أريد أن أسد الثغر العاطفي في حياتي

منذ 2014-03-14
السؤال:

أنا شابٌّ أريد سد الثغر العاطفي في حياتي، أنا أدرس في الجامعة ولا أجيدُ التحدُّث إلى البنات، فما الحل؟

الإجابة:

فاحمَدِ الله -أيُّها الابنُ العزيزُ- أنك لا تجيدُ الحديث مع البنات، وإلا لكنتَ -لا قدر الله- الآن تُقيمُ علاقاتٍ محرَّمةً، ومخالفةً لشرع الله، ولقِيَمنا وشيمنا العربية، وما فطرنا الله عليه مِن عفة، وبُعدٍ عن الحرام؛ فالحديثُ مع الفتيات الأجنبيات قبيحٌ في العقل والفِطَرِ، وهو طريقُ المفاسِدِ، وطريقُ الكُرَبِ، وطريقُ الفضائح، بل وبرزخُ المخازي والندامةِ، وأظن أنه لا يخفَى عليك مدى الشرِّ المستطير والبلاء العظيم الذي يَقَعُ بسبب العلاقات المحرَّمةِ التي تخالف شرع الله تعالى، والتي تبدأُ -دائمًا- بالنظرِ، ثم الكلامِ، ثم الخروجِ بعيدًا عن الناس، ثم يسقط الإنسان للهاوية،ويتجرأ المرء على حُرُمات الله، ويتعدَّى على حقِّ المرأة وحق أهلها؛ ولهذا أخذ الله الطريق على الخلْقِ، فلم يَنْهَ عن الزِّنا، وإنما نهى عن قُربان جميع مُقدماته ودواعيه، وبدايةُ كلِّ هذا الكلام؛ فإنَّ «مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَن يَقَعَ فيه» (صحيح النسائي)؛ خصوصًا هذا الأمر الذي في كثيرٍ من النُّفوس أقوى داعٍ إليه؛ {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32].
 

قال أديب الإسلام الأستاذ سيد قطب في ''ظلال القرآن''(4/ 2224)  :''والقرآنُ يُحذِّرُ مِن مجرَّد مُقارَبة الزنا، وهي مبالغةٌ في التحرُّز؛ لأن الزنا تدفع إليه شهوةٌ عنيفةٌ؛ فالتحرُّزُ مِن المقاربة أضمن؛ فعند المقاربة مِن أسبابه، لا يكون هناك ضمانٌ.

ومِن ثَمَّ يأخذُ الإسلامُ الطريقَ على أسبابه الدافعة؛ توقِّيًا للوقوع فيه، يكره الاختلاط في غير ضرورة، ويُحَرِّم الخلوة، ويَنهَى عن التبرُّج بالزينة، ويَحُضُّ على الزواج لمن استطاع، وَيُوصِي بالصَّوْم لمن لا يستطيع، ويكرهُ الحواجزَ التي تمنعُ مِن الزواج؛ كالمغالاة في المهور، وينفِي الخوف مِن العيلة والإملاق بسبب الأولاد.

ويحضُّ على مُساعدة مَن يبتغون الزواج؛ ليحصِّنوا أنفسهم، ويُوقِع أشد العُقُوبة على الجريمة حين تَقَعُ، وعلى رمي المحصنات الغافلات دون برهان... إلى آخر وسائل الوقاية والعلاج؛ ليحفظ الجماعَةَ الإسلاميةَ مِن التردِّي والانحلال''.
 

فَسَلْ نَفْسَكَ -أَيُّها الابنُ المباركُ-: ماذا تريدُ مِن التحدُّث إلى الفتيات؟ أتريد أن تَعْرِضَ نفسَك عليهن؟! وكن صادقًا مع نفسك، وفكِّرْ في هذا من خلال خُلُقِك وسُلُوكِك، وَرَزَانَتِك وَأَدَبِك وَتَأَدُّبِكَ، فإن كنت تقصد مِن أجل الارتباط بها؛ عاطفيًّا وأُسَريًّا، فالجامعةُ ليست المكان المناسب لهذا، وليستْ هذه هي الطريقة السَّويَّة التي تفيدُك مُستقبلًا فيما يخص اختيارَكَ لزوجَتِك، ولا هي سبيلٌ صحيحٌ لإشباع عواطفك وحوائجك الإنسانية، وَرَغَبَاتِكَ الفِطرية، فلا سبيل لك إلَّا بالزواج المشروع الذي شرَعه الله؛ كما قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 33].

وإن كنتَ إنما تَخشَى على نفسك -في المستقبل- حينما تتخرَّجُ، وتبحث عن صاحبة الدين والخلُق لتتزوجها وهذا هو الزواجُ الأجملُ والأفضلُ، والأنفعُ في الدنيا والآخرة فساعَتَهَا سَيَتَفَجَّر وجدانُك وعواطفُك؛ فهو شعورٌ فِطريٌّ، موجودٌ في كل إنسانٍ؛ فميلُ الإنسان إلى زوجةٍ تحبُّه، وتحنو عليه، وتتراحمُ معه هو فطرةٌ أصيلةٌ في النفس البشرية، فلا يتمُّ لها في هذا الباب السكونُ والطمأنينةُ والدَّعَةُ والراحةُ إلا بتحصيلِه، ولكن لا بدَّ -أيضًا- مِن سؤالٍ قويٍّ في هذا الباب؛ وهو: ما السبيلُ المشروعُ لتحقيقِ هذه المعاني العظيمةِ؟
 

أرجو ألا يُحْبِطَك هذا الشعورُ، بل تَحَرَّرْ مِن التفكير فيه، واشعُر بما أنت عليه من قيمةٍ، وخُلُقٍ عالٍ، وأنت تحافِظُ على بني جنسك من الفتيات، فلا تؤذيهن بنظرةٍ ولا بكلمةٍ؛ خوفًا مِن الله، ورجاءَ أن تُحْفَظَ في نسائك، وأنا على يقينٍ بأنَّ الجميع - ممن حولك- يُكبِرون فيك تلك الشِّيَمَ، حتى وإن حاول البعضُ أن يَسْخَرَ مِن نُفرتِكَ من الفتيات، فهو في قرارةِ نفسه يحترمُك، ويتمنى أن لو كان مثلك، لكنه لا يستطيعُ؛ فهو صريعُ نفسِهِ الأمَّارة بالسوء، ولكن حاولْ أن تبحثَ عن رُفقةٍ طيبةٍ صالحةٍ؛ فهذا يُفيدُك كثيرًا، وَشَارِكْ في الأنشِطة المُفيدة، فأمامَك طريقٌ واسعٌ في التقرُّب إلى الله -عز وجل- وأمامَكَ طريقٌ ممدودٌ في تحصيل مَصالحك الدنيوية؛ وما أذكره لك ليس كلامًا خطابيًّا نظريًّا، وإنما هو منهجٌ عمليٌّ ينتهجه أبناؤُنا وبناتنا؛ ممن ابتُلين بالدراسة في تلك الجامعات المختلَطة، فكانتْ نجاتُهُن -بعد فضلِ الله تعالى- بالاجتماع مع أشباهِهِن، والبُعدِ عن الخُلطة، وغضِّ الطرف عن الحرام، وأَخْذ المبادَرة بإنشاء أُسَرٍ جامعية غير مختلطة، والاشتغال بالمباحات؛ فالنفسُ إن لم تَشْغَلْها بالطاعة شَغَلَتْكَ بالمعصية، وهذه مِن المصالح العظيمة في دينك ودنياك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ؛ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ، كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» (أخرجه مسلم في صحيحه).

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ، وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا» (صححه الالباني في صفة الفتوى)، وفي رواية: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وأَشْرَافَهَا، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا» (حسنه السيوطي في الجامع الصغير).
 

وإذا دعتْكَ نفسُك لمخالطة البنات، والتحدُّث إليهن، فواجِهها بمُخالطة الأخيار والصالحين.
 

واللهَ -عز وجل- نسأل أن يعصمنا وإياك مِن الزلل، وأن يشرحَ صدرك، وأن يُيَسِّرَ أمرك، وأن يُوَفِّقك لما يحبه ويرضاه.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 2
  • 0
  • 10,950

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً