ذكر الله تعالى قوة وسعادة
قَالَ ﷺ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ». قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ».
أُمَّةَ الإسلامِ: خلَق اللهُ -تعالى- الإنسانَ ضعيفًا، فالضَّعْف مبدؤه، وإليه منتهاه؛ {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}[الرُّومِ: 54]، والمرء في هذه الحياة الدنيا لا يكاد يسلم من الشدائد والكربات، والمخاوف والمكدِّرات، فيحتاج إلى سبب يعينه ويُقَوِّيه، ويَجبُر ضَعفَه ويُسلِّيه.
وإن من أعظم تلك الأسباب الأذكار الواردة في السُّنَّة والكتاب، فذِكْرُ اللهِ مِنْ أيسرِ الأعمالِ التي يشغل المسلمُ بها وقتَه، ويُحيي بها قلبَه، ويُؤنِس بها وحشتَه، ويُرضِي بها ربَّه، فذِكْرُ اللهِ لا يسأَمُه الجليسُ، ولا يملُّه الأنيسُ؛ {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرَّعْدِ: 28].
وإن من ذخائر الأذكار كنزًا عظيمًا تحت عرش الجبار، حث النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه عليه، ورغب أمته فيه؛ ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَيْبَرَ، أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ - أي: هونوا على أنفسكم-، إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، وَهُوَ مَعَكُمْ». قال أبو موسى -رضي الله عنه-: وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَقَالَ لِي: «يَا عَبْدَ اللَّهِ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ». قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ».
ومعنى كنز من كنوز الجنة؛ أي أن ثوابها نفيس، ومدخر لقائلها في الجنة، كما يدخر الكنز ويحفظ في الدنيا، فلا حول ولا قوة إلَّا بالله، جملة قليلة المبنى، عظيمة المعنى، فيها من التوحيد والإجلال، والتوكل على الرب الكبير المتعال، ما يصلح به البال، وينال صاحبها رفيع المنازل والأحوال.
إخوةَ الإيمانِ: إن العبد محتاج إلى الاستعانة بالله، على فعل المأمورات وترك المحظورات، والصبر على المقدورات، فَمَنْ حقَّق الاستعانةَ أعانَه اللهُ، وهو معنى لا حول ولا قوة إلا بالله، فلا حول للمرء عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة له على طاعته إلا بمعونته، ولا تحول له من مرض إلى صحة، ولا من وهن إلى قوة، ولا من نقص إلى زيادة، ولا دفع شر، ولا تحصيل خير إلا بالله -جل جلاله-، وتقدست أسماؤه، فلا حول ولا قوة إلا بالله، نفي لأي تحول من حال إلى حال إلا بالله ذي الجلال والكمال، ولا حول ولا قوة إلا بالله، تطرد كل هم وغم عن صاحبها؛ لأن قائلها يستعين بخالقه، ويفوض الأمر إليه، ويبرأ من حوله وقوته، ومن حول كل مخلوق مهما بلغت مكانته إلى حول الله وقوته وجبروته، فمن كان هذا قوله وفعله واعتقاده كيف يخذله أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، -سبحانه- من إله كريم رحيم.
وفي مسند الإمام أحمد، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟»، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ»، قال: -أي النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فيقول الله -عز وجل-: أسلم عبدي واستسلم»، قال ابن القيم -رحمه الله-: وأمَّا تأثير لا حول ولا قوَّة إلا بالله في دفع هذا الدَّاء؛ أي: داء الهم والغم-، فلما فيها من كمال التَّفويض، والتَّبرِّي من الحول والقوَّة إلا به، وتسليم الأمر كلِّه له، وعدم منازعته في شيءٍ منه، وعمومُ ذلك لكلِّ تحوُّلٍ من حالٍ إلى حالٍ في العالَم العلويِّ والسُّفليِّ، والقوَّة على ذلك التَّحوُّل، وأنَّ ذلك كلَّه باللَّه وحده، فلا يقوم لهذه الكلمة شيءٌ، وفي بعض الآثار: إنه ما ينزل ملك من السماء ولا يصعد إليها إلا بلا حول ولا قوة إلا بالله، ولها تأثير عجيب في طرد الشيطان، والله المستعان انتهى كلامه -رحمه الله-.
مَعاشِرَ المؤمنينَ: لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوصي أمته بالإكثار من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فَمِمَّا ورد في فضلها: أنَّها سبب لمغفرة الذنوب وتكفير الخطايا، فمن قالها عند موته كانت له وقاية من النار، ففي سنن الترمذي قال -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، صَدَّقَهُ رَبُّهُ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، وَأَنَا أَكْبَرُ، وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي، وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، قَالَ اللَّهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي لَا شَرِيكَ لِي، وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، قَالَ اللَّهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، لِيَ الْمُلْكُ وَلِيَ الْحَمْدُ، وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ اللَّهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِي، وَكَانَ يَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ قَالَهَا في مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَطْعَمْهُ النَّارُ».
ولا حول ولا قوة إلا بالله من أسباب استجابة الدعاء؛ فَمَنْ تعوَّد على ذِكْرِ اللهِ واستأنَس به غلَب عليه حتى يُصبِح حديثَ نفسِه في نومِه ويقظتِه، ومثلُ هذا حريٌّ بنَيْلِ الحسناتِ، وتكفيرِ السيئاتِ، وإجابةِ الدعواتِ، ففي صحيح البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ» ثُمَّ قَالَ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي - أَوْ قَالَ: ثُمَّ دَعَا- اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ عَزَمَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى تُقُبِّلَتْ صَلَاتُهُ».
ولا حول ولا قوة إلا بالله غَرْس من غِرَاس الجنة؛ ففي مسند الإمام أحمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «رأيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقَال: يا مُحمَّدُ، مُرْ أُمَّتَكَ أَن يُكْثِرُوا مِنْ غِراسِ الْجنَّةِ، فَإِنَّ تُرْبتَهَا طَيِّبةٌ، وأَرْضَهَا واسِعةٌ»، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإبراهيم -عليه السلام-: «وما غِراسُ الْجنَّةِ؟» قَال: «لَا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بِالله» ؛ فأَكثِرُوا يا عبادَ اللهِ من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وربُّوا عليها أنفسَكم وأهليكم، فقد أفلَح مَنْ قالها، وفاز مَنْ تدبَّرَها، ونجا يومَ القيامة مَنْ داومَ عليها، وهي إلى الله من أحب الكلمات، ومن الباقيات الصالحات، ففي مسند الإمام أحمد أن عثمان -رضي الله عنه- وأرضاه سئل عن الباقيات الصالحات فقال: هن لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير أملًا، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير مردًا.
فيا مَعاشِرَ المؤمنينَ: إن لا حول ولا قوة إلا بالله كلمة عظيمة مبارَكة، فيها كمال التوكل على الله، والالتجاء إليه، ففي سنن أبي داود بسند حسن: ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ، وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمًا، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ.
ويشرع لمن خرج من بيته لأي مصلحة دينيَّة أو دنيويَّة أن يتجه إلى ربه، فيقول: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا قالها قيل له حينئذ: هديت وكفيت ووقيت، فتتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بسند صحيح)، كما أن لا حول ولا قوة إلا بالله كلمة استعانة؛ ولهذا شُرِعَ لنا إذا قال المؤذن: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، طالبينَ بذلك عون الله وتوفيقه، ومدده وتسديده؛ فلذا يخطئ بعض الناس بأن يقولها جزعا لا صبرًا، فيجعلها في مواضع الاسترجاع وعند نزول المصائب والأوجاع، وبعضهم يختزلها اختزالا يخل بمعناها، فيفوت على نفسه خيرًا عظيمًا، وأجرًا جزيلًا.
_______________________________________________________
الكاتب: ماهر بن حمد المعيقلي
- التصنيف: