ماذا تعرف عن الإمام المحدث عبد الرزاق بن همَّام الصنعاني؟
إذا ذُكِر المحدِّثون في القرن الثالث الهجري فعبد الرزاق الصنعاني النجم، كل أصحاب الكتب الستة: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه يروون عن مشايخهم عن عبد الرزاق
إذا ذُكِر المحدِّثون في القرن الثالث الهجري فعبد الرزاق الصنعاني النجم، كل أصحاب الكتب الستة: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه يروون عن مشايخهم عن عبد الرزاق، فبينهم وبين عبد الرزاق راوٍ واحد، وبين عبد الرزاق وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة رواة فقط، فهو يروي عن مشايخه أتباع التابعين عن التابعين عن الصحابة، فيروي عن مَعْمر عن قتادة عن أنس بن مالك، وعن مالك عن نافع عن ابن عمر، وعن ابن جُريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس، وعن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، وعن معمر عن همام بن مُنبِّه عن أبي هريرة، وعن الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب.
قال الذهبي: عبد الرزاق بن همَّام الحافظ الكبير، عالم اليمن، أبو بكر الصنعاني، شيخ الإسلام، ومحدث الوقت، احتج به كل أصحاب الصِّحاح، كان صادقا مأمونا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، طلب العلم وهو ابن عشرين سنة، وارتحل في طلب العلم إلى الحجاز والشام والعراق، وكتب شيئا كثيرا، وصنَّف الجامع الكبير، وهو خزانة علم.
قال تلميذه الإمام أحمد بن حنبل: كَتَب عبد الرزاق ثُلُثَي العلم!
وقال أحمد بن صالح المصري: قلت لأحمد بن حنبل: رأيت أحسن حديثا من عبد الرزاق؟ قال: لا.
***
بلغ عدد شيوخ عبد الرزاق 78 شيخا، من أشهرهم: هشام بن حسان وعبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج ومعمر بن راشد وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك وعُبيد الله بن عمر العُمَري وهُشيم بن بشير والفُضيل بن عياض وأبو بكر بن عياش المقرئ المشهور والإمامان مالك بن أنس وأبو حنيفة ومقاتل بن سليمان صاحب التفسير.
قال عبد الرزاق: لزمت معمر بن راشد ثماني سنين.
وقال أبو زرعة الدمشقي: قلت لأحمد بن حنبل: كان عبد الرزاق يحفظ أحاديث معمر؟ قال: نعم.
وقال قاضي صنعاء هشام بن يوسف الصنعاني رفيق عبد الرزاق في طلب العلم: كان عبد الرزاق أعلمنا وأحفظنا.
***
كان طلاب العلم يرحلون من مختلف البلدان إلى عبد الرزاق الصنعاني لكتابة حديثه، وبلغ عدد طلابه المشهورين 111، منهم: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه ومحمد بن يحيى الذهلي وإسحاق بن منصور الكوسج وأبو خيثمة زُهير بن حرب وعبد بن حُميد ومحمد بن رافع النيسابوري وأحمد بن صالح المصري.
ومع حفظ عبد الرزاق إلا أن حفاظ الحديث الكبار عندما رحلوا إليه كأحمد بن حنبل ويحيى بن معين حرصوا أن يكتبوا عنه الأحاديث من أصوله المحفوظة التي كتبها عن شيوخه، ولم يكتبوا عنه شيئا منها من حفظه، فكانوا ينسخونها من كتبه ثم يقرؤها عليهم عبد الرزاق من كتابه وهم ينظرون في كتبهم التي نسخوا فيها تلك الأحاديث، فكتبوا عنه حديثه - وهو كثير جدا - بهذه الدقة والتحري.
قال أحمد بن حنبل: كتبنا كُتب عبد الرزاق على الوجه أي: على الصواب بالنقل من أصوله.
قال أحمد بن حنبل: ما كان في قرية عبد الرزاق بئر، فكنا نذهب نُبكِّر على ميلين نتوضأ، ونحمل معنا الماء.
قلت: أخبرنا شيخنا القاضي محمد بن إسماعيل العمراني علَّامة صنعاء ومفتيها عن مكان قرية عبد الرزاق، وهي الآن قرية خراب تقع شرقي العاصمة صنعاء في منطقة تُسمَّى حمراء عَلَب جنوب جبل نقم، وقد زرتها ورأيت فيها جبلا صغيرا، يوجد في جانبه الشرقي قبر عبد الرزاق الصنعاني، وبجوار القبر مسجد خراب بلا سقف ولا جدران، لم يبق منه إلا المحراب.
***
لعبد الرزاق الصنعاني كتابٌ كبير مطبوع باسم مصنَّف عبد الرزاق الصنعاني فيه ما يقارب عشرين ألف حديث، وله كتاب التفسير مطبوع في ثلاثة مجلدات فيه 3755 رواية في التفسير يرويها عبد الرزاق بأسانيده عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين.
توفي عبد الرزاق الصنعاني رحمه الله في صنعاء سنة 211 هجرية وعمره 85 عاما.
نبذة عن مصنَّف عبد الرزاق:
كتاب مصنَّف عبد الرزاق مطبوع في 11 مجلدا كبيرا، بتحقيق المحدث حبيب الرحمن الأعظمي الهندي، وقد اشتمل هذا الكتاب على (19418) نصًا مسندًا، بعضها أحاديث نبوية، وبعضها آثار عن الصحابة أو التابعين وأتباعهم، رتبها عبد الرزاق الصنعاني في (31) كتابًا، اشتمل كل كتاب على عددٍ من الأبواب، وفي كل باب يروي عبد الرزاق بأسانيده بعض الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة، فأول كتاب فيه كتاب الطهارة ثم كتاب الحيض وكتاب الصلاة وفضائل القرآن والزكاة والصيام والمناسك والجهاد والمغازي والنكاح والطلاق والبيوع والشهادات والأيمان والنذور والأشربة والفرائض وغير ذلك.
وقد طُبع في آخر الكتاب جامع معمر بن راشد البصري ثم الصنعاني المتوفى سنة 154 هجرية، ويشتمل جامع معمر على (1614) حديثا وأثرا، يرويها كلها عبد الرزاق الصنعاني عن شيخه معمر بن راشد عن شيوخه من التابعين.
ومصنَّف عبد الرزاق من أكبر دواوين السنة النبوية، والأحاديث والآثار التي فيه نجدها في غيره من كتب الحديث، فالحديث الذي يرويه عبد الرزاق في مصنفه قد تجده في صحيح البخاري أو في صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق بنفس الإسناد والمتن؛ لأن البخاري ومسلما يرويان أحاديث عبد الرزاق من طريق مشايخهما عن عبد الرزاق، وأيضا نجد كثيرا من أحاديث عبد الرزاق في مسند تلميذه أحمد بن حنبل بنفس الإسناد والمتن.
مثال ذلك: قال عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (2644): عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، فإن الملائكة تقول: آمين، وإن الإمام يقول: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفِر له ما تقدم من ذنبه)).
ثم قال عبد الرزاق (2645): عن معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر مثل حديث الزهري.
فروى عبد الرزاق هذا الحديث من طريقين، الطريق الأول بينه وبين الرسول فيه أربعة رواة، والطريق الثاني بينه وبين الرسول فيه ثلاثة رواة.
وقد روى هذا الحديث أحمد بن حنبل من طريق عبد الرزاق فقال في مسنده رقم (7660): حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا: آمين، فإن الملائكة يقولون: آمين، وإن الإمام يقول: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفِر له ما تقدم من ذنبه)).
وروى هذا الحديث الإمام مسلم في صحيحه من طريق عبد الرزاق فقال (410): حدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله.
ورواه البخاري من غير طريق عبد الرزاق فقال في صحيحه: (782): حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن سُمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غُفِر له ما تقدم من ذنبه)). تابعه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونُعيم المجمر عن أبي هريرة رضي الله عنه. انتهى كلام البخاري.
رحم الله الإمام عبد الرزاق الصنعاني، وجزاه الله خيرا على ما حفظ لنا من الأحاديث.
- التصنيف: