غزة وساعة العسرة؟

منذ 4 ساعات

ها هو المشهد في غزة يكاد يبلغ منعرجه الأخير، حيث تنكسر سنن التدبير البشري وتتهاوى منظومات التحليل السياسي، فلا يبقى في الميدان إلا سنن السماء وبُشريات الوعد الرباني

ها هو المشهد في غزة يكاد يبلغ منعرجه الأخير، حيث تنكسر سنن التدبير البشري وتتهاوى منظومات التحليل السياسي، فلا يبقى في الميدان إلا سنن السماء وبُشريات الوعد الرباني، في مثل هذه اللحظات التاريخية التي يصفها القرآن بـ”ساعة العُسرة”، كما قال تعالى في غزوة تبوك: {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}، تتجلى طبيعة الابتلاء حين يشتد الخناق وتبلغ القلوب الحناجر، فتغدو الدنيا كلها انسدادًا، ثم يتدفق الفرج من حيث لا يملك العقل أن يتصوره.

ثم تأمل قصة موسى عليه السلام، حين بلغ البحر وأحاط به فرعون وجنوده، فانهارت حسابات الأرض كلّها، حتى قال قومه: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}، لكن موسى استحضر معادلة الوحي لا معادلة الواقع، وقال كلمته الخالدة: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}. في تلك اللحظة انبثق “قانون الوعد” فإذا بالبحر ينفلق والريح تصفق وتخرج الأمة من قلب المستحيل إلى ساحة المعجزة، ولتتعلم الأجيال أن موازين الوحي إذا حضرت تذوب أمامها موازين المادة.

وغزة اليوم تعيش تجليات هذه السنن: الإعلام العالمي يُشيع صورة الانسداد، التحليلات الاستراتيجية تحصي مسالك الهزيمة، والنفوس البشرية تتأرجح بين رجاء وخوف، لكن تحت هذا الركام من التحليلات الإعلامية، ثمة نفوس مؤمنة تلهج بالدعاء، وتستحضر أن سنن التاريخ تجري في مسارها العميق لا في ضجيج المراسلين، فحين تُغلق الأبواب كلها في تصورات البشر، يتهيأ المسرح لتجلّي “الفتح الموعود”.

كما حدث في الأحزاب، يوم بلغت القلوب الحناجر وأظلتهم غمامة الرعب، فإذا بالنبي ﷺ يضرب بالفأس في شعلة الخندق ويبشر بفتوحات فارس والروم، في لحظة تاريخية تساوي الصفر في لغة المادة، لكنها تعج بالإشارات في لغة الوعد.

ونحن إزاء لحظة تتكثف فيها “هندسة الابتلاء”، وتتجلى فيها وظيفة الإيمان كجهاز ملاحي يقرأ خارطة الأحداث بمنطق الوحي لا بخرائط القوى العظمى، وهنا يشتد اليقين أن فجر النصرة آتٍ لا محالة، وأن الدماء المراقَة والقلوب المتضرعة تصوغ سطرًا جديدًا في دفتر السنن، ولأن تاريخ الوحي يعلّمنا أن الوعد لا يخيّب أهله، وأن غزة اليوم على أبواب فتح يليق بدماء الشهداء ودعوات المؤمنين.

  • 0
  • 0
  • 41

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً