أكره أهلي!!

منذ 2014-01-11
السؤال:

هل يجوز أن يضرب الأب أو الأم أبناءهم بالسلك؟! هل يجوز أن يكون أسلوب التربية عندهم الكلامَ القاسي؟! أنا عمري 21 وإلى اليوم وأنا أُضَرب، منذ كنت صغيرة وأغلاطي تصحح بالسلك، والله إلى الآن أتذكر صياحي، وأتذكر الضرب بكل تفاصيله.

أنا الحمد لله مجتهدة في دراستي، وذكية وجميلة، وهذا بشهادة كل الذين يعرفونني، كلُّ مَن يراني يقول عني: بنت متفائلة، كلها حيوية ونشاط؛ لكن والله العظيم لا يعرفون ماذا بي، أنا عندي أحلام وطموح، وأنا الآن أناضل لأجله؛ لكن أهلي، والله العظيم ما عندي مشكلة إلا أهلي، أنا أحيانًا أشك أني ابنتهم، لا تقولي: أنتِ الخاطئة وارحميهم، والله أعرف هذا الكلام, والله تعبت، كلما أريد أن أتقرب إليهم هم يبعدون عني، أنا أكرههم.

أولاً: أبي، أبي لا يناديني إلا بأقبح الألفاظ، أستحيي أن أقولها، كلما طلبت منه طلبًا ضربني على وجهي، لدرجة آخر مرة أنا مددتُ يدي عليه، ورميت الصندل وجاء على وجهه، من شدة ما كنت مقهورة، ولا أكذب عليك إني غير نادمة أبدًا؛ لأنه يستحق.

أما أمي فحدِّث ولا حرج، أمي أول شيء - ما شاء الله - جوَّالها كله أرقام شباب، أنا شابة ما أفعلها، وعلى فكرة أمي تكلم الشباب قدَّامي، ليس فقط ذلك، لا، دائمًا عند الساحرات، دائمًا مشاكل مع أبي، أمي معها شهادة الابتدائية، وأبي الجامعة؛ ولكن عقليتهم عقلية طفل في الابتدائي.

أقسم بالله، إني أكرههم, والله أمنية حياتي أن أرميهم في الرباط، مقهورة منهم، أكرههم، أكره أسلوبهم معي, أكره تربيتهم لي، أكره كلامهم الجارح لي، أنتِ تعرفين أنني إلى عمر 15 سنة، وأنا أمص أصابعي؟

أنا أحب أن أقرأ كثيرًا في أمور الدين، ودائمًا أحافظ على الصلوات الخمسة، أحب حجابي، محافظة على صلاة الوتر ولله الحمد، أحب الصيام، الإنترنت أستخدمه للدعوة إلى الله، وأنا جدًّا فرحانة بهذا الشيء، وفي الوقت نفسه حزينة؛ لأني خائفة من ربي أن يعاقبني لأني أكره أهلي، أنا خائفة لأني أنا أحيانًا أرد عليهم، وأيضًا بأقبح من الكلام الذي يقولونه لي، أنا بصراحة لاحظت أن أهلي لما أواجههم يسكتون، لكن لما أسكتُ يتمادون ويسبُّون ويضربون.

والله جالسة أكتب وأنا أبكي، ويدي وجسمي كله يؤلمني من الضرب الذي ضُربته بالسلك من أمي قبل ربع ساعة، جالسة أكتب وأنا أدعو عليها وعلى أبي. لماذا دائمًا تقولون: الأهل صح، والأبناء هم الخاطئون؟!

أجيبوني لو سمحتم.

الإجابة:

أحب أن أنبه على نقطتين اثنتين:
الأولى: إن حقوق الأبناء على آبائهم كثيرة، وثابتة بالكتاب والسنة النبوية الصحيحة، ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة، ومما اتفق عليه أئمَّة المسلمين؛ والأمر في ذلك ظاهرٌ، لا يَحتاج إلى بيان ولا برهان. فالله -تعالى- قد أوجب على الأبناء حقوقًا تجاه آبائهم، وأوجب في المقابل للأبناء حقوقًا على الآباء، وتقصيرُ الآباء في أداء حقوقهم تجاه أبنائهم لا يبرر العقوقَ، ولا يسوغ التقصير، فإذا كان كفر الوالدين بالله العظيم لا يُسقط حقهم في البر والإحسان، فبالأحرى ألا يسقطه ظلمُهما أو تضييعهما للأبناء.

الثانية: أن ما حلَّ بتلك الأخت ونزل بساحتها من ابتلاء واختبار، إنما هو من السنن الكونية التي لا تتبدل ولا تتغير؛ قال – تعالى-: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35]، وقد قال - عز من قائل-: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر: 10].

فالدنيا دار ابتلاء وامتحان، ولا تصفو من الأكدار، ولا تسلم من الأحزان؛ قال – تعالى-: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140] ، فقد يبتلي الله أقوامًا بكثرة الأوجاع والأسقام، وآخرين بنقص المال والأولاد، وآخرين بعقوق الآباء، إلى غير ذلك من الآلام والأحزان والأتراح، التي لا يكاد يسلم منها أحد حتى يحط رحله في بلاد الأفراح.

والمؤمن الذي يعلم أن الدنيا بحذافيرها لا تساوي عند الله جناحَ بعوضة، وأنها دار زوال، وأننا منتقلون منها على كل حال - لا يحزن على ما فاته منها؛ لأنها ليست داره، ولا قراره، فدارُه وقراره هي جنات النعيم، في صحبة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- وفي رضا الرب الرحيم.

وإن من أعظم العون على الصبر على الأقدار المؤلمة -الإيمانَ بالقضاء والقدر، أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فهذا يَبْعَثُ في النفس الطُّمَأْنِينة؛ قال –تعالى-:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[الحديد: 22]، وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11] ، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لو أنفقتَ مثل أُحُد ذهبًا في سبيل الله، ما قَبِله الله منك، حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو متَّ على غير هذا لدخلتَ النار" (سنن أبي داود)، وقال: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْه سرَّاءُ شَكَر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاءُ صبر، فكان خيرًا له" (رواه مسلم)، فالفرج مع الصبر، واليُسر مع العُسْرِ.

وكذلك من أصول الرضا: النظرُ إلى من هو أسفل منا، وتركُ النظر لمن هو فوقنا؛ فهو أجدر ألاَّ نزدري نعمةَ الله علينا؛ كما رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وللبخاري نحوه.

وأيضًا لو تأمل العبد المؤمن ما أسبغه عليه من نِعَم، وأعظمُها الإسلام، لم يَعظُم في نفسه الابتلاءُ، فكثير من الناس يتضجر ويتسخط من الفقر الذي نزل به، أو المرض الذي ألمَّ به، وينسى أنه في نِعَم الله يرفل؛ فنعمة البصر: والتي لولاها لكان أعمى، يقاد في الطرقات لا يهتدي سبيلاً، ونعمة السمع: وإلا لكان أصمَّ، يتحدث الناس بجواره، ولا يعقل ما يقولون، ونعمة العقل: وإلا لكان مجنونًا يقذره الأقربون، ويلعب به الأطفال، ونعمة اللسان: وإلا لكان أبكمَ لا يفصح عما يريد، ونعمة الهواء والماء والطعام والمسكن، وكل شيء حوله؛ وصدق الله إذ يقول: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34] ، وقال: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20].

وأيضًا: "إنَّ عِظَمَ الجزاء مع عِظَمِ البَلاء، وإنَّ اللَّه إذا أحبَّ قومًا ابتلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضا، ومَنْ سخِطَ فَلَهُ السخط "(صحيح التِّرمذي)، وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قال -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ، وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَة يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ".

فإذا تذكرت كل ما ذكرته لك هان عليك الخطب، وسهل عليك الأمر، وذهب عنك ما تجد من البلاء إن شاء الله تعالى.

وعليكِ بالتحلِّي بالصبر، مع مداومة التوجه إلى الله -تعالى- بالدعاء والإلحاح، في الأوقات التي يرجى فيها الإجابة؛ كالثُّلث الأخير من اللَّيل، وإن شاء الله ستُكشَف كُرْبَتُكَ، وتجابُ دعوتك؛ فهو القائل –سبحانه-: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].

فرحمة الله أوسع ، ورعاية الله أشمل، وجناب الله أرحب، وهو أقدر على تبديل الحال. ولتراجعي باهتمام استشارة: "هل أنا عاق؟".

ونُنَبِّه الأخت الكريمة إلى: أنه يجب عليها النصح لأمها بالابتعاد عن أفعالها المشينة، من الحديث مع الشباب، ولتحرصي على اختيار الأوقات التي يرجى فيها تقبُّل النصح، فإن أبتْ، فهَدِّديها بفضح أمرها عند الوالد، فإن استمرَّت، فلا بأس بإخبار الوالد بما تفعله؛ لينظر لنفسه.

كما أنبهها إلى وجوب التوبة النصوح مما صدر مِن تطاول على والدها؛ فظلمُ الأب وقسوته لا يُبَرران الاعتداءَ عليه بالقول والفعل عند أهل الملل السماوية والأرضية.

وما دام الأمر كما ذكرنا، أن بر الأم واجب في جميع الأحوال؛ فالواجب عليك الصبر الجميل، وهو خير كله: الصبر على الطاعات، والصبر عن المعاصي، والصبر على جهاد النفس، وحملها على الحق، والصبر على التواء النفوس، وضلال القلوب، وثقلة العناد، الصبر على عصبية أمكَ، وإهانتها استفزازها لك أمام إخوانك، ولتحتسب الأجر من الله.

ولْتتعرف على وسائل وأسباب ضبط النفس، وأن تُعود نفسك على مِلك غضبك، وتتيح لها شيئًا من سَعة الصدر، وتحمُّل الضغوط. وهذا الأمر يكون شاقًّا في البداية، ولكن مع المجاهدة يكون سهلًا؛ كما ذكرنا، وبذلك تستحق الأجر من الله، ما دمت على ذلك، وتسلم من مغبة الاسترسال في الغضب، الذي لا تقتصر نتيجته على الآثار السلبية المتعدية بسبب الاسترسال فيه.

كما ننصحك بمناقشة والدتك بهدوء ولطف، ولْتُحسِنْ تخيُّر الوقت المناسب لذلك، فتتوافقا، وتتفاهما في أسلوب للتعامل بينكما ببر وحب، وأعلمها أن بعض أسلوبها معك يفتح عليك باب الشيطان؛ ليزين لك عصيانها، وعقوقها، واطلب منها أن تعينك هي على برها والإحسان إليها، بأن تتعامل معك بأسلوب أفضل.

وأخيرًا: أذكرك أن بر الوالدين من أعظم القربات إلى الله -عز وجل- ومن أعظم الأسباب لدخول الجنة؛ كما في الحديث الصحيح: أن جبرائيل قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رغم أنف عبد أدرك أبويه، أو أحدهما، فلم يُدخِلاه الجنة"؛ (أخرجه مسلم (2551)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه–) يعني: أنه لو برهما دخل الجنة.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 12
  • 8
  • 21,399

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً