حقيقة العمل ودوافعه

منذ ساعتين

ما زالت نفسي تنازعني بما يوجبه مجلس الوعظ، وتوبة التائبين، ورؤية الزاهدين... إلى الزهد والانقطاع عن الخلق والانفراد بالآخرة.

 

قال الإمام ابن الجوزي في صيد الخاطر:

ما زالت نفسي تنازعني بما يوجبه مجلس الوعظ، وتوبة التائبين، ورؤية الزاهدين... إلى الزهد والانقطاع عن الخلق والانفراد بالآخرة.
فتأملت ذلك فوجدت عمومه من الشيطان، فإن الشيطان يرى أنه لا يخلو لي مجلس من خلق لا يحصون، يبكون ويندبون على ذنوبهم، ويقوم في الغالب جماعة يتوبون ويقطعون شعور الصبا.
وربما اتفق خمسون ومائة. ولقد تاب عندي في بعض الأيام أكثر من مائة.
وعمومهم صبيان قد نشأوا على اللعب والانهماك في المعاصي.
فكأن الشيطان لبعد غوره في الشر، رآني أجتذب إلي من أجتذب منه، فأراد أن يشغلني عن ذلك بما يزخرفه ليخلو هو بمن أجتذبهم من يده.
ولقد حسن إلي الانقطاع عن المجالس، وقال: لا يخلو من تصنع للخلق.
فقلت: أما زخرفة الألفاظ وتزويقها، وإخراج المعنى من مستحسن العبارة، ففضيلة لا رذيلة.
وأما أن أقصد الناس بما لا يجوز في الشرع، فمعاذ الله.
ثم رأيته يربني في التزهد قطع أسباب ظاهرة الإباحة - من الاكتساب.
فقلت له: فإن طاب لي الزهد، وتمكنت من العزلة، فنفذ ما بيدي أو احتاج بعض عائلتي، ألست أعود القهقرى ؟.
فدعني أجمع ما يسد خلتي، ويصونني عن مسألة الناس، فإن مد عمري، كان نعم السبب، وإلا كان للعائلة. ولا أكون كراكب أراق ماءه لرؤية سراب، فلما ندم وقت الفوات، لم ينتفع بالندم.
وإنما الصواب توطئة المضجع قبل النوم، وجمع المال الساد للخلة الكبر أخذاً بالحزم..
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لأن تترك ورثتك أغنياء، خير لك من أن تتركهم عالة يتكففون الناس، وقال: نعم المال الصاح، للرجل الصالح.
وأما الانقطاع فينبغي أن تكون العزلة عن الشر لا عن الخير، والعزلة عن الشر واجبة على كل حال. وأما تعليم الطالبين، وهداية المريدين، فإنه عبادة العالم.
وإن من تفضيل بعض العلماء إيثاره التنفل بالصلاة والصوم، عن تصنيف كتاب، أو تعليم علم ينفع لأن ذلك بذر يكثر ريعه، ويمتد زمان نفعه.
وإنما تميل النفس إلى ما يزخرفه الشيطان من ذلك لمعنيين.
أحدهما: حب البطالة، لأن الانقطاع عندها أسهل.
والثاني: حب المدحة فإنها إذا توسمت بالزهد كان ميل العوام إليها أكثر.
فعليك بالنظر في الشرب الأول، فكن مع الشرب المقدم. وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، رضي الله تعالى عنهم.
فهل نقل عن أحد منهم ما ابتدعه جهلة المتزهدين والمتصوفة، من الانقطاع عن العلم ؟ والانفراد عن الخلق.
وهل كان شغل الأنبياء إلا معانات الخلق ؟ وحثهم على الخير ونهيهم عن الشر.
إلا أن ينقطع من ليس بعالم بقصد الكف عن الشر، فذاك في مرتبة المحتمي يخاف شر التخليط.
فأما الطيب العالم بما يتناول، فإنه ينتفع بما يناله.

  • 0
  • 0
  • 23

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً