ربيع العمر في ميزان الشرع

منذ 14 ساعة

العناصر الأساسية:  العنصر الأول: حفظ القرآن والسنة والسير رحمة.  العنصر الثاني: الفتى المحبوب أسامة بن زيد.  العنصر الثالث: إن لم تربي ولدك سيربيه غيرك.  العنصر الرابع: لن يستقيم الظل والعود أعوج.


أيها الإخوة الكرام: مازلنا نتحدث بفضل الله تعالى عن مواطن العظمة في الإسلام والتي بالمناسبة لا نكاد نحصيها عداً، ولا نستطيع أن نوفيها شكراً.. 

أما يومنا هذا موعدنا فيه أن نتحدث إليكم فنقول: إن من مواطن العظمة في الإسلام أنه حفظ لنا ديننا كاملا متكاملاً حفظ الله تعالى بفضله وكرمه القرآن الكريم.. 

{{وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ، لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُّنظَرِينَ، إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} }

وبحفظ القرآن حفظت قصص الأنبياء والمرسلين وحفظت دعواتهم وحفظت معجزاتهم وأيامهم، وحفظت معهم قصص الأمم التي نجت والتي هلكت.. حفظها الله تعالى من أجل أن نتعظ بها ونعتبر.. 
ومع حفظ القرآن الكريم حفظ الله تعالى سنة الحبيب النبي محمد صلى الله عليه وسلّم ومع حفظ السنة حفظت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزواته وأيامه ومع حفظ سيرة وأيام النبي صلى الله عليه وسلّم حفظت سير الأعلام خير القرون أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلّم.. 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «" أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ "» . 

نحن اليوم في أشد الحاجة لأن نحدث أنفسنا وأزواجنا وأبنائنا وبناتنا عن أولئك الأعلام من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام نقدمهم قدوة لأنفسنا في زمان عزت فيه القدوة.. 
نقدمهم لأبنائنا وبناتنا أسوة في وقت قدم فيه التافهون والفارغون وعز فيه النابغون النابهون، مما جعلنا لا ننتظر إلا أجيالاً تافهة فارغة خمولة كسولة لا يعتمد عليها في قليل ولا كثير..

من هنا كان لزاما علينا أن نتكلم،وأن نحيي الهمم التي نامت،وأن نوقظ الضمائر التي ماتت، نقول ما نقول براءة للذمة، وحجراً نلقيه بعزم ما فينا لعله أن يحرك الماء الساكن.. 

أخطر مراحل (العمر) الفترة الزمنية بين الطفولة وبين الكهولة.. كذباً يسمونها ( المراهقة) وهي في الحقيقة (ربيع العمر) زمن القوة، زمن الفتوة، زمن الهمم العالية، زمن الطاقة الكبيرة، زمن الحماسة والإقدام، زمن التكليف وجريان القلم .. 
قال ﷺ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» 

لذلك لم يكن عجباً أن يبعث الأنبياء، ويرسل الرسل وهم في ربيع العمر.. 

قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ما بعث اللهُ نبيًّا إلا شابًّا، ولا أُوتي العِلْم عالِمٌ إلَّا شابًّا، ثم تلا هذه الآية في حق سيدنا إبراهيم عليه السلام: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} 
وقرأ في حق سيدنا يوسف عليه السلام، {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}.
وقرأ في حق سيدنا موسى عليه السلام: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} 
وقرأ في حق سيدنا يحيى عليه السلام: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} 

دعوة الإسلام ما دعوة الإسلام.. 
ما قامت إلا على أكتاف أصحاب الهمم العالية، وما حرستها إلا عيون الشباب وسواعدهم، وما سافرت الدعوة إلى مصر وإلى بلاد اليمن وإلى بلاد الفرس وإلى بلاد الروم إلا على سواعد الأبطال من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.. 

منهم أسامة.. 
منهم الفتى المحبوب أسامة بن زيد رضي الله عنهما ( الحِبُّ ابن الحِبِّ) كما وصفه النبي عليه الصلاة والسلام. 

نشأ الفتى المحبوب أسامة في بيت النبوة، وتربى على عين النبي عليه الصلاة والسلام.. 

حدث أسامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم «أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ، فَيَقُولُ عليه الصلاة والسلام: اللَّهُمَّ أَحِبَّهُمَا، فَإِنِّي أُحِبُّهُمَا».

ولد الفتى المحبوب أسامة في الإسلام وعاش به وتخلق بأخلاقه واتصف بصفاته ومات عليه.. 

سعى أسامة منذ نعومة أظفاره أن يكون جنديّاً حارساً لهذا الدين مدافعاً عنه مزاحماً للكبار في كل ميدان.. 

أراد الخروج إلى غزوة بدر فرده رسول الله لصغر سنه، أراد الخروج يوم أُحد فرده رسول الله لصغر سنه.. 

لكنه حضر الأحزاب وما بعدها، وأعده النبي صلى الله عليه وسلّم إعداداً لحمل الراية مع أمثاله من شباب الأمة.. 

وفي آخر حياة النبي عليه الصلاة والسلام وصل الخبر أن الروم تعتزم غزو المدينة فجهز رسول الله جيشاً جَنّدَ فيه كبار الصحابة أمثالَ أبي بكر وعمر وخالد بن الوليد وأبا عبيدة وغيرهم من الأبطال.. 
وعهد رسول الله بإمارة هذا الجيش إلى (أسامة بن زيد) فتىً لم يجاوز الثامنة عشر وأصبح قائداً لجيش يمثل أمة.. 
ما قال رسول الله إنه مراهق.. 
ما قال رسول الله إنه حديث الأسنان.. 
ما قال رسول الله دعوه حتى يكبر.. 
ولما تكلم البعض وشككوا في قدرة أسامة على قيادة الجيش رد عليهم رسول الله بنفسه فقال " إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ - يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ. وَايْمُ اللَّهِ، إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لَهَا. وَايْمُ اللَّهِ، إِنْ كَانَ لَأَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ. وَايْمُ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا لَهَا لَخَلِيقٌ - يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - وَايْمُ اللَّهِ، إِنْ كَانَ لَأَحَبَّهُمْ إِلَيَّ مِنْ بَعْدِهِ، فَأُوصِيكُمْ بِهِ ؛ فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِيكُمْ ".

وبهذا : أصبح الفتى ابن الثامنة عشر قائداً للجيش، وأميراً على من كسر حاجز الخمسين والستين أمثال أبي بكر وعمر.. 

في إشارة إلى أن الكفاءة لا تقاس بالسن، إنما تقاس الكفاءة بالعلم،تقاس الكفاءة بحسن الإدارة، والحكمة في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. 

الإعداد لبعث أسامة كان في آخر أيام النبي عليه الصلاة والسلام، تعذَّر خروج البَعْثِ بسبب مرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ثم بوفاته عليه الصلاة والسلام، وفي الأيام الأولى من خلافة أبي بكر كان عمله الأول إنفاذ بعث أسامة.. 
 فسار أسامة بجيش قوامه ثلاثة آلاف مقاتل إلى شمال الجزيرة، إلى الروم، وحلفاء الروم، وأذيال الروم، فلم يلق أحداً إلا غلبه وهزمه، حتى بلغ مؤتة، وأدخل الرُّعب في قلب عظيم الروم هرقل ومن معه، ثم قفل الجيش بقيادة أسامةابن الثامنة عشر راجعًا إلى المدينة سالمًا غانمًا بدون أن يُمس جيشه بسوء.. 
حتى قال المسلمون: "ما رأينا جيشًا أسلم من جيش أسامة" يعني: رجع سالمًا غانماً دون أي إصابة، ليشهد الواقع بصدق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلّم بشأن هذا الفتى المحبوب أسامة بن زيد حين قال عنه « وأيم الله إنه لخليق بالإمارة» 

أعود فأقول: في بعث أسامة، وفي نجاحه، إشارة إلى أن الكفاءة لا تقاس بالسن، إنما تقاس بالعلم،تقاس بحسن العمل، الحديث عن الفتى المحبوب أسامة وأمثاله فيه بيان واضح العنوان أنّ الشاب إذا صدقت نيته وتسلّح بالإيمان، كان أقدر الناس على رفع راية الأمة.

اود أن نتحدث إلى أولادنا، أود أن نصاحبهم، أود أن نقول لأولادنا: كونوا مثل أسامة.. 
كونوا مثل أسامة في حبه لله ورسوله، وفي برّه بوالديه.
كونوا مثل أسامة في همّته العالية، وإخلاصه في خدمة هذا الدين.
كونوا مثل أسامة في تحمّل المسؤلية، والثقة بأنفسكم وقدراتكم.
كونوا مثل أسامة في حكمته، وفي بعده عن كل ما يغضب الله تعالى.. 

عندما تعودوا إلى بيوتكم قولوا لأولادكم نحن بحاجةٍ ماسّةٍ إليكم، وإلى كل شابٍ يمتلك إيمان أسامة،وحكمة أسامة، وقلب أسامة، وعقل أسامة، وهمّة أسامة.. 

عندما ترجعوا إلى بيوتكم قولوا لأولادكم نحن بحاجة إليكم وإلى كل  شاب يجمع بين العلم والعمل، وبين الشجاعة والحكمة، وبين القوة والرحمة.


أيها الإخوة الكرام: إنّ الحديث عن الفتى المحبوب أسامة وعن غير أسامة ليس من باب الحنينٍ إلى الماضي المشرف فقط ، بل هو أيضاً استدعاءٌ لـقدوة خالدة يجب أن تُحيَا في شباب اليوم.
فلن يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به حال أولها.. 

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوالنا وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير. 

الخطبة الثانية 
بقي لنا في ختام الحديث أن نقول:
 إن التربية للأبناء والبنات ليست أكلاً وشرباً، التربية ليست مدرسة للغات، التربية ليست ثوباً نظيفاً ونعلاً جديداً.. 
التربية حضور ومتابعة وتوجيه وتأديب وتهذيب وتعليم وتقويم.. 

تربية الأبناء والبنات ليست سهلة، إنما التربية باب واسع يحتاج إلى جهد جهيد، التربية مجال واسع تحتاج إلى صبر أيوب، وحكمة سليمان، وسعة صدر النبي محمد صلى الله عليه وسلّم .. 

يا أخي الكريم: إن لم تربي ولدك بنفسك  سيربيه غيرك، إن لم تربي ولدك سيربيه الشارع على سوء الأدب وانعدام الأخلاق، إن لم تربي ولدك بنفسك سيربيه رفاق السوء على الوقاحة والبذاءة .. 
إن لم تربي ولدك سيربيه عدوك على التشكيك والشبهات.. 

ادعوك أنت لأن تربي ولدك بنفسك،أدعوك لأن تكون قدوة 
وأنت إن شئت أو أبيت قدوة بين معكوفين (حسنة أو سيئة) وأنا لا أكلُّ ولا أملُّ من قولي:( أن الإنسان يسمع بأذنيه ويتعلم بعينيه) 

ولدك حفظه الله تعالى: 
هو ثمرتك، ولدك هو ثروتك، ولدك هو نسختك، أنت قدوته يفتح عينيه أول ما يفتحها فيراك أنت فهو صورة مصغرة منك ومن صفاتك وأخلاقك وسلوكياتك.. 
بنتك حفظها الله تعالى: 
هي ثمرتك، هي ثروتك، هي نسختك، أنت قدوتها تفتح عينيها أول ما تفتحها فتراك أنت فهي صورة مصغرة منك ومن صفاتك وأخلاقك وسلوكياتك.. شئت أم أبيت.. 

أخي الكريم أنا وأنت أعوادٌ وأولادنا ظلٌ لهذه الأعوادِ.. 
إن كان العود مستقيماً سيكون الظل مستقيماً، وإن كان العود أعوج فلن يستقيم الظل إذا كان العود أعوج.. 

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين وأن يجعلنا للمتقين إماماً. اللهم آمين. 
----------------------------------------------------------
جمع وترتيب : الشيخ / محمد سيد حسين عبد الواحد.
إمام وخطيب ومدرس أول .
إدارة أوقاف القناطر الخيرية.
مديرية أوقاف القليوبية . مصر 

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.

  • 0
  • 0
  • 85

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً