رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (81)- نذير الاستشراق

ففي ذلك الوقت جاءهم النذير، نذير الاستشراق للمسيحية الشمالية بالخطر المدلهم الذي تهددهم به يقظة دار الإسلام بقيام محمد عبد الوهاب في جزيرة العرب، وظهور الجبرتي الكبير، في مصر هو الزبيدي ومن قبله البغدادي. كان نذير الاستشراق مروعًا وحاسمًا حثيثًا إلى سواحل جزيرة العرب الشرقية، وبالدهاء والمكر والدسائس جاءت في زي الناصر والمعين لتتدسس إلى يقظة ابن عبد الوهاب، يقظة تنقية الدين مما تراكم عليه من البدع المفسدة لعقيدة التوحيد، لتتخذ بذلك عندها يدًا، وبهذه اليد تسيطر عليها وتحتويها، وأبعدت إنجلترا الرحلة من ناحية اخرى، تؤلب عليها من حولها لتطوقها تطويقًا يحول بينها وبين الانتشار. وهذا هو أسلوب بريطانيا حيث حلت من الأرض. 

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (80)- إنجلترا وفرنسا وصراع مستميت على الهند!

كانت دول أوربة كلها في صراع مستميت فيما بينها على نهش أطراف دار الإسلام، واستنزاف ثرواتها وكنوزها وخيراتها بشراهة لا تشبع. وكان أكبر الصراع المتوحش على الطرف البعيد في الهند، حيث لا تستطيع طليعة الإسلام في دار الخلافة (تركية) أن تصنع لإنقاذها شيئَا ذا بال، بل هي يومئذ مشغولة أيضًا بالحفاظ على وجودها وهيبتها لا أكثر. كان أكبر دولتين يومئذ: إنجلتر وفرنسا، وكان السبق لإنجلترا، فأنشأت ما يسمونه شركة الهند الشرقية البرطانية، وهو أول جهاز استعماري قوي، وتبعتها فرنسا فأنشأت جهازها الاستعماري باسم شركة الهند الشرقية الفرنسية، ولا يغرنك لفظ شركة فإنه في الحقيقة جيش غاز مسلح، مهمته النهب والسلب وقطع الطريق، وتخويف الضعفاء الذين لا يملكون عن أنفسهم دفعًا. بدأ الصراع بين الشركتين في الهند، صراعًا مستحرًا مستميتًا، وظل محتدما حتى قضت الشركة البريطانية على الفرنسية قضاءً مبرمًا، في معركة فاصلة، وطردتها من الهند كلها، فخرجت هي والأسبان وغيرهم من حلبة الصراع في الهند دامية وجوهم وأكبادهم، وأستأثرت إنجلترا وحدها بالصيد الغزير. 

المجيد في إعراب القرآن المجيد

تأليف: إبراهيم بن محمد السفاقسي برهان الدين أبو إسحاق ... المزيد

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (79)- الاستشراق عين الاستعمار

الاستشراق كما رأيت قبل هو عين الاستعمار التي بها يبصر ويحدق، ويده التي بها يحس ويبطش، ورجله التي بها يمشي ويتوغل، وعقله الذي به يفكر ويستبين، ولولاه لظل في عميائه يتخبط. ومن جهل هذا فهو ببدائه العقول ومسلماتها أجهل. فلما فزع الاستشراق فزعت معه كل المسيحية الشمالية ودولها التي كانت أساطيلها تطوق دار الإسلام من أطرافها البعيدة، وتتوغل بسيطرتها على سواحلها، متحسسة طريقها إلى قلب هذه الدار المترامية الأطراف، بالدهاء وبالمكر وبالخديعة، وبالتنمر أحيانًا حين يتطلب الأمر التنمر والترويع.

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (78)- يقظتنا ويقظتهم (5)

وببديهة العقل، لم يكن للمسيحية الشمالية يومئذ خيار، طريق واحد لا غير، هو العمل السريع المحكم، واهتبال الغفلة المحيطة بهذه اليقظة الوليدة، كما حدثتك آنفًا، ومعاجلتها في مهدها قبل أن يتم تمامها ويستفحل أمرها، وتصبح قوة قادرة على الصراع والحركة والانتشار، فأن تم ذلك، فما هو إلا أن تعود الحرب بين الشمال والجنوب جذعة، وعندئذ لا يضمن أحد مغبة الصراع المشتعل بين سلاحين متكافئين، وثقافتين متكاملتين. لا يضمن أحد لأي الفئتين تكون الدولة والغلبة والسيادة ومرة أخرى أقول لك: لا تنظر الآن إلى الفرق الهائل الكائن اليوم بين الشمال المسيحي والجنوب الإسلامي. ولعلم الاستشراق يومئذ بهذه الحقيقة، كان فزعهم الأكبر. لا تنس هذا أبدًا، وكن على حذر من الضلال، ومن التضليل والتغرير الذي تعج به اليوم حياتنا هذه الأدبية الفاسدة، وألسنتها الثرثارة المتشدقة بأوهام (الأصالة والمعاصرة) و (القديم والجديد) و (الثقافة العالمية)، وبالقضية الهزلية: قضية موقفنا من الغرب! ياله من عار فاضح! وياله من عبث رزين متعاقل!

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (76)- يقظتنا ويقظتهم (3)

كان المستشرقون منذ نأنأة الاستشراق وإلى هذا اليوم  يجوبون دار الإسلام من أطرافها إلى قلبها، يلاقون الخاصة من العلماء، ويخالطون عامة المثقفين والدهماء، وفي قلوبهم حمية الحقد المكتم، وفي النفوس العزيمة المصممة، وفي العيون اليقظة، وفي العقول التنبه، وفي الوجوه البشر والبراءة، وفي الألسنة الحلاوة والتملق، ولبسوا لجمهرة المسلمين كل زي، وتوغلوا يستخرجون كل مخبوء، وكانت بلادهم يومئذ قريبة عهد بعصر النهضة وعصر اليقظة وعصر الإحياء، فهم على أتم معرفة بأسرار اليقظة كيف تبدأ وإلى أين تنتهى، فأدركوا إدراكًا واضحًا لا لجاجة فيه أن ما كان يجري في دار الإسلام منذ منتصف القرن الـ 11 الهجري، إلى منتصف القرن الـ 12 الهجري، إنما هو يقظة حقيقية، ونهضة كاملة، وإحياء صحيح، منبثق كله من ينبوع صافٍ عتيقٍ، طمست معالمه كر الدهور والقرون، هو جميعه في حوزة دار الإسلام، وهم في يقظتهم هذه يومئذ عالة عليه، ولا يستقون إلا من ثماده بعد جهد جهيد، فوجفت قلوبهم ورجفت من هول ما هم مقبلون عليه، إذا تمت لدار الإسلام اليقظة، واستوت وبلغت أشدها، واستقامت خطواتها على سنن الطريق!

اللغة والبيان: آلة التبليغ

كم من صاحب دعوة وعالم بالحق لم يحسن إيصاله للناس فضاعت جهوده هدراً.. بسبب ضعف الآلة التي يمتلكها وهي اللغة والبيان والبلاغة. ... المزيد

مقطع مميز: ما علاقة الطير والطيرة بالتشاؤم

مقطع من درس تفسير التسهيل  (20- ب)  لابن جزي رحمه الله

Audio player placeholder Audio player placeholder

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (77)- يقظتنا ويقظتهم (4)

وعلى عادة المستشرقين التي حدثتك عنها، وهو حملة هموم المسيحية الشمالية، والذادة عنها وحماتها المستبسلون، هبوا هبة الفزع من هذه اليقظة، فتسارعوا ينقلون كل صغيرة وكبيرة مما هو جار تحت أعينهم في دار الإسلام. ووضعوه بينًا جليًا، مشفوعًا بمخاوفهم وملاحظتهم ونصحهم وإرشادهم، تحت أبصار ملوك المسيحية الشمالية وأمرائها ورؤسائها وقادتها وساستها ورهبانها، وبصروهم بالعواقب الوخيمة المخوفة من هذه اليقظة الوليدة التي بدأت تنساح في أرجاء دار الإسلام. وتناجوا بينهم نجوى طويلة، يقلبون النظر في أهدافهم ووسائلهم، وتبينوا الخطر الداهم الذي جاء يتهددهم، إذا ما تمت هذه اليقظة واشتد عودها، واستقامت خطواتها على الطريق اللاحب. 

شخصيات قد تهتم بمتابَعتها

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً