العام الدراسي الجديد
مِنْ أَفْضَلِ العِبَادَاتِ، وأَجَلِّ الطَّاعَات؛ طَلَبُ العِلْمِ وتَعْلِيْمُه، قال ابنُ المبارك: (لا أَعْلَمُ بَعْدَ النُبُوَّةِ أَفْضَلُ مِنْ بَثِّ العِلْم!)
عِبَادَ اللهِ: مِنْ أَفْضَلِ العِبَادَاتِ، وأَجَلِّ الطَّاعَات؛ طَلَبُ العِلْمِ وتَعْلِيْمُه.
قال ابنُ المبارك: (لا أَعْلَمُ بَعْدَ النُبُوَّةِ أَفْضَلُ مِنْ بَثِّ العِلْم!)[1].
وما أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ في شَيءٍ إِلَّا في العِلْم! قال تعالى: {وَقُلْ رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}. قال العلماء: (وكَفَى بهذا شَرَفًا لِلْعِلْمِ: أَنْ أَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَسْأَلَهُ المَزِيْدَ مِنْه)[2].
وأَشْرَفُ العلومِ على الإطلاق: العِلْمُ بالله، فإنَّ شَرَفَ العلمِ بِشَرَفِ المعلوم، ولا ريبَ أنَّ أجَلَّ مَعلُومٍ وأعظمَه: هُوَ اللهُ ﷻ {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الله}[3].
وإذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا: أَرْشَدَهُ إلى علمِ الكتابِ والسُنَّة.
قال ﷺ: «مَنْ يُرِدْ اللهِ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»[4].
قال الصنعاني: (الحدِيثُ دليلٌ على عَظَمَةِ شَأْنِ التَّفَقُّهِ في الدِّينِ، وأَنَّهُ لا يُعْطَاهُ إلَّا مَنْ أَرَادَ اللهُ بِهِ خَيْرًا عَظِيمًا،وفي الحَدِيثِ: دَلِيلٌ ظَاهِرٌ على شَرَفِ الفِقْهِ في الدِّينِ، والمُتَفَقِّهِينَ فِيهِ، على سَائِرِ العُلُومِ والعُلَمَاءِ؛ والمُرَادُ بِهِ: مَعْرِفَةُ الكِتَابِ والسُّنَّة)[5].
ومِنْ أسبابِ الأمنِ في الأوطَانِ:نَشْرُ العِلْمِ النَّافِع، فالعِلْمُ حِجَابُ الفِتْنَةِ، وأَسَاسُ الحِكْمَة؛ قال ابنُ القَيِّم: (وإِذَا ظَهَرَ العِلْمُ فِي بَلَدٍ: قَلَّ الشَرُّ في أَهْلِهَا، وإذا خَفِيَ العِلْمُ هُنَاكَ: ظَهَرَ الشَرُّ والفَسَاد)[6].
ومعَ بدايةِ العامِ الدراسِي: يستعِدُّ المُعَلِّمُونَ للتعليمِ والتدرِيسِ، ويَتَهَيَّأُ الطُلَّابُ لِلتعلُّمِ والتأسيسِ.
ومَنْ أَحْسَنَ النِيَّة:اِخْتَصَرَ الطريقَ إلى الجَنَّة! قال ﷺ: {مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا؛ سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ، وإِنَّ الملَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ العِلْمِ؛ وإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في السَّمَوَاتِ ومَنْ في الأَرضِ؛ حَتَّى الحِيتَانُ في المَاء}[7].
ومِهْنَةُ التعليمِ: هيَ وظيفةُ الأنبياءِ والمرسلين، فَهِيَ مِهْنَةٌ شَرِيفَةٌ، وأمانةٌ عظيمةٌ، تقتَضِي أَنْ يكونَ المُعَلِّمُ قُدوةً حَسَنَةً بقولِهِ وفِعْلِهِ، مُتْقِنًا في عِلْمِهِ وعَمَلِه، مُعْتَزًّا بِدِيْنِهِ وهُوِيَّتِهِ، رَفِيقًا بِطُلَّابِهِ ورَعِيَّتِهِ.
ومحمدٌ ﷺ: هو قدوةُ المعلِّمِين، وإمامُ المتقين. قال معاويةُ بنُ الحَكَمِ: (ما رَأَيْتُ مُعَلِّمًا -قَبْلَهُ ولا بَعْدَهُ- أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ﷺ، فواللهِ ما كَهَرَنِي، ولا ضَرَبَنِي، ولا شَتَمَنِي)[8].
ومِن أنفعِ الأساليبِ التربوية: توجيهُ الناشئة، إلى القدواتِ الصالحة: يقول عليُّ بنُ الحسين: (كُنَّا نُعَلَّمُ مَغَازِيَ النبيِّ ﷺ كما نُعَلَّمُ السُّورَةَ مِنَ القُرآنِ)[9].
وقال مالكُ بنُ أنس: (كان السَّلَفُ يُعَلِّمُونَ أولادَهُم حُبَّ أبي بكرٍ وعُمَرَ، كما يُعَلِّمُونَ السورةَ من القُرآن! [10].
وهَنِيئًا لِلمُعَلِّمِ المُخلِصِ: إذا دَلَّ طُلَّابَهُ عَلى الخيرِ، وحَذَّرَهُم من الشَرِّ؛ قال ﷺ: «مَنْ دَلَّ على خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ»[11]. وفي الحديثِ الآخَر: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ، وأَهْلَ السَّمَوَاتِ والأَرَضِينَ، حَتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا، وحَتَّى الحُوتَ؛ لَيُصَلُّونَ على مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْر»![12].
والمُعَلِّمُ القُدْوَةُ: يَكُونُ مُؤَثِّرًا بِأَفْعَالِهِ قَبْلَ أَقْوَالِهِ؛ قال عُمَرُ بن عتبة -لِمُؤَدِّبِ وَلَدِهِ-: (لِيَكُنْ أوَّل إصلاحِكَ لِوَلَدِي: إصلاحكَ نفسك؛ فإنَّ عيونَهُم معقودةٌ بعينِك، فالحَسَنُ عندَهُم ما صَنَعْت، والقبيحُ عندَهُم ما تَرَكْت)[13].
وجاءَ في سيرةِ الإمامِ أحمد بن حنبل: أَنَّهُ (كان يَجتَمِعُ في مجلسِهِ خمسةُ آلافٍ: نحوَ "خَمْسِمئَةٍ" يكتُبُونَ، والباقُونَ يَتَعَلَّمُونَ منهُ حُسْنَ الأدبِ والسَّمْتِ!)[14].
يقولُ ابنُ الجَوْزِي: (لَقِيْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيِّ، فكانَ على قانونِ السَّلَفِ، لم تُسْمَعْ في مَجْلِسِهِ غِيبَةٌ، وكُنتُ إذا قرأْتُ عليهِ أحاديثَ الرقائقِ؛ بكى واتَّصَلَ بُكَاؤُه! فكانَ -وأنا صَغِيرُ السِنِّ حِينَئِذٍ- يَعْمَلُ بُكَاؤُهُ في قَلْبِي، ويَبْنِي قَوَاعِد!)[15].
والتعلِيمُ مسؤُولِيَّةٌ مُشتَرَكَةٌ:بينَ المدرسةِ والبيتِ، والمُعَلِّمِينَ وأولياءِ الأُمُورِ؛ فَكُلُّ مَنْ لَهُ رَعِيَّةٌ؛ فَعَلَيْهِ مسؤُولِيَّة!
قال ﷺ: «كُلُّكُم رَاعٍ، وكُلُّكُم مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»[16]، و(إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ: أَحَفِظَ أَمْ ضَيَّعَ؟)[17].
قال ابنُ القَيِّم: (فَمَنْ أَهْمَلَ تَعْلِيمَ وَلَدِهِ ما يَنْفَعهُ، وتَرَكَهُ سُدَى؛ فقد أَسَاءَ إليهِ غايةَ الإساءَة، وأكثَرُ الأولادِ إِنَّما جَاءَ فَسَادُهُم مِنْ قِبَلِ الآباءِ، وإهمالِهِم لَهُم، وتَرْكِ تَعلِيمِهِم فرائضَ الدِّينِ وسُنَنِه، فأضاعوهُم صِغَارًا؛ ولم يَنْفَعُوا آباءَهُم كِبَارًا)[18].
وقُوَّةُ الوَطَنِ:لا تقتصرُ على القُوَّةِ العسكريةِ فقط، بل بالقُوَّةِ العِلْمِيَّةِ أيضًا.
قال عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ}.
يقولُ السِّعْدِي -في معنى القُوَّة-: (أَيْ ما تَقْدِرُونَ عليهِ مِنَ القُوَّةِ العقلِيَّةِ والبَدَنِيَّة)[19].
عِبَادَ الله: العِلْمُ النَّافِعُ؛ ثَمَرَةُ التَّقْوَى؛ قال ﷻ: {وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ}.
قال الشوكاني: (وفِيهِ الوَعدُ لِمَنِ اتَّقَاهُ: أَنْ يُعَلِّمَهُ)[20].
ومِنْ تَعْظِيمِ العِلْمِ؛تَعْظِيمُ أَهْلِهِوحَمَلَتِهِ، والباذِلِينَ مِنْ أَجْلِه؛ فَـ «مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ؛ لاَ يَشْكُرُ الله»[21]. قال عليٌّ رضي الله عنه: (لا يَعْرِفُ فَضْلَ أهلِ العلمِ؛ إلَّا أهلُ الفَضْلِ)[22].
والعِلمُ وَسِيلَةٌ لإِصلاحِ العَمَلِ؛ والعملُ الصالحُ: ثَمَرَةُ العلمِ النافع.
ومِنْ أَهَمِّ الأعمالِ التي يَستَقبِلُ بها الطالِبُ يومَهُ الدراسي: صلاةُ الفجرِ في وقتِهَا؛ فَمَنْ أيقظَ أولادَهُ للمدرَسَةِ، ولم يُوقِظْهُم للصلاة؛ فقد حَرَمَهُم رِزْقًا عَظِيمًا! قال عزوجل: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ}. قال ابنُ كثير: (يعني إذا أَقَمْتَ الصلاةَ؛ أتاكَ الرِّزقُ من حيثُ لا تَحْتَسِبُ [23].
وأعظمُ العلومِ: هِيَ التي تَنْفَعُ صاحِبَها في الدُّنيا والآخِرَة، وتُؤَمِّنُ مُستَقبَلَهُ في دارِ القرار، وتَحمِيْهِ من خطرِ النَّار!
قال ﷻ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيْكُمْ نَارًا﴾. قال المُفَسِّرُون: (أَدِّبُوهُمْ وعَلِّمُوهُم[24]، ومُرُوْهُم بالمعروفِ، وانْهَوْهُم عن المنكرِ، ولا تَدَعُوهُم هَمَلًا؛ فتأكُلَهُمُ النارُ يومَ القيامة!)[25]. قال بعضُهُم: (حَقٌّ على المُسلمِ أَنْ يُعَلِّمَ أهلَهُ ما فَرَضَ اللهُ عليهم، وما نهاهُم عنه)[26].
اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنا، ونعوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَع، ومِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَع، ومِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَع، ومِنْ دُعَاءٍ لا يُسْمَع.
[1] تهذيب الكمال، المزي (16/20).
[2] مفتاح دار السعادة، ابن القيم (50).
[3] ومَنْ نَسِىَ ربَّهُ: أنساهُ ذاتَهُ ونفْسَه! ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾.
[4] رواه البخاري (71)، ومسلم (1037).
[5] سبل السلام (2/688).
[6] إعلام الموقعين (2/182). باختصار
[7] رواه الترمذي (2682)، وصحَّحه الألباني في صحيح الترمذي.
[8] رواه مسلم (537).
[9] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، الخطيب البغدادي (2/195).
[10] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، اللَّالكائي (7/1313).
[11] رواه مسلم (1893).
[12] رواه الترمذي (2685)، وصحَّحه الألباني في صحيح الترمذي.
[13] العقد الفريد، ابن عبد ربه (2/272).
[14] سير أعلام النبلاء، الذهبي (11/316). بتصرف
[15] صيد الخاطر (158). باختصار
[16] رواه البخاري (853)، ومسلم (1829).
[17] رواه ابن حبان (4493)، وحسَّنه الألباني في التعليقات الحسان (4476).
[18] تحفة المودود (229). باختصار
[19] تفسير السعدي (324).
[20] فتح القدير (1/348).
[21] رواه الترمذي وصححه (1954).
[22] أدب الدنيا والدين، الماوردي (67).
[23] تفسير ابن كثير (5/288).
[24] المصدر السابق (8/188-189).
[25] المصدر السابق (5 /240).
[26] المصدر السابق (8/189). باختصار
- التصنيف: