم به. فحقَّ على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه، والصبر على كل عارض دون طلبه، وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصا واستنباطا، والرغبة إلى الله في العون عليه، فإنه لا يُدرك خير إلا بعونه. فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصا واستدلالا، ووفقه الله للقول والعمل بما علم منه: فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الرِّيَب، ونوَّرت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضع الإمامة. فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها".

هذا، وإن كل آية وكل حديث في بيان فضل العلم والعلماء فعلم التفسير أول ما يدخل في ذلك، ففي جميع تلك النصوص الحث على تعلم التفسير.

 والنبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما دعا لابن عباس رضي الله عنهما بالعلم دعا له بالفقه في الدين وتعلم التفسير، فقال: ((اللهم فقهه في الدين، وعلِّمه التأويل)) رواه أحمد بن حنبل في مسنده (2879) عن ابن عباس بإسناد صحيح. 

وقد فسر ابن عباس وأبو الدرداء رضي الله عنهما قوله تعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 269] بأنه المعرفة بالقرآن، والتفكر فيه، رواه عنهما ابن أبي حاتم في تفسيره (2/ 531، 533).

وعن الحسن البصري قال: "ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن تُعلم فيم أُنزلت، وما أراد بها" رواه المستغفري في ((فضائل القرآن)) (273).

قال الشوكاني: "ينبغي للطالب أن يطول الباع في علم التفسير، ويطالع مطولات التفاسير، فإن المعاني المأخوذة من كتاب الله سبحانه كثيرة العدد، يستخرج منها كل عالم بحسب استعداده، وقدر ملَكَته في العلوم". انتهى باختصار وتصرف يسير من كتاب ((أدب الطلب)) (ص: 148).

وقال الشوكاني أيضا في كتابه ((البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع)) (2/ 87) في ترجمة محمد بن إبراهيم الوزير بعد أن ذكر جملة من الكتب التي تكفي الطالب في علوم الآلة كاللغة والنحو وأصول الفقه: "مع أن فيها جميعا ما لا تدعو إليه حاجة، ولا سيما تلك التدقيقات التي في شروحها وحواشيها، فإنها عن علم الكتاب والسنة بمعزل، ولكنه جاء في المتأخرين من اشتغل بعلوم أخرى خارجة عن العلوم الشرعية ثم استعملها في العلوم الشرعية، فجاء من بعده فظن أنها من علوم الشريعة، فبعدت عليه المسافة، وطالت عليه الطرق، فربما بات دون المنزل، ولم يبلغ إلى مقصده، فإن وصل بذهن كليل، وفهم عليل؛ لأنه قد استفرغ قوَّته في مقدماته، وهذا مشاهد معلوم، فإن غالب طلبة علوم الاجتهاد تنقضي أعمارهم في تحقيق الآلات وتدقيقها، ومنهم من لا يفتح كتابا من كتب السنة، ولا سفرا من أسفار التفسير!! ومن عرف ما ذكرناه سابقا لم يحتج إلى قراءة كتب التفسير على الشيوخ؛ لأنه قد حصَّل ما يفهم به الكتاب العزيز". انتهى باختصار وتصرف يسير.

اللهم فقهنا في الدين، وعلمنا التفسير، وارزقنا طاعتك، وطاعة رسولك، والعمل بكتابك، وسنة نبيك.

وكتب/ محمد بن علي بن جميل المطري

صنعاء - اليمن

شهر رمضان 1440 هجرية

 

محمد بن علي بن جميل المطري

دكتوراه في الدراسات الإسلامية وإمام وخطيب في صنعاء اليمن

  • 0
  • 0
  • 0

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً