من سعادة الإنسان أن يُرزق بوالدين يدعوان له

منذ 9 ساعات

فإن مبدأ شأن مريم كان من دعاء والدة صالحة، ذلك الشأن العظيم، الذي كان منه الاصطفاء والتطهير، والقنوت لربها

فإن مبدأ شأن مريم كان من دعاء والدة صالحة، ذلك الشأن العظيم، الذي كان منه الاصطفاء والتطهير، والقنوت لربها، والتصديق بكلماته سبحانه حتى رزقت الصديقية، وولادة عيسى ﷺ بآية عظيمة، وعلو شأنه عند ربه، وأرفعيته، وما كان من أتباعه من التوحيد والزهد، كل ذلك كان مبدؤه: دعوة صالحة من والدة صالحة:
{إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَ ⁠نَ رَبِّ إِنِّی نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِی بَطۡنِی مُحَرَّرࣰا فَتَقَبَّلۡ مِنِّیۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ

• ومن سعادة المرء أن يقوم على رعايته الصالحون، من قريب أو معلم.

فإنّ من استجابة الله لأم مريم تيسير كفالة زكريا ﷺ لها، وهو زوج أختها، فنشأت ترى الصالحين، وتقتدي بهم.

• ومن سعادة المرء أن يكون قلبه معلقًا بالله، يرى أسماءه وصفاته في كل أحواله، فلا يأتي عليه حال إلا نظر في مقتضى اسم الله المتعلّق بحاله.

وانظر ذلك في جواب مريم حين أجابت زكريا ﷺ:
{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَیۡهَا زَكَرِیَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقࣰاۖ قَالَ یَـٰمَرۡیَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابٍ}!
فأحالت الأمر لله، وردّت الشأن لفضله وعطائه ورزقه.
وإذا تمكن ذلك في قلب المؤمن صار لا يتقلب في حال من دنياه إلا نظر أي اسم من أسماء ربه ﷻ له تعلق بذلك؛ فتعبد لله بعبودية ذلك الاسم، ويصبح يرى الكون بعين من يستحضر آثار أفعال الله في كل شيء.
ولم ير لنفسه فضلًا ولا شرفًا ولم يفخر بها ولم يشمخ.

وأخيرًا:
فإنّ من سعادة العبد أن يطمع في فضل الله كلما رأى فضله في أحد من خلقه!
فيذكّره ما يرى من نعمة على أحد بالمنعم سبحانه، وحينها يتوسل إلى الله بفضله هذا الذي رآه على خلقه.
وانظر هذا في زكريا ﷺ حين رأى ما أنعم الله به على مريم، ورأى ﻋﻨﺪﻫﺎ الرزق في غير أوانه، فكان يجد عندها اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ اﻟﻐﻀّﺔ ﺣﻴﻦ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ، كما قال ابن عباس.

هناك طمع زكريا ﷺ في فضل الله، وهزّته أريحية الرغباء في كرم الكريم سبحانه، فسأل الولد في غير أوانه! وطلب الرزق ولو في غير وقته.

فلم يردّه الكريم!
فحين رأى أثر الصلاح، ورأى حال الذرية العابدة، رغب في الولد الصالح! وتخايل لذاذة قرة العين حين ترى ولدها في شريف المقامات.

وهكذا فمن سعادة المرء أن يطمع في كرم الله أن ينيله أمنياته التي ظنّ أنه قد حال دونها حوائل!
وأن يطرق بابه ﷻ فإنه سميع الدعاء.

ثم من سعادة العبد ألا يحسد صاحب نعمة عليها، وألا يتمنى زوالها منه.
ولكن يتفكر حين يرى نعمة الله على خلقه، ويستحضر أنها من آثار أفعال الله، وأن القدير الكريم الذي أعطى ذلك قادر أن يعطيه، فينشغل عن الحسد بالرغبة في فضل الله!
ويمتلئ قلبه بعبودية الرغباء في كرم الله.
وهذا الأمر من أسباب زوال الحسد من القلوب، وهو إن لم يزل الحسد من القلب زاحمه وأضعفه.

والله أعلم.

  • 0
  • 0
  • 36

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً