وكزة موسى

منذ 15 ساعة

وطالب العلم الذي يريد أثرًا ممتدًا يحتاج إلى هذا التبصر؛ أن يجعل قلبه أوسع من حماسه، وأن يُدرّب ضميره على التمييز بين نصرة الحق ونصرة الذات، وأن يتذكّر أن الإصلاح يبدأ من لحظة مراجعة صادقة تسبق كل خطاب، وطالب العلم الذي يتبنّى روح موسى يَعبُر من أثر اليد إلى أثر القلب.

هناك لحظاتٌ في تاريخ النفوس تشبه الشرارة الأولى لاندلاع وعيٍ عميق؛ لحظاتٌ لا يخلّدها الحدث بقدر ما يخلّدها التحوّل الداخلي، وهذا التاريخ لا يدوّن وكزةً لشدتها، بل يدوّن صعودًا روحيًا تكوّن بعد ثوانٍ من وقوعها: {قالَ رَبِّ إِنّي ظَلَمتُ نَفسي فَاغفِر لي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفورُ الرَّحيمُ} [القصص: ١٦]

طالب العلم اليوم يمرّ بمشاهد تشبه الوكزة في مستوياتها الخفيّة؛ مشاهد يتقدّم فيها بحماسةٍ فكرية تشبه الشجاعة، ويُعلّق رأيًا قبل اكتمال بنائه، أو يشتدّ في نقدٍ كان يكفيه الرفق، وتغريه المنصّات بالوكز اللفظي، وتستفزّه القضايا ليقفز إلى نصرةٍ يظنّها برًّا، في لحظةٍ واحدة قد يكتب كلمةً تتجاوز أثرها نيّته، أو يطلق حكمًا يسبق فقهه، أو يُقحم نفسه في جدالٍ يفيض عليه شرًّا يتكاثر، ويُغلق في وجهه أبواب الخير بدل أن يفتحها.

وطالب العلم الذي يريد أثرًا ممتدًا يحتاج إلى هذا التبصر؛ أن يجعل قلبه أوسع من حماسه، وأن يُدرّب ضميره على التمييز بين نصرة الحق ونصرة الذات، وأن يتذكّر أن الإصلاح يبدأ من لحظة مراجعة صادقة تسبق كل خطاب، وطالب العلم الذي يتبنّى روح موسى يَعبُر من أثر اليد إلى أثر القلب

والمُلفت في قصة موسى -عليه السلام- ليس في الحدث، بل في "الاستيقاظ الشعوري" الذي أعقبه؛ ذلك الانتباه الداخلي الذي يقول للإنسان: تأمّل آثارك قبل حركتك، وعدّل اندفاعك قبل أن تُصلح غيرك.
••
_______________________________________
الكاتب: علي آل حوّاء

  • 1
  • 0
  • 49

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً