أشيروا علي سأترك الدراسة من أجل النقاب

منذ 2014-01-30
السؤال:

أنا طالبةٌ في الصف الأول الثانوي، أُواجِه مشاكل في الدراسة؛ لكثرة الاختلاط، والفِتَن الشديدة الموجودة داخل الثانوية؛ مما أدَّى إلى تراجُع مُستواي الدراسي والديني.

أصبحتُ أكْرَه هذا الوَضْع، وأُفَكِّر جدِّيًّا في تَرْك الدراسة؛ مع العلم بأنني يُمكنني أن أعَوِّضها في أي وقت آخر، وذلك عن طريق "البكالوريا الحرة".

لدي رغبةٌ شديدةٌ في أن أرتدي النقاب في أقرب وقت؛ لشدة الفتن، والمشكلة أنهم يمنعون ارتداء النقاب داخل الثانوية، وهذا لأنهم يظنون أن فيه شُبهةً!

تَعِبْتُ من البيئة التي أدرس فيها؛ ففيها الفسادُ منتشرٌ بشكلٍ كبيرٍ جدًّا، حتى إنه يوجد فيه أساتذةٌ ممن قال فيهم اللهُ -عز وجل-: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } [البقرة: 10]؛ إذ إنهم تجرَّؤُوا على ما حَرَّمه الله من استدراج الطالبات لما لا يرضاه الله! وذلك أمام القِسم كله، ولا أحد يقوى على إيقافهم أو معارضتهم؛ لذلك أصبحتُ أخشى حُضور حِصصهم، فواللهِ، إنَّ نظراتهم تهزُّ بدني مِن الخوف، وكذلك يتلفَّظون بكلمات سيئة جدًّا، والله يشهد على ما أقول!

لا أستطيع أن أكملَ هذه السنة، ووالدتي ترفض أن أخرجَ من الدراسة هذه السنة، وتقول: إنه يجب أن أكمل هذا العام حتى لا يقول الناس: إني تركتُ الدراسة بسبب النقاب!

فأعينوني وأرشدوني؛ فإني حائرةٌ في أمري، هل ما أنوي فعله صحيح أو لا؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:
فبدايةً نحمد الله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه على ما مَنَّ الله عليك به لطاعة ربك، والذي جعلك حريصةً على مرضاته، وعلى التقرُّب منه، والبُعد عن أماكن الاختلاط، وقد سعدتُ بك كثيرًا -أيتها الابنة العزيزة- وبحرصك على لبس النقاب، زادك الله عفةً وحشمةً، وثبَّتك الله على دينه، وعلى صراطه المستقيم.

ولا ريب أنَّ مِن أعظم الفرائض وأجَلِّ القربات محافظتَك على حجابك الإسلامي الذي هو رمزُ عفتك، ورمز طهارتك، بل هو رمزُ عِزتك كفتاةٍ مؤمنةٍ، رَضِيَتْ بالله ربًّا، وبمحمد رسولًا؛ صلوات الله وسلامه عليه.

وتغطيةُ وجه المرأة مشروعٌ مُرغبٌ فيه بإجماع العلماء، وإنما اختلفوا في وُجوبه مِن عدَمِه؛ فالنقابُ سترٌ للمرأة وعفافٌ ومنْعٌ للسفهاء مِن التعرُّض لها، والنيل منها، فكم من امرأةٍ متحجبة مَنَع حجابها مِن تعرُّض شياطين الإنس لها! وعلى العكس كم من امرأةٍ متبرجةٍ عَرَضَتْ زينتها، وأظهرتْ مَفاتنها للناس، فتسببتْ في مضايقتها، والتعرض لها من السفهاء! فالله -سبحانه وتعالى- لما خَلَق المرأة وصَوَّرها أحسن صورتها، وأودع فيها من الجمال والإغراء ما تفتتن به النفوسُ، وتذوب له المُهَجُ، فأمر بالحجاب؛ حفاظًا على عِفَّتِها، وعدم ابتذالها، والنقابُ واجبٌ شرعيٌّ، ومَن قال بعدم وجوبه سلم بوجوبه عند خوف الفتنة بالمرأة أو عليها، ومعلومٌ ما نحن فيه من فساد الحال، وكثرة الفُسَّاق، والفتنة الحاصلة بكشف المرأة وجهها، ولا يجهل ذلك عاقلٌ.

فإنْ أصابك أذًى وإهانةٌ لتمسكك بالتدين والالتزام، فاحتسبي ذلك عند الله، ولا تتركي ما أنت عليه مِن الإقبال على الله، وقد بشَّر الله عباده المؤمنين بالأجر الجزيل في الآخرة لمن صبر في الدنيا؛ قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].

أما عن إكمالك للدراسة هذا العام، فأنا أرى ما تراه والدتُك مِن إكمال تلك السنة، ويمكنك أن تتغيبي أو تأخذي إجازة مرضيةً، أو تبحثي عمن يُساعدك في قلة الحضور حتى تنتهي الامتحانات، ثم ادرسي من العام المقبل -إن شاء الله- عن بُعدٍ، أو من المنزل.

فحكمُ الدراسة في الأماكن المختلطة هو المنْعُ؛ فالأصلُ المتقرِّر شرعًا أنه يجب على المسلم اجتناب أماكن المنكرات بوجْهٍ عامٍّ، ومنها الأماكن التي يختلط فيها الرجال بالنساء على وجهٍ محرَّمٍ، ويستثنى مِن ذلك مَن دخَل هذه الأماكن بغرض إنكار المنكر، أو كانت له حاجةٌ أو ضرورةٌ لا تحصل إلا في ذلك المكان، ومن المعلوم أن الاختلاط في أكثر المدارس والجامعات في بلاد المسلمين اختلاطٌ محرمٌ محظورٌ؛ لما يشتمل عليه مِن التبرُّج السافر للنساء، وانبساطهن مع الرجال بالخضوع بالقول، وغير ذلك من المنكرات، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ لذا فالدراسةُ في هذه الأماكن الأصل فيها الحرمة، إلا إذا لم يوجد غيرها. فحينئذٍ يجوز للشخص الدراسة فيها مع التزام الضوابط الشرعية؛ وهي:

أ - أن تتحجب الحجاب الشرعي غير متعطرةٍ، ولا متبرجةٍ بزينةٍ.

ب - أن تتجنب الجلوس بجوار الشباب.

ج - أن تتجنب محادثتهم فيما لا تدعو الحاجة إليه، ويكون الحديث واضحًا، لا ملاينة فيه، وبعيدًا عن كلِّ ما يخدش الحياء.

د- أن تخافَ على نفسها مِن الانحراف فيما لا يرضي الله تعالى، فإن آنست مِن نفسها بعض الميل إلى ما لا يرضي الله تعالى، فعليها أن تتركَ الدراسة في هذه الأماكن، والبحث عن غيره؛ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}[الطلاق: 4].

وفقك الله لكلِّ خيرٍ.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 3
  • 0
  • 3,141

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً