الأحاديث الطوال (وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة)

منذ 22 ساعة

السنة النبوية وحي بنص القرآن الكريم، ومن رد السنة النبوية أو شكك فيها فهو يرد الإسلام ويشكك فيه.

السنة النبوية وحي بنص القرآن الكريم، وقد أقسم الله تعالى على ذلك فقال سبحانه {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 1 - 5]. ومن رد السنة النبوية أو شكك فيها فهو يرد الإسلام ويشكك فيه؛ لأن الله تعالى أحال في كتابه الكريم على السنة النبوية في مواضع كثيرة، منها قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]، وقوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64]، وقوله تعالى {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]، وقوله تعالى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، وآيات كثيرة مثلها تزيد على ثلاثين آية.

وهذا حديث عظيم عن وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وفرح الأنصار رضي الله عنهم بمقدمه، وإسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه الذي كان قبل إسلامه من أحبار اليهود وعلمائهم؛ فروى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَابٌّ لاَ يُعْرَفُ، قَالَ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، قَالَ: فَيَحْسِبُ الحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الخَيْرِ، فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا، فَالْتَفَتَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:  «اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ».

فَصَرَعَهُ الفَرَسُ، ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مُرْنِي بِمَا شِئْتَ، قَالَ:  «فَقِفْ مَكَانَكَ، لاَ تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا». قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ (أي: كان هذا الفارس أول النهار يطلبهم ثم صار آخر النهار يحرسهم) فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَانِبَ الحَرَّةِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الأَنْصَارِ، فَجَاءُوا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا، وَقَالُوا: ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ. فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَحَفُّوا دُونَهُمَا بِالسِّلاَحِ، فَقِيلَ فِي المَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشْرَفُوا يَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ جَانِبَ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ، فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ، وَهُوَ فِي نَخْلٍ لِأَهْلِهِ، يَخْتَرِفُ لَهُمْ، فَعَجِلَ أَنْ يَضَعَ الَّذِي يَخْتَرِفُ لَهُمْ فِيهَا، فَجَاءَ وَهِيَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ» ؟ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَذِهِ دَارِي وَهَذَا بَابِي، قَالَ:  «فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا»، قَالَ: «قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ»، فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ.

فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ، وَيْلَكُمْ، اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ، فَأَسْلِمُوا»، قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ، قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهَا ثَلاَثَ مِرَارٍ، قَالَ:  «فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ» ؟ قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا، قَالَ:  «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ» ؟، قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ:  «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ» ؟ قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ:  «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ» ؟، قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ:  «يَا ابْنَ سَلاَمٍ اخْرُجْ عَلَيْهِمْ»، فَخَرَجَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ، فَقَالُوا: كَذَبْتَ، فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»  (رواه البخاري).

وفي هذا الحديث العظيم أن أبا بكر كان معروفا عند العرب بسبب أسفاره الكثيرة وتجارته، ويدل على ذلك رواية أحمد لحديث أنس رضي الله عنه «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَخْتَلِفُ إِلَى الشَّامِ، وَكَانَ يُعْرَفُ، وَكَان النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعْرَفُ، فَكَانُوا يَقُولُونَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَنْ هَذَا الْغُلَامُ بَيْنَ يَدَيْكَ؟ قَالَ: هَذَا يَهْدِينِي السَّبِيلَ».

وفي هذا الحديث حفظ الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم حتى بلغ دار الهجرة؛ فإن الفارس الذي لحقه هو سراقة بن مالك؛ طمعا في جائزة قريش، ولكن الله تعالى أراد به خيرا فأراه معجزة النبي صلى الله عليه وسلم حين ساخت قوائم خيله في الأرض، فآمن. فتحول من كونه عدوا للنبي صلى الله عليه وسلم إلى مناصر له.

وفي الحديث فرح الأنصار رضي الله عنهم بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم، حتى خرجوا في استقباله، وأحاطوا به مسلحين يحمونه، وأعلنوا طاعتهم له صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا: «ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ» وكلهم يرجوا أن ينزل عنده حتى نزل في دار أبي أيوب رضي الله عنه، قال أنس رضي الله عنه: «فَشَهِدْتُهُ يَوْمَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطُّ كَانَ أَحْسَنَ، وَلَا أَضْوَأَ مِنْ يَوْمٍ دَخَلَ عَلَيْنَا فِيهِ...» رواه أحمد.

 

أيها المسلمون: في هذا الحديث العظيم قصة إسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وكان من علماء اليهود وأحبارهم، وكان صادقا في اتباع موسى عليه السلام؛ ولذا آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ينشد الحق، ويؤمن بالرسل جميعا، ولا يفرق بين أحد منهم. ومن كفر برسول واحد كفر بجميعهم، ولو ادعى أنه يؤمن ببعضهم دون بعض {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 150 - 152]. وفي زمننا هذا لا يؤمن بالرسل جميعا إلا أهل الإسلام فقط.

وبُشر ابن سلام رضي الله عنه بالجنة، ونزل فيه قرآن يتلى، فيه ثناء عليه، وهذا من فضائل الإيمان وثمراته، فروى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: «مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ إِلَّا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ، قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأحقاف: 10] الآيَةَ»  (رواه الشيخان).

وفي الحديث أن اليهود قوم بهت غدر، فهم يعلمون من كتبهم نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم كذبوه، ونزل فيهم قول الله تعالى {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89]، ولا عجب أن يثنوا على ابن سلام رضي الله عنه قبل علمهم بإسلامه، ويقروا بعلمه وفضله وسيادته فيهم، ثم ينقلبوا إلى ذمه بعد قيام الحجة عليهم بإسلامه، وهم قتلة الأنبياء ومكذبو الرسل، ولم يتغير خلفهم عن سلفهم. نسأل الله تعالى أن يكفي المسلمين شرهم، وأن ينصرهم عليهم، إنه سميع مجيب.

وصلوا وسلموا على نبيكم....

 

  • 0
  • 0
  • 57

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً