اعرف ربّك!

منذ 13 ساعة

فإذا نظر العبدُ إلى هذه الأمور، وتأمّلها صار سِرُّه كعلانيته، ولم يُقدِّم على ربّه أحدًا، فيخافه فوق خوفه، ولم يُفرّط في شيء من حدوده، فَيَتنَامى هذا الخوف في القلب ويزداد".

قال ابن القيم رحمه الله: "إنّ العبدَ إذا لاحظ أنّ الملك كله لله عز وجل، وأن نواصي الخلق بيده، وأنه يدبّر أمر الممالك، يأمر وينهىَ، ويخلق ويرزق، ويُحيي ويُميت، ويُعزّ ويُذل، ويقلّب الليلَ والنهار، ويداولُ الأيام بين الناس، وَيقلِب الدّول، فيذهب بدولة ويأتي بأخرى، وأمره وسلطانه نافذ في السماوات وأقطارها، وفي الأرض وما عليها، قد أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، ووسِع سَمعه الأصوات، فلا تختلف عليه، ولا تَشتَبه عليه، بل يسمع ضجيجها باختلاف لغاتها، على تفنّن حاجاتها، فلا يَشغله سمعُ سامِع، ولا تُغلِّطه كثرة المسائل، ولا يتبرّم بإلحاح المُلحِّين ذوي الحاجات، قد أحاط بصره بجميع المرئيات، فيرى دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصمّاء، في الليلة الظلماء، والغيب عنده شهادة، والسّر عنده علانية.

يغفر ذنبًا، ويفرج همًا، ويكشف كربًا، ويجبر كسيرًا، ويغني فقيرًا، ويعلم جاهلًا، ويهدي ضالًا، ويرشد حيران، ويغيث لهفان، ويفك عانيًا، ويشبع جائعًا، ويكسو عاريًا، ويشفي مريضًا، ويعافي مبتل، ويقبل تائبًا، ويجزي محسنًا، وينصر مظلومًا، ويقصم جبارًا، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويؤمن روعة، ويرفع أقوامًا، ويضع آخرين، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل.

فإذا نظر العبدُ إلى هذه الأمور، وتأمّلها صار سِرُّه كعلانيته، ولم يُقدِّم على ربّه أحدًا، فيخافه فوق خوفه، ولم يُفرّط في شيء من حدوده، فَيَتنَامى هذا الخوف في القلب ويزداد".
 

  • 1
  • 0
  • 70

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً