حروف لا تنام ولكن لي من صاحبها موقفا...
من منا جيل السبعينات و الثمانينات ولربما التسعينات، من لا يعرف الكتاب المدرسي "اقرأ" ذلك المصنف الذي ربطتنا الحياة المدرسية بصفحاته الخالدة وحروفه التي لا تنام
من منا جيل السبعينات و الثمانينات بالمغرب ولربما التسعينات، من لا يعرف الكتاب المدرسي "اقرأ" ذلك المصنف الذي ربطتنا الحياة المدرسية بصفحاته الخالدة وحروفه التي لا تنام في علاقة حميمية مع نصوصه وصوره وأشخاصه وشخوصه، لقد كنت أحسب مواضيعه ترانيم وتراتيل أهداها لنا صاحبها مقتبسا سطورها وعباراتها من وحي واقعنا ومن صميم البساطة التي طبعت سيرة حياتنا مع أمنا الحنون مدرستنا العمومية التي كان بها مطعم يهدينا في الشتاء البارد وجبات فطور حرارية تقينا لفحات القر وقد انهزمت أسمال ملابسنا البالية في صد عادياته الغالبة، وحيث تلتقي رائحة الطباشير الجافة مع عبق كسرة الخبز ذي الدقيق المدعم البريء من تهمة ولوثة الورق المطحون...
لقد كنت وإلى زمن قريب أكن لذلك الرجل الذي وضع لنا ذلك الكتاب المدرسي الموصي المربي كل الاحترام وبالغ المودة، نعم كنت أرفع القبعة وأنحني في غير ركوع لذلك الرجل التربوي وأعني به الأستاذ والسيد أحمد بوكماخ مصنف سلسلة "اقرأ" إلى أن صادفت بترتيب من الله في إحدى قنواتنا التلفزية نقلا يحيل على حفل أقامه مسؤولون عن إحدى المراكز اللغوية البحثية، حيث احتفى هذا الأخير بشخص السيد أحمد بوكماخ، وتم تقديم جائزة تقديرية عن جهود الرجل في المجال التربوي، وقد تسلمتها ابنته "نازك بوكماخ"، تلك الفتاة التي ظلت تؤثت صورتها الأيقونية غلاف الكتاب المدرسي لسنين عددا حتى خلناها أختا لنا من الدم أو الرضاعة، ويا ليتني برحت مكاني قبل أن تطفق الفتاة الراشدة ملقية كلمة شكرها لمنظمي حفل التكريم ذلك، لكنت ربحت عقدا آخر أو عقدين من دوام واستمرار حبي وتوقيري واحترامي للرجل الذي تعلمنا من مسطور بوحه لغة الضاد، ويا ليت شعري كيف لابنة رجل تربوي تلك سيرته مع معهود لسان الأميين أن لا تقوى على الاستمرار في التكلم والإلقاء بلغة أبيها لثواني معدودات، فقد بدت عاجزة قصيرة الأنفاس متتعتعة التلاوة وهي تقرأ من ورقة بين يديها كتبوها لها كما باتت تكتب خطبة الجمعة لتاليها علينا جميعا وأشتاتا من على منبر رسول الله...
نعم لقد انقطع نفسها وتعطلت في جوفها المخارج وفسدت صفات الحروف الباقيات الصالحات، لتنقلب فتتوب من قريب تالية ملقية متكلمة في راحة ورحابة صدر وطلاقة لسان وطلق وجه بلغة المستعمر وحرفها الإفرنجي، ويا ليتها ما تكلمت يومها فقد كانت كلماتها رصاصات قتلت في دواخلي ذلك الإحساس البديع الذي كان ينتابني وأنا أصادف في تحيين حسن بائعا على الرصيف يعرض كتابنا المدرسي فأتلقفه من على الأرض أتأمل صورة نازك الطفلة ذات الملامح السريالية ثم أتساءل في عفوية وسذاجة طافحة: أتراها صارت بعد حين نسخة عن الكاتبة والأديبة الأريبة المغربية خناثة بنونة، أو كاد سقفها المعرفي اللغوي العربي يفوق رصيد التأليف عند الكاتبة العربية المشهورة بنت الشاطئ، لأكتشف بعد حين سرابية الترجي وخرافية التمني، فلقد ولد لنا السيد بوكماخ بنته ذات اللسان الفرنسوي الفصيح، فكبر مقته أن خالف المسطور من لسانه العربي المبين، المنظور غير المبرور من نسمة صلبه نازك الإفرنجية، وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم...
محمد بوقنطار
محمد بوقنطار من مواليد مدينة سلا سنة 1971 خريج كلية الحقوق للموسم الدراسي 96 ـ97 الآن مشرف على قسم اللغة العربية بمجموعة مدارس خصوصية تسمى الأقصى.
- التصنيف: