الخط الأصفر ومؤامرة تقسيم غزة

منذ 6 ساعات

ويبدو أن نتانياهو، يسعى لتطبيق خطة لتقسيم غزة، ولكن بأهداف غير التي تثير الرأي العام العالمي أو تستفز الدول المجاورة، وتستطيع أمريكا نفسها تسويقها على أنها خطة سلام، ووصفة لوقف مذابح أهل غزة.

ظهر الحديث عن الخط الأصفر لأول مرة أثناء طرح ترامب خطته لإيقاف الحرب في غزة، حيث تضمنت المرحلة الأولى من تلك الخطة، انسحابا جزئيا لجيش الاحتلال الصهيوني لمسافة تم تحديد حدودها باللون الأصفر.

وخلف هذا الخط يسيطر الكيان الصهيوني على نحو 53% من مساحة قطاع غزة، والذي تبلغ مساحته الإجمالية، حوالي 365 كم².

وتشمل المناطق التي تقع شرق هذا الخط التي يحتلها جيش الصهاينة، معظم الأراضي الزراعية، ومدن مثل رفح وأجزاء من مدينة غزة.

وتظهر الصور الملتقطة لهذا الخط علامات ميدانية، عبارة عن كتل إسمنتية صفراء، تفصل بين المناطق الخاضعة للسيطرة الصهيونية شرقا، والمناطق الغربية تحت سيطرة حماس، حيث يعيش نحو مليوني فلسطيني في الغرب محشورين في أنقاض ومخيمات خيام.

وعقب تطبيق الاتفاق وانسحاب جيش الكيان إلى هذا الخط، أعلن وزير الدفاع الصهيوني يسرائيل كاتس في أكتوبر 2025، أن الخط منطقة خطيرة يُحظر على الفلسطينيين الاقتراب منها.

ولم يطلق الصهاينة هذا التحذير عشوائيا، بل أعقبه قتل عشرات الفلسطينيين، منهم نساء وأطفال بدعوى اقترابهم من هذا الخط.

وهنا يبرز السؤال، هل الخط الأصفر هذا مجرد خط للفصل المؤقت بين القوات المتحاربة في إطار شامل للحل؟ أم أن الأمر أبعد من هذا، وله أهداف أخرى ترمي إلى تنفيذ مخططات، يتم التداول بشأنها في كواليس الدول المعنية، خاصة الولايات المتحدة ودولة الكيان، ولم يتم الإفصاح عنها بطريقة مباشرة، أو تدركها حماس والدول الوسيطة ولم يتم نشرها حتى يتم التفاوض بشأنها؟ وما مدى حظ هذا المخطط (إن وجد) من النجاح؟

ولكن في البداية نتتبع ما أُعلن عنه رسميا بالنسب لهذا الخط.

الخط الأصفر والهدف المعلن:

يبدأ الخط الأصفر مساره الجغرافي والذي حددته خطة ترامب، في الشمال عند بيت لاهيا تقريباً، ويبعد عن الحدود مع عسقلان، وينزل جنوباً ليمر شرق طريق صلاح الدين، ثم يخترق صلاح الدين في جنوب غزة، وصولا إلى جنوب منطقة المواصي.

ووفقا للبنود المعلنة للخطة الأمريكية لوقف الحرب، فإن الانسحاب الأولي نحو الخط الأصفر يهدف إلى:

أولا تقليص مساحة سيطرة دولة الاحتلال في قطاع غزة، دون التخلي عن الممرات الأمنية التي يعتبرها الكيان الصهيوني ضرورية.

ثانيا تجميد خطوط القتال ووقف جميع العمليات العسكرية، بما في ذلك القصف الجوي والمدفعي، كجزء من المرحلة الأولى من الاتفاق.

 

وتقول الجارديان، أن الولايات المتحدة تخطط لتقسيم غزة على المدى الطويل، إلى منطقة خضراء تحت سيطرة عسكرية صهيونية ودولية، حيث سيبدأ الإعمار، ومنطقة حمراء تُترك في أنقاضها.

ويتم هذا الانسحاب الأولي، تمهيدًا لعملية إطلاق سراح الرهائن، وكجزء من الشروط للانسحاب المرحلي الكامل اللاحق. وهو السيناريو الذي يتمناه الجميع، بأن تسير الخطة على مراحل، ثم يرتد الجيش الإسرائيلي إلى الخط الأحمر (خطوط سابقة)، ثم ينسحب نهائياً بعد انتهاء كافة المراحل والعودة إلى ما بعد الصراع.

بمعنى آخر وكما هو معلن، هو خط عسكري مؤقت يمثل الحدود التي يجب أن تنسحب إليها القوات الصهيونية في المرحلة الأولى من أي اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، قبل البدء في المراحل التالية للانسحاب.

ولكن هل هذا المعلن هو ما يهدف إليه الاحتلال أو أمريكا بالفعل؟

للإجابة على هذا السؤال دعنا نتبع مسألة التقسيم أو التقطيع في الفكر السياسي الصهيوني.

استراتيجية التقسيم في الفكر الصهيوني:

تُعدّ استراتيجية التقسيم للسيطرة أو كما يطلق عليها أحيانا "فرّق تسد" أحد الركائز الأساسية في الفكر السياسي والأمني الصهيوني للتعامل مع القضية الفلسطينية.

يهدف هذا المنهج إلى إضعاف الجبهة الفلسطينية الداخلية وتفتيت الوحدة الوطنية، مما يشلّ القدرة على إقامة دولة متصلة جغرافيا وذات سيادة، ويسمح بفرض السيطرة بأقل تكلفة.

هذه الاستراتيجية تقوم في عدة مستويات، تشمل التقسيم الجغرافي والسياسي والسكاني.

ويتركز مقالنا هنا على التقسيم الجغرافي.

فموضوع هذا التقسيم أو تفتيت الأرض، لطالما تم التعامل معها تاريخيا كآلية صهيونية للسيطرة، حيث يتم تحويل التجمعات الفلسطينية إلى جزر معزولة (كنتونات).

وكان من أبرز ما تم التعامل معه في هذا النطاق، ما جرى من فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة: هذا الفصل الجغرافي هو أهم تطبيق، حيث جعل إقامة دولة فلسطينية متصلة أمراً مستحيلاً، وأدى إلى تباين في الظروف السياسية والأمنية بين المنطقتين.

ثم جرى تقسيم الضفة الغربية داخليا نفسها الى (مناطق A, B, C) وفقا لاتفاقية أوسلو، فتم تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق، تسيطر إسرائيل بشكل كامل على المنطقة C (أكثر من 60% من مساحة الضفة)، وتستخدم المستوطنات والجدار العازل والطرق الالتفافية لفصل المدن والقرى عن بعضها البعض.

قطاع غزة ومخططات التقسيم:

أما قطاع غزة نفسه، فقد جرت محاولات تقسيمه تاريخيا بداية من خطة شارون للأصابع (1971)، وتُعدّ هذه الخطة من أقدم وأشهر المخططات لتقسيم قطاع غزة بشكل عملي، وقد وضعها أرييل شارون عندما كان قائداً للمنطقة الجنوبية، حاول فيها تقسيم القطاع إلى كتل سكانية فلسطينية صغيرة معزولة، لا ترتبط ببعضها البعض إلا عبر طرق عسكرية تخترقها.

وتم تطبيق خطة شارون تلك من خلال إنشاء مستوطنات على طول الشريط الساحلي وفي وسط القطاع، مما أدى إلى عزل مدينة غزة عن وسط القطاع وجنوبه، وكسر التواصل الجغرافي بين المدن الفلسطينية.

ولكن ما مصير تلك الخطة؟

كان الفشل هو العنوان النهائي لهذه الخطة، والتي استمر تطبيقها حتى الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من غزة عام 2005، بما بات يعرف وقتها بفك الارتباط.

وبعد طوفان الأقصى، تم طرح خطة لتقسيم غزة إلى ثلاثة أجزاء، فيما يعرف بمخطط الجنرالات.

وهذا الخطة الحديثة تم تداولها وتسريبها خلال العمليات العسكرية الأخيرة، وتعتمد بشكل صريح على التقسيم الجغرافي الداخلي، وكأنها إحياء لخطة شارون القديمة ولكن بآليات جديدة.

تهدف خطة الجنرالات من التقسيم، السيطرة الأمنية الكاملة على القطاع والقضاء على البنية التحتية للمقاومة، ومنع حركة المقاومين.

ووفق هذه الخطة فقد جرى تقسيم القطاع إلى ثلاثة أجزاء رئيسية (شمال غزة، وسط غزة، وجنوبها) تفصل بينها مناطق عسكرية مطوقة، أو محاور عازلة تخضع للسيطرة الإسرائيلية المطلقة.

وحاولت هذه الخطة منع حركة المدنيين بين المناطق دون تصاريح، مما يؤدي إلى تفتيت المساحة الجغرافية للقطاع وتحويله إلى فقاعات سكانية معزولة، ومن هنا جاءت تسمية أخرى لهذه الخطة، بخطة الفقاعات.

وكان مصير هذه الخطة كمثيل سابقتها، الفشل، حتى أن الجنرال الإسرائيلي الذي يُوصف بأنه مهندس أو واضع خطة الجنرالات، يائير غولان، انتقد بشكل علني وشديد مسار الاستراتيجية الإسرائيلية في غزة، وخلص إلى أن الإستراتيجية الإسرائيلية فشلت في تحقيق أهدافها الكاملة.

ويبدو أن نتانياهو بعد فشل خطة الجنرالات، يسعى لتطبيق خطة مماثلة لتقسيم غزة، ولكن بأهداف غير التي تثير الرأي العام العالمي أو تستفز الدول المجاورة، وتستطيع أمريكا نفسها تسويقها على أنها خطة سلام، ووصفة لوقف مذابح أهل غزة.

ولكن ما هي تلك الخطة والتي تحتوي على المواصفات التي ذكرناها؟

نشرت صحيفة الجارديان البريطانية الجمعة الماضي ملامح الخطة الأمريكية الصهيونية الجديدة لغزة، وفقاً لوثائق تخطيط عسكرية أمريكية، اطلعت عليها الصحيفة.

وتقول الجارديان، أن الولايات المتحدة تخطط لتقسيم غزة على المدى الطويل، إلى منطقة خضراء تحت سيطرة عسكرية صهيونية ودولية، حيث سيبدأ الإعمار، ومنطقة حمراء تُترك في أنقاضها.

وطبقا لهذا المخطط، ستنشر القوات الأجنبية في البداية إلى جانب الجنود الإسرائيليين في الشرق من غزة، مما يترك الشريط المدمر مقسماً بحسب الخط الأصفر الذي تسيطر عليه دولة الاحتلال حاليا.

ووفق الجارديان، يرى مخططو الجيش الأمريكي أيضا إعادة الإعمار داخل المنطقة الخضراء كجزء من مسار (وصفته الصحيفة بالغامض) لإعادة توحيد غزة من خلال إقناع المدنيين الفلسطينيين بالانتقال عبر خط السيطرة الأصفر.

ومع تقدم الأمور وإنشاء شروط لتقدم كبير في إعادة الإعمار، سيكون لديك مدنيو غزة ينتقلون هناك، ويبدأون في الازدهار، كما يقول المسؤول الأمريكي. "سيقول الناس 'يا إلهي، نريدها"، وبالتالي يتطور في ذلك الاتجاه.

ولكن ما مصير تلك الخطة الجديدة؟

مصير مشروع الخط الأصفر:

تنقل صحيفة الجارديان بعد أن نشرت المخطط الأمريكي، عن مسؤول أمريكي، طلب عدم الكشف عن هويته. "سيستغرق الأمر بعض الوقت. لن يكون سهلاً."

وتحاول أمريكا شرعنة خطتها بعرضها على مجلس الأمن الدولي وانتزاع قرار منه يؤيد تلك الخطة.

ولكن ذلك الأمر يواجه عدة مشكلات:

أولها اعتراضات دولية، كالاعتراض الروسي، والتي تريد به إيجاد قدم لها في المنطقة وورقة تفاوضية مع الغرب، فانتقدت المسودة الأمريكية لعدم الالتزام الكافي بحل الدولتين، مما يعقد التوافق.

ثانيا هناك اعتراض إقليمي، خاصة من مصر وتركيا، فالخطة لن تؤدي إلى الاستقرار كما تتمناه هذه الدول، وستؤدي إلى تجدد القتال بأساليب مختلفة وربما تمتد إلى الحدود المصرية.

ولكن العقبة الأهم في تلك الخطة، هو المواجهة المتوقعة لمخطط التقسيم من قبل المقاومة الفلسطينية، وشعب غزة، وكما أفشلوا مخطط شارون وأرغموه على الانسحاب من غزة من عشرين عاما، وكما أحبطوا خطة الجنرالات والتي أقر صاحبها بالهزيمة، فإنهم قادرون بإذن الله تعالى على دحر تلك الخطة، وإرغام الدول المعنية على الاعتراف بواقع غزة، حيث يحتفظ الفلسطينيون فيه بسلاحهم لصد أي عدوان أو مخططات مهما تكبدوا من خسائر وإبادة وتجويع.

____________________________________________

الكاتب: حسن الرشيدي
  • 1
  • 0
  • 42

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً