"فإني أكره ما تكره"

منذ ساعتين

في صحيح مسلم: "عن أبي أيوب رضي الله عنه حين نزل عليه النبي ﷺ أول مقدمه المدينة، ﻓﻜﺎﻥ ﻳﺼﻨﻊ ﻟﻠﻨﺒﻲ ﷺ ﻃﻌﺎﻣًﺎ ﻓﺈﺫا ﺟﻲء ﺑﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺄﻝ ﻋﻦ ﻣﻮﺿﻊ ﺃﺻﺎﺑﻌﻪ ﻓﻴﺘﺘﺒﻊ ﻣﻮﺿﻊ ﺃﺻﺎﺑﻌﻪ! ﻓﺼﻨﻊ ﻟﻪ ﻃﻌﺎﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﺛﻮﻡ، فلما ﺭُﺩ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺄﻝ ﻋﻦ ﻣﻮﺿﻊ ﺃﺻﺎﺑﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ، ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ: ﻟﻢ ﻳﺄﻛﻞ!
ﻓﻔﺰﻉ ﻭﺻﻌﺪ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﺣﺮاﻡ ﻫﻮ؟
ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ: «ﻻ ﻭﻟﻜﻨﻲ ﺃﻛﺮهه»! -أي كراهة رائحته لأنه يكلم الملك حال الوحي-
ﻗﺎﻝ أبو أيوب: ﻓﺈﻧﻲ ﺃﻛﺮﻩ ﻣﺎ ﺗﻜﺮﻩ"!

ألا تشجيك بشجاها هذه العبارة المفخمة؟
"ﻓﺈﻧﻲ ﺃﻛﺮﻩ ﻣﺎ ﺗﻜﺮﻩ"!
ألا تؤنقك؟
ألم توقفك هذه المشاعر القلبية؟
ألم تهزّك هذه المتابعة الوجدانية لكل ما له اتصال بالنبي ﷺ بأبي هو وأمي؟

لقد كره أبو أيوب -رضي الله عنه- في لحظته ما يكرهه النبي ﷺ!
لم يحتج إلى مجاهدة!
ولا إلى تفكّر في رغبات قلبه!
لقد انقلب مزاجه، وتغيرت رغبته، وانطبعت طبيعته بطبيعة أخرى، حين علم كراهية النبي ﷺ لهذا الأكل!
إنه ليس شيئًا يستجلبه، ولا خُلُقًا يعالجه!
بل ضرورة تهجم على القلب فيصبح له من الرغبة والمحبة والكره ما لا يستطيع دفعه!
إنها المحبة للمقام النبوي، والمتابعة له في سائر أحواله.

وهكذا في الحب، ففي الصحيحين عن ﺃﻧﺲ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، أنه رأى اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻳﺘﺘﺒﻊ اﻟﺪﺑﺎء، ﻗﺎﻝ انس: ﻓﺠﻌﻠﺖ أتتبعه ﻓﺄﺿﻌﻪ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻤﺎ ﺯﻟﺖ ﺑﻌﺪُ ﺃﺣﺐ اﻟﺪﺑﺎء".

فلقد صار لأنس من الطبيعة والرغبة والميل لذلك الطعام لمحبة النبي ﷺ لذلك الطعام!
مع أن هذا الحب أو البغض من الشأن الجِبِلّي الطَبَعي، الذي لا يتعلق به حكم التشريع في ذاته.

والله أعلم.

___________________________________________
الكاتب: د. محمد آل رميح

  • 0
  • 0
  • 32

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً