جهاد الأم في ميادين الصبر والتربية
للأم جهاد عظيم في ميادين الصبر والتربية والرعاية. وقد تشعر أحيانًا أن مسئولياتها اليومية تحول بينها وبين التفرغ للعبادة كما تحب وتتمنى.
للأم جهاد عظيم في ميادين الصبر والتربية والرعاية. وقد تشعر أحيانًا أن مسئولياتها اليومية تحول بينها وبين التفرغ للعبادة كما تحب وتتمنى.
لكن هذا الشعور ليس غريبًا ولا جديدًا؛ فقد سبقها إليه بعض الصحابة الكرام.
فقد روى أبي هريرة رضي الله عنه أن فقراء المسلمين قالوا لرسول صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالدرجات والنعيم المقيم،
قال: «كيف ذاك» ؟
قالوا: صلوا كما صلينا، وجاهدوا كما جاهدنا، وأنفقوا من فضول أموالهم وليست لنا أموال،
قال: «أفلا أخبركم بأمر تدركون من كان قبلكم، وتسبقون من جاء بعدكم، ولا يأتي أحد بمثل ما جئتم به، إلا من جاء بمثله، تسبحون في دبر كل صلاة عشرا، وتحمدون عشرا، وتكبرون عشرا».
لم يكن سؤالهم اعتراضا على قسمة الله، وإنما كان تعبيرًا صادقًا عن شوقهم لمزيد من القرب وحرصهم على بلوغ الدرجات العليا. فجاء الرد النبوي ليؤكد أن أبواب الطاعة لا تُقاس بمال ولا تُحصر في صورة واحدة، بل تتنوع بقدر تنوع أحوال الناس وطاقاتهم، ولكل عبد باب مفتوح يناسبه ليتقرب من الله.
وهذا المعنى ينطبق تمامًا على الأمهات اللواتي يثقل كاهلهن جهاد البيت ورعاية الأبناء. فقد يشتقن للتفرغ الطويل للعبادة، لكن عليهن أن يدركن أن تربية أبنائهن ورعاية أسرهن هي في حقيقتها عبادة عظيمة، اختارها الله لهن لتكون وسيلتهن المميزة للتقرب منه. ولأن الجزاء من جنس العمل، فإن تفاني الأم في رعاية أبنائها وزوجها يعود عليها برضا الله وبرّ أولادها بها، كما ورد في الحديث الشريف:
(جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟
قال: «أمك»
قال: ثم من؟
قال: «ثم أمك»
قال: ثم من؟
قال: «ثم أمك»
قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك».
فالأم فُطرت على رهافة الإحساس تجاه أسرتها، وهي لا تتوانى عن تلبية احتياجاتهم ورعاية قلوبهم، حتى صارت بحق الحاضنة لمشاعرهم وملاذهم الآمن. وهذا الحديث يحمل في طياته عزاءً عظيمًا للأم، ليُذكرها أن جهودها المبذولة اليوم ستثمر حبًا صادقًا وبرًا جزيلا في الغد.
وإذا تاقت إلى مزيد من القرب من الله، فلتعلم أن صدقها وإخلاصها في أداء دورها الأسري هو أعظم وسيلة للتقرب إليه بالعبادة التي اختارها هو لها. فإذا ما أدت هذا الدور بعزيمة واحتساب، أمدّها الله من البركة والتوفيق ما يعينها على الطاعات الأخرى، فتعيش حياة طيبة تمزج بين العطاء الروحي والإنجاز الدنيوي، وتجد في ذلك سلوى لقلبها وعزاءً في مشقتها العظيمة.
_________________________________________
[رحلة مع كتاب "وخفق قلبي شوقًا إلى رمضان"]
- التصنيف: