الظلم الصامت

منذ يوم

هذا هو الظلم الصامت الذي نمارسه أحياناً في بيوتنا ومدارسنا… حين نختزل الذكاء في الحفظ، ونربط التميّز بالدرجات، ونقيس النجاح بسرعة الإجابة لا بعمق الفهم.

هل من العدل أن نحكم على سمكة من قدرتها على تسلق الشجرة؟

هذا هو الظلم الصامت الذي نمارسه أحياناً في بيوتنا ومدارسنا… حين نختزل الذكاء في الحفظ، ونربط التميّز بالدرجات، ونقيس النجاح بسرعة الإجابة لا بعمق الفهم.

منذ عقود، تم طرح نظريةً غيّرت نظرتنا إلى الإنسان:
«نظرية الذكاءات المتعددة» التي تقول ببساطة:
الناس ليسوا أغبياء… بل مختلفون.

فالعقل البشري ليس قالباً واحداً، بل حديقة متنوّعة، لكل إنسان فيها بذرة فريدة تحتاج فقط إلى عين ترى ويدٍ ترعى.

والأجمل أن الإنسان لا يُمنح ذكاءً واحداً فقط، بل قد يحمل في داخله عدة أنواع من الذكاء بدرجات متفاوتة، تنتظر من يكتشفها وينمّيها. وقد أصبح عددها اليوم ثمانية أنواع أساسية وفق النظرية، مع احتمال ظهور المزيد مع تطوّر الدراسات.

فما هي هذه الذكاءات؟

١- الذكاء اللغوي: موهبة الكلمة… قدرة على التعبير، الكتابة، الإقناع، والخطابة، مع قدرة فطرية على تعلّم اللغات وفهم تراكيبها بسرعة.

٢- الذكاء المنطقي-الرياضي: موهبة التحليل والأرقام… حبّ حلّ المشكلات، وعشق المعادلات، ورؤية الروابط بين الأشياء.

٣- الذكاء البصري-الفضائي: موهبة التصوّر… القدرة على التخيل والرسم والتصميم وفهم الأبعاد والألوان.

٤.-الذكاء الجسدي-الحركي: موهبة الجسد… التعلّم بالحركة، والمهارة في الرياضة أو المسرح أو الأشغال اليدوية.

٥. الذكاء الاجتماعي: موهبة التواصل… فهم الآخرين، قراءة مشاعرهم، وحُسن التعامل مع اختلاف شخصياتهم.

٦. الذكاء الذاتي: موهبة الوعي… معرفة النفس بعمق، وضبط المشاعر، واتخاذ القرارات بوعي وثقة.

٧. الذكاء الطبيعي: موهبة الملاحظة… الانسجام مع الطبيعة، فهم تفاصيل النباتات والحيوانات والفصول.

٨. الذكاء الوجودي (قيد البحث): موهبة التأمل في أسئلة الحياة الكبرى ومعاني الوجود.

ابنك قد يحمل أكثر من ذكاء في آنٍ واحد… قد يكون لغوياً بامتياز، واجتماعياً محبوباً، وذو مَلَكة في الملاحظة والحركة في الوقت نفسه. المهم أن تبحث، لا أن تحكم!

والمربّي الناجح ليس من يفرض على أبنائه طريقاً واحداً، بل من يفهم قدراتهم، يشجّعها، ويسلّط الضوء عليها، حتى لو لم يستطع دعمها اليوم… فتسميتها وتوضيحها للطفل هدية ستكبر يومًا ما بيد شخص آخر أو ظروف أخرى.

وقدوتنا في ذلك المربّي الأعظم، رسول الله ﷺ، الذي أعطى الأدوار لأصحاب الكفاءة ولو كانوا صغارًا في السن، وفضّل بعض الشباب على كبار الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنه كان يرى القدرات بوضوح، فيضع كل إنسان في موضعه المناسب.

فلماذا نربّي أبناءنا كما لو كانوا نسخة واحدة؟ ولماذا نُعلّم طلابنا وكأنهم خرجوا من قالبٍ واحد؟

التربية الحقيقية لا تزرع شجرة واحدة في كل حقل، بل تزرع بستانًا متنوّعًا، وتسقي كل نبتة بما يناسبها.

فقد يكون في بيتك نابغة، لكنك لم تفتح له الباب الصحيح بعد

  • 1
  • 0
  • 110

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً