ماذا تعرف عن كتاب الجامع لمعمر بن راشد الصنعاني؟
قال الذهبي: معمر بن راشد الإمام الحافظ، كان من أوعية العلم، مع الصدق، والتحري، والورع، والجلالة، وحسن التصنيف، وهو أول من صنَّف في اليمن.
معمر بن راشد ولِد في البصرة سنة 95 هجرية، وبدأ كتابة الحديث النبوي سنة 110 هجرية، وبلغ عدد شيوخه 88 شيخا، منهم كبار الحفاظ في زمانه كقتادة بالبصرة، وأبي إسحاق السبيعي والأعمش بالكوفة، والزهري وعمرو بن دينار بالحجاز، وقد رحل معمر إلى اليمن لطلب العلم عند همام بن منبه اليماني وغيره، فكره أهل صنعاء أن يفارقهم لما رأوا سعة علمه، فقال لهم رجل: قيِّدوه! فزوَّجوه، فأقام في صنعاء يعلم الناس عشرين عاما حتى توفي رحمه الله في صنعاء سنة 154 هجرية وعمره 58 عاما.
ومن أشهر تلاميذ معمر: الحافظ الكبير عبد الرزاق الصنعاني، فقد روى عنه كثيرا من الأحاديث، وذكره في مؤلفاته 9330 مرة!!
قال الذهبي: معمر بن راشد الإمام الحافظ، كان من أوعية العلم، مع الصدق، والتحري، والورع، والجلالة، وحسن التصنيف، وهو أول من صنَّف في اليمن.
فماذا تعرف عن كتاب معمر الذي يُعتبر من أول ما أُلِّف من الكتب في الإسلام؟!
اسم كتابه ((جامع معمر))، وهو أقدم من كتاب الموطأ لمالك، وقد قدَّمنا أن معمر بن راشد ولد في أواخر القرن الأول الهجري سنة 95 هجرية، أي: أنه ولد بعد سنتين فقط من وفاة الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه المتوفى سنة 93 هجرية، فقد طلب معمر العلم في حياة كثير من التابعين الذين رأوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
واشتمل كتابه جامع معمر على 1645 حديثا، بعضها مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبعضها موقوف على الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم وأفعالهم وأخبارهم، وبعضها من أقوال التابعين في التفسير والفقه والزهد والآداب، وأسانيد معمر عالية، فبينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم راويان أو ثلاثة فقط، فهو يروي عن الزهري عن أنس بن مالك، ويروي عن قتادة عن أنس، ويروي عن الزهري عن سهل بن سعد الساعدي، ويروي عن همام بن منبه اليماني عن أبي هريرة، ويروي عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب، ويروي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس، ويروي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس، ويروي عن عبد الله بن طاوس اليماني عن أبيه عن ابن عباس، ويروي عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة.
وكتاب جامع معمر مطبوع في مجلدين، ولكون راوي جامع معمر تلميذه عبد الرزاق الصنعاني فقد أُلحق عند الطبع بكتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني، فهو المجلد العاشر والحادي عشر من المصنف لعبد الرزاق.
وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما كثيرا من الأحاديث التي في جامع معمر، إما من طريق معمر أو من طريق بعض قرناء معمر أو من طريق بعض شيوخ معمر أو من طريق شيوخ شيوخه، كما يتبين ذلك بهذا المثال:
قال معمر بن راشد كما في جامعه المطبوع في آخر مصنف عبد الرزاق رقم (19656): عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، وعن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لله تسعة وتسعون اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة)).
فهذا الحديث رواه معمر عن شيخه أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة، ورواه معمر أيضا عن شيخه همام عن أبي هريرة، فلمعمر في هذا الحديث إسنادان، الأول بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة رواة، والثاني بينه وبين النبي راويان فقط.
وقد روى هذا الحديث مسلم في صحيحه رقم (2677) من طريق معمر نفسه، قال الإمام مسلم: حدثني محمد بن رافع، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، وعن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة)).
فانظر موافقة ما في صحيح مسلم لما في جامع معمر في المتن والإسناد!
وقد روى البخاري هذا الحديث من غير طريق معمر، قال الإمام البخاري في صحيحه رقم (7392): حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، قال: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة)).
فهذا الحديث رواه البخاري في صحيحه من طريق شيخ شيخ معمر، وهو الصحابي أبو هريرة نفسه.
ونختم المقال بما قاله علامة اليمن محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني في مدح أهل الحديث:
سلامٌ على أهل الحديث فإنني ... نشأت على حب الأحاديث من مهدي
هم بذلوا في حفظ سنة أحمد ... وتنقيحها من جهدهم غاية الجهد
أولئك أمثال البخاري ومسلم ... وأحمد أهل الجد في العلم والجد
بحورٌ وحاشاهم عن الجزر إنما ... لهم مددٌ يأتي من الله بالمد
رووا وارتووا من بحر علم محمد ... وليست لهم تلك المذاهب من ورد
كفاهم كتاب الله والسنة التي ... كفت قبلهم صحب الرسول ذوي المجد
- التصنيف: