هل الدعاء يُغير شيئًا؟
الدعاء ليس رجاء الضعفاء فحسب، بل سلاح العقلاء، ومركب الحكماء، وملاذ أولياء الله حين تضيق السبل وتنقطع الحيل، هو عبودية خالصة، لا تخضع للقياسات البشرية، بل تنتمي إلى عالم الغيب، حيث لا يُردّ السائل، ولا يُخيَّب الراجون.
ثمة من يتحدّث عن الدعاء وكأنه طقوسٌ نفسية تُهدّئ البال ولا تغيّر الأقدار، يقولها قائلهم بنبرة الفتور: “كل شيء قد كُتب، فلم الدعاء؟”، وكأنّ الأقدار جُمّدت، والأبواب أوصِدت، والرجاء أُقصي من دائرة التأثير.
فلو لم يكن الدعاء يُبدّل مسارًا، ويستنزل رزقًا، ويردّ بلاءً، ويشفي داءً، لما قال ربّنا: ﴿ {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ﴾، ولما نُسجت على مدار التاريخ خيوط النجاة من أفواه المكلومين، زكريا -عليه السلام- ما استبطأ الإنجاب، بل دعا، ويونس -عليه السلام- لم يرضَ بالبقاء في الظلمات، بل ناجى، إن الدعاء ليس هامشًا في كتاب القدر، بل هو من سطوره، بل هو أحد أقلامه، ووسيلة من وسائله، وصدق الحبيب حينما قال «ولا يردُّ القدرَ إلَّا الدُّعاءُ» (والحديث عند ابن ماجه وحسنه الألباني).
أرأيتَ إلى قَدَر الله حين نُزّل على أم موسى أن تُلقي رضيعها في اليمّ؟ لقد سبقَتْه دعوةٌ في القلب، ونيةٌ في الغيب، ثم لحقتها هدايةٌ وَحْيية: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ}، فلو نظرت أم موسى بعين الأسباب فقط، لظنّت أنّ الماء قَدَر لا يُرد، وأن الولد في عُباب النهر مفقود لا محالة، لكنّ الدعاء يُقيم جسورًا فوق المستحيل وليس فوق الماء كما نظن.
الدعاء ليس رجاء الضعفاء فحسب، بل سلاح العقلاء، ومركب الحكماء، وملاذ أولياء الله حين تضيق السبل وتنقطع الحيل، هو عبودية خالصة، لا تخضع للقياسات البشرية، بل تنتمي إلى عالم الغيب، حيث لا يُردّ السائل، ولا يُخيَّب الراجون.
فلا تُطفئ رجاءك لأنّ أحدهم أغلق الباب بتأويلٍ فقير، وكن على يقين أن كل كلمة تخرج من فمك في السَّحر، لا تضيع، بل تُخبَّأ لك، وتُروى بها صحراءك ساعة العطش، وإنّ ربك لسميع الدعاء.
- التصنيف: