من أعظم مشاهد السيرة النبوية: قصة أم معبد ووصفها للحبيب
من أعظم مشاهد السيرة النبوية المباركة قصة أم معبد التي مر الحبيب صلى الله عليه وسلم بخيمتها في طريق الهجرة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
من أعظم مشاهد السيرة النبوية المباركة قصة أم معبد التي مر الحبيب صلى الله عليه وسلم بخيمتها في طريق الهجرة، ومن أجمل الآثار الواردة في وصف الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وصف أم معبد للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام لما وصفته لزوجها بعد عودته من المرعى.
وإليك شرح مبسط لهذا الموقف الجليل:
في طريق الهجرة النبوية مِن مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأم مَعْبَدٍ في قديد (مكان بعيد عن الطريق) حيث مساكن خزاعة، وكان له معها قصة تناقلها الرواة وأصحاب السِيَر، وأبرز ما فيها وصف أم معبد رضي الله عنها الدقيق للنبي صلى الله عليه وسلم رغم قِصر مدة رؤيتها له.. وأم مَعْبَد هي عاتكة بنت كعب الخزاعية، وهي أخت حبيش بن خالد الخزاعي الذي روى قصتها، وممن روى قصتها بطولها الطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك وابن هشام في السيرة النبوية، والبيهقي في دلائل النبوة، وقال عنها ابن كثير: "وقصتها مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضا". وقد ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه "الإصابة" أم معبد مِن جملة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: "أم معبد الخزاعية التي نزل عليها النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا هاجر، مشهورة بكنيتها، واسمها عاتكة بنت خالد".
أم مَعْبَد تصف النبيَّ صلى الله عليه وسلم:
روى البيهقي والحاكم والطبراني وغيرهم عن حُبيش رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة، وخرج منها مهاجراً إلى المدينة، هو وأبو بكر رضي الله عنه ومولى أبي بكر عامر بن فُهيرة رضي الله عنه ودليلهما الليثي عبد الله بن أُرَيْقِط، مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت برزة (كهلة كبيرة السن)، جلدة (قوية وعاقلة)، تحتبي (تجلس وتضم يديها إحداهما إلى الأخرى على ركبتيها)، بفناء القبة، ثم تسقي وتطعم، فسألوها لحماً وتمراً، ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، وكان القوم مُرْمِلين (نفذ زادهم)، مُسنتين (داخلين في جدب ومجاعة وقحط)، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر (جانب) الخيمة، خلّفها الجَهْد (المشقة والهزال)عن الغنم، فقال: هل بها من لبن؟ فقالت: هي أجهد من ذلك، فقال: أتأذنين لي أن أحلبها؟ فقالت: نعم بأبي أنت وأمي، إنْ رأيتَ حلبا (لبنا في الضرع، فاحلبها)، فدعا بالشاة فاعتقلها (وضع رجلها بين ساقه وفخذه)، ومسح ضرعها وسمّى الله - وفي رواية: ودعا لها في شائها -، فتفاجّت (فتحت ما بين رجليها كما هو شأن الغنم إذا حلبت)، ودرّت، ودعا بإناء يربض (يشبع ويروي) الرهط (الجماعة)، فحلب فيه ثجّا (كثيرا)، وسقى القوم حتى رووا، وسقى أم معبد حتى رويت، ثم شرب آخرهم، وقال: ساقي القوم آخرهم شربا، ثم حلب فيه مرة أخرى فشربوا عللا بعد نهل (النهل: الشربة الأولى، والعلل: الشربة الثانية)، ثم حلب فيه آخرا، وغادره عندها ثم ركبوا، وذهبوا.. فقلما لبث أن جاء أبو معبد زوجها يسوق أعنزا عجافا (هزالا)، يتساوكن هزلا (يتمايلن في مشيتهن من الهزال والضعف) لا نقي بهن (مخهن قليل)، فلما رأى اللبنَ أبو معبد عَجِبَ، وقال: ما هذا يا أم معبد؟ أنّى لك هذا؟! والشاء عازب (بعيدة المرعى)، حيال (ليس بها حمل) ولا حلوب (ذات لبن) بالبيت، فقالت: لا ـ والله ـ، إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك فمِنْ حاله كذا، وكذا (كناية عما رأته)، فقال: صفيه يا أم معبد، فقالت:
رأيتُ رجلا ظاهر الوَضَاءَة (الحُسن والبهجة)، أبْلج الوجه (مشرقه)، حَسن الخَلْق، لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ (عظم البطن)، وَلَمْ تُزْرِيه صُعْلَةٌ ( صغر الرأس)، وسيم قسيم (حسن جميل)، في عينيه دَعَجٌ (شدة سواد العينين)، وفي أشفاره (رموش عينيه) وَطَفٌ (طول وغزارة )، وفي صوته صَحَل (بحة خفيفة فليس في صوته غلظ)، أحور(شدة بياض العينين، وشدة سواد سوادهما)، أكحل (سواد في أجفان العينين)، أَزَجُّ (دقيق الحاجبين في طول)، أَقْرَنُ (مقرون الحاجبين)، شديد سواد الشعر، في عنقه سطح (ارتفاع وطول)، وفي لحيته كثاثة (غزارة من غير دقة)، إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء، وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن (كلامه متناسق، ومتصل بعضه ببعض، فأشبه في تناسقه الدُرر)، حلو المنطق، فصْل (يفصل الحق من الباطل)، لا نزر(قليل)، ولا هذر (كثير الكلام، فهو وسط بين هذا وذاك)، أجهر الناس (أرفعهم صوتا من غير إفراط مع الوضوح)، وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب (أفردت الضمير حملا على لفظ الناس)، رَبْعة (ليس بالطويل ولا بالقصير) لا تشنؤه من طول (لا يٌبغض لفرط طوله)، ولا تقتحمه (لا تتجاوزه إلى غيره ازدراء له وإعراضا) عين من قِصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفّون به (يحيطون به)، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا لأمره (تسابقوا إلى امتثاله)، محفود (مخدوم)، محشود (يجتمع الناس له)، لا عابس (مقطب الوجه)، ولا مفنّد( يكثر من اللوم)). وفي رواية قالت: (أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْسَنُه وَأَجْمَلُه مِنْ قَرِيب).
لقد حلت البركة والخير على أم معبد وأهلها ببركة نبينا صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا في شدة وضيق، وجدب وقحط أوشكوا منه على الهلاك، وفي هذه القصة ـ وفي حلبه صلى الله عليه وسلم للشاة المجهدة وإدرار اللبن منها ـ معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، ودليل من دلائل نبوته، مما جعل أبا معبد عند مشاهدته لذلك يقول كما ذكر ابن القيم في "زاد المعاد": "قال أبو معبد: والله هذا صاحب قريش الذي ذكروا من أمره ما ذكروا، لقد هممتُ أن أصحبه، ولأفعلنَّ إن وجدتُ إلى ذلك سبيلا".
* استفدت من مقال النبي صلى الله عليه وسلم كأنك تراه (فريق الشبكة الإسلامية)
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: