نعمة الماء

منذ 9 ساعات

لو عُرض على أحدنا أن يدفع نصف ماله في شربة واحدة، لم يتردد، بل قد يبذل ماله كله، من أجل أن يرتويَ بعد ظمأ، ويشرب بعد عطش.

أخي الكريم: لو أن أحدنا لم يجد الماء، ماذا يفعل؟

 

لو عُرض على أحدنا أن يدفع نصف ماله في شربة واحدة، لم يتردد، بل قد يبذل ماله كله، من أجل أن يرتويَ بعد ظمأ، ويشرب بعد عطش.

 

الماء من أعظم وأجَل نعم الله علينا.

 

قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30].

 

قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} [الواقعة: 68 - 70].

 

1- القرآن يتحدث عن هذه النعمة:

القرآن الكريم مليء بالمواضع التي تذكرنا بهذه النعمة:

أ- فالله تبارك وتعالى يلفت أنظارنا وفكرنا إلى عملية تكوُّن هذا الماء، وتحول السحب المليئة بالماء إلى أمطار، فتنبت الأرض، وتُسقى الكائنات، وتعود إلى الحياة بهجتُها ونضارتها:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21، 22].

 

قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164].

 

ب- ويوجِّه أنظارنا إلى مادة خلق الإنسان، وكل المخلوقات:

قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 30].

 

قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النور: 45].

 

جـ- في آيات أخرى: يبين المولى تبارك وتعالى أن الماء جند من جنوده، فكما يكون نعمة، ينجي الله به من يشاء، يكون نقمةً، يهلك به الإنسان:

قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 90، 91].

 

وقال تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود: 41 - 44].

 

د- بل إن المولى تبارك وتعالى يصوِّر لنا عملية الإحياء والبعث، بعملية الإنبات بعد نزول المطر:

قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت: 39].

 

ه- وفي موضع آخر: يدعونا إلى الانتباه واليقظة، والخروج عن الإلف والعادة، فقد يكون إغداق النعم – وأهمها الماء - استدراجًا للإنسان:

قال تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24].

 

و- وفي موضع آخر: يذكر المولى تبارك وتعالى أن الماء من نعيم الجنة، ينعم به وبغيره من الطيبات، المتقون العاملون، ويكون من عذابها، يُعاقب به المجرمون:

 

قال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15].

 

هكذا نعمة الماء – كما ذُكرت في القرآن الكريم - ينبغي للمسلم أن يتفكر فيها، ويتدبر مواضعَ ذكرها، ففي هذه النعمة موعظة وعِبرة، وفيها حياة للقلوب والأفئدة.

 

2- الماء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

جاءت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم متممة للمعاني الواردة في القرآن، وتطبيقًا عمليًّا لأهدافها ومراميها:

أ- فالماء في أحاديثه الشريفة علامة الطهارة، وسبب في الخير الذي يحوزه المسلم:

ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أُمتي يُدعون يوم القيامة غرًّا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل».

 

وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء».

 

وروى مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظفاره».

 

وروى مسلم عن عثمان رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال: «من توضأ هكذا، غُفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة».

 

ب- وقد وجهَنا صلى الله عليه وسلم إلى حسن استخدام الماء وعدم الإسراف والتفريط فيه:

روى البيهقي في شعب الإيمان عن عبدالله بن عمرو: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بسعد وهو يتوضأ فقال:  «ما هذا السرف يا سعد»؟ قال: وفي الوضوء إسراف؟ قال:  «نعم، وإن كنت على نهر جارٍ».

 

جـ- وقد أوصانا صلى الله عليه وسلم أن نشكر هذه النعمة، وبيَّن فرح الله بشكر عبده عليها:

روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل لَيرضى عن العبد: أن يأكل الأكلة، أو يشرب الشربة، فيحمده عليها».

 

د- وكان صلى الله عليه وسلم يدعو بالنفع وعدم الضرر، إذا رأى المطر:

ففي مسند الإمام أحمد: عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر، قال: «اللهم صيبًا نافعًا».

 

3- من فقه العلماء:

كان علماؤنا الكبار يعلمون فضل هذه النعمة، ويشكرونها بحسن استخدامها:

قال الإمام أحمد رحمه الله: "من فقه الرجل قلةُ ولوعه بالماء"[1].

 

وكان أحمد رحمه الله يتوضأ فلا يكاد يبل الثرى[2].

 

وقال المروزي: "وضأت أبا عبدالله بن العسكري، فسترته من الناس؛ لئلا يقولوا: إنه لا يحسن الوضوء؛ لقلة صبه الماء"[3].

 

فالماء نعمة من الله، يجدر بنا أن نشكره عليها، ونحسن استخدامها، فاللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.


[1] المناوي: فيض القدير شرح الجامع الصغير، ط1، مصر: المكتبة التجارية الكبرى، 1356ه، (2/ 503).

[2] المرجع السابق، (2/ 503).

[3] المرجع السابق، (2/ 503).

_________________________________
الكاتب: د. حسام العيسوي سنيد

المصدر: الألوكة

  • 2
  • 0
  • 47

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً