هَمَسات .. في كلمات ... (39)
(هَمَسات .. في كلمات) في نسختها الـ (39) بمنة الله وفضله .............................................
➊ (ثمَّ اعتذرَ إليَّ) مَن المعتذِر؟ ومن المعتذَر إليه، أما المعتذر فهو سيد الخلْق وأشرفهم، وأحسن الناس خلْقًا وخلُقًا، أما تكملة الصورة: فقد قال أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: «(أَتَيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يبولُ، فسلَّمتُ عليه، فلم يردَّ عليَّ حتى توضَّأَ، ثمَّ اعتَذرَ إليَّ، وقال: إنِّي كرِهتُ أنْ أذكُرَ اللهَ تعالى إلَّا على طُهرٍ. أو قال: على طهارةٍ)» [1] إذا تأملنا في الحدث تبين لنا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يخطئ حتى يعتذر ولكنه القدوة في الأخلاق، إنه باختصار قرآن يمشي على الأرض فقد «(كان خُلُقُه القُرآنَ)» فياليت أن لنا حظًا من الاعتذار فنريح ونستريح، كم نحتاج إلى خُلُق الاعتذار ليزيل الوحشة من بيوتنا بين الأخ وأخيه، بين المرء وزوجه، بل بين الأبن وأبيه، نحتاج الاعتذار لتسود الألفة بين الجيران والزملاء في العمل، بل بين الأصدقاء والأخلاء، فتعامل الناس واحتكاك بعضهم ببعض يؤدي ولا بد إلى حصول الزلل من طرف تجاه الآخر، الاعتذار يحتاج إلى شجاعة خصوصًا من الأعلى إلى الأدنى، وباختصار الاعتذار خلق نبيا المختار، فإذا اعتذر إليك أحد فلا تتردد في قبول اعتذاره، وإذا أحسست أنك قصرت أو أخطأت في حق أخيك فبادر إلى الاعتذار وقدوتك في المصطفى المختار.
********
➋ « (صلُّوا أيُّها الناسُ في بُيوتِكم؛ فإنَّ أفضلَ صلاةِ المرءِ في بيتِه إلَّا الصلاةَ المكتوبةَ)» [2] هذا حث صريح من رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام على أن نجعل لبيوتنا حظًا من صلاتنا، وفي ذلك حكم كثيرة وجليلة، منها الإخلاص لله تعالى حيث الصلاة ليست بين الناس كما هو الحال في المسجد، وأيضًا عمارة البيوت بطاعة الله فالعمارة الحقيقة لأي مكان إنما هي بطاعة الله والتقرب إليه بصنوف العبادات حيث تحل البركة وتنزل السكينة وتغشى أهل البيت الرحمة وتحفهم الملائكة ، ومنها أيضًا تعليم الأهل والولد بالقدوة؛ فالأبناء الذين تعودوا على رؤية والدهم يركع لخالقه ويسجد لمولاه في البيت فسيتعلموا ويتأثروا ولا بد، كما أن الكثير من البيوت مظلمة وتعشعش فيها الشياطين بسبب ما فيها من اللهو والغفلة عن ذكر الله، فالصلاة نور للعبد في وجهه وقلبه وقبره وكذلك في بيته.
********
➌ «(بادِروا بالأعمالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ، يُصبحُ الرَّجُلُ مُؤمِنًا ويُمسي كافِرًا، أو يُمسي مُؤمِنًا ويُصبحُ كافِرًا، يَبيعُ دِينَه بعَرَضٍ مِنَ الدُّنيا)» إن هذا الحديث مخيف ومخيف جدًا، دين المرء الذي سر سعادته ونجاته في الآخرة ينسلخ منه المرء وربما باعه بثمن بخس، والفتن التي تعصف بشباب وأبناء المسلمين اليوم تموج موج البحار، وتندفع اندفاع السيل، وتهيج هيجان الجمل والثور، وتحتاج من الجميع التكاتف للتصدي لها، من الأسرة والمدرسة والمسجد وقبل ذلك أولياء الأمر ومن جعل الله بيدهم سياسة الناس وحكمهم، والناظر المتأمل في حال شبابنا اليوم يجد أن من أعظم الفتن التي تزيغ قلوبهم جهلهم بدينهم وانبهارهم بسلوك عدوهم، حيث أن مدارس المسلمين في معظمها وللأسف الشديد يتخرج منها الطالب لا يكاد يحسن صلاته فضلًا عن تسليحه بالعلم الشرعي لكي يتصدى للشبهات، والرصيد الإيماني لكي يتصدى للشهوات، لذا علينا أن نركز في محاربتنا لهذه الفتن العاتية ببيان محاسن الإسلام وفضح افلاس المناهج الوضعية الغربية كالديمقراطية، فإن ما عند الإعداء من التخبط والضلال على مستوى المرجعية والتشريعات والانحطاط الأخلاقي ما يجعل كل عاقل ينفر منها ويفر إلى نور الوحي الإلهي المعصوم.
********
➍ هل تعرفون عاقلًا يبيع مُلك كبير بمتاع قليل، نعم والله كثير جدا من يزعم أنه عاقل بينما يتصرف تصرف أخرق أحمق وبكل غباء ورعونة، إنه كل من آثر متاع الدنيا {(قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى)} إنهم صنف خسر وضيع ما وصفه الله بقوله {:( وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا)} سبحان الله! مُلك عظيم، ومن قال عنه أنه عظيم؟ إنه العظيم سبحانه، ومن رحمته أن حذرنا ونبهنا بقوله: {( أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)} لكن يبقى السؤال، لماذا يستبدل جمٌّ غفير من بني آدم الكثير الباقي بالقليل الفاني؟ هذا لأسباب كثيرة: منها الغفلة واتباع خطوات الشيطان، والانزلاق في بحر الشهوات العاجلة، وعدم الصمود أمام الفتن كفتنة المال والجاه والشهوات، وكذلك الإعراض عن شريعة الله وتعلم العلم النافع وغير ذلك، كما علينا أن ننتبه أن كل من سعى للفوز في الآخرة وسلك سواء السبيل، إنما ذلك بتوفيق من الله الهادي سبحانه، فنعمة سلوك الصراط المستقيم والثبات عليه على حتى وضع أول قدم في المُلك الكبير، أعظم النعم على الإطلاق.
********
➎ أرى أن القراءة بدأت تستهوي الكثير من الناس والشباب خصوصًا، وهذا طبيعي فالقراءة عالم من اللذة والمتعة وإذا كانت نافعة واجتمع معها صلاح النية فهو تجارة رابحة مع الله تعالى وسير في طريق نهاية جنة عرضها السموات والأرض، لأن من أجلِّ العبادات طلب العلم، ومن أوسع أبواب طلب العلم القراءة النافعة، ويمكن تقسيم القراء إلى أزاوج ثلاثة، فمنهم من يقرأ ويستفيد ولا يكاد يفيد، وهذا على خير لكنه فوت على نفسه خيرا كثيرا، وصنف كالنحلة التي تقع على النبات الطيب لتمتص رحيقه وتخرجه عسلًا مصفى فيه منافع للناس، وهذا الذي يقرأ وينتج، يستفيد ويفيد غيره، يتنقل بين بساتين الكتب وينتقي أعذب الزهور ليمتص رحيقها ثم يحوله إلى مواد نافعة، والإنتاج ليس مقصورًا علي تأليف الكتب، بل يشمل كتابة المراجعات حولها، والدلالة على النافع منها، وتهذيبها وتلخيصها، وجمع الفوائد منها وبثها للناس، وغير ذلك مما هو متاح لأغلب القراء، أما الصنف الأخير الذي اختار أسوأ المنازل، فهو كالزنبور يقرأ الكتب لا يستفيد ويفيد بل ليَضِل ويُضِل، ويبث سمومه، ويلسع من استطاع، ولسعه قد يكون قاتل ومميت ويجعل المرء يخسر الدنيا والآخرة، نسأل الله السلامة، وما أكثر هذا الصنف ومقارعته من الجهاد في سبيل الله.
- التصنيف: