الشهوة الخفية لدى طالب العلم
فطالب العلم الحصيف المراقب لله، الذي يعرف مداخل الشيطان، ومزالق الأقدام، يلجأ أولًا بذِلة وخضوع إلى الله أن يحميه ويحفظه من مداخل الشيطان، ويراجع قلبه قبل أن يخطو، وبعد أن يخطو، وفي معمعة العمل والجهد يراجع قلبه
مما يُضل طالب العلم عن العلم والعمل -دون أن يشعر- الشهوة الخفية.
وأبرز شهوة يدخل منها الشيطان على المسلم عموما -وعلى طلبة العلم خصوصا- الخلود..
وهي المدخل الذي دخل منه على أبينا آدم {قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ}..
والمسلم يعلم أنه لن يخلد جسده، فيحرص على خلود ذكره..
وحب بقاء الذكر في الخير في أصله أمر مشروع ويدل على كمال العقل، قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}.
فالشيطان يدخل من مدخلين قويين، الفطرة المحبة للخلود، والدين الحاث على الخلود في الخير، فيعمل عمله بطالب العلم، حتى يحرفه شيئا فشيئًا إلى الحرص على الخلود لذات الخلود وبقاء الاسم، دون أن يكون هناك إخلاص لله، أو ابتغاء لوجهه والدار الاخرة، فيظل يسابق وينافس ويتنقل من جهة إلى جهة، بدافع الرفعة على أهل الدنيا، وارتفاع صيته وذكره، ومع كثرة هذه المشاريع والبرامج واللقاءات ينسيه العلم، والجلوس له، ونشره لله، ويضعفه في العمل والعبادة، وبعد سنوات من هذا السعي الحثيث، يأتيه المشيب مع نسيان تام للعلم الشرعي، وضعف كبير في العبادة والعمل..
فطالب العلم الحصيف المراقب لله، الذي يعرف مداخل الشيطان، ومزالق الأقدام، يلجأ أولًا بذِلة وخضوع إلى الله أن يحميه ويحفظه من مداخل الشيطان، ويراجع قلبه قبل أن يخطو، وبعد أن يخطو، وفي معمعة العمل والجهد يراجع قلبه، ويكون في كل حالاته بين الخوف والرجاء؛ وليحذر من إطراء أهل الدنيا له..
ثم لينظر إلى برنامجه العلمي هل تأثر؟ فإن تأثر فليقف وليعد النظر..
ولينظر إلى برنامجه العبادي العملي هل تأثر؟
ولينظر إلى قلبه، هل صار يميل إلى أهل الدنيا، وبدأت عليه علامات الضعف والشيخوخة؟
ولينظر هل يقترب من الله أم يبتعد؟
التقوى -يا طالب العلم- كماشٍ فوق أرض الشوك، فاحذر ما ترى..
______________________________________________
الكاتب: أ. د. مرضي بن مشوح العنزي
- التصنيف: