أجريت حجامة فاتهموني بالشذوذ الجنسي

منذ 2014-03-19
السؤال:

أنا شابٌّ تعرَّضتُ للسِّحر منذ عشرين سنة، والحمدُ لله لم يؤثِّر على دراستي، ولكنه كان يزعجني كثيرًا. في بادئ الأمر لم أُعِرْه اهتمامًا، كما أني لم أشُكَّ -ولو للحظة- أن حالتي بها سِحْر، لكن عند تخرُّجي ومباشرة العمل بدأتْ أعراضُه تظهر، وأتعبتني كثيرًا، فأخَذْتُ أبحث عن تفسيرٍ لحالتي وهو ما جعلني ألجأ إلى أطباء نفسيين وأعصاب مشهورين، قصدتهم لأنهم يدَّعون العلاج بالقرآن!
 


بدأتُ أرقي نفسي بشدَّة حتى ظهَرتْ أعراضُ السِّحْر، وتمكَّنْتُ مِن وجود راق قام برقيتي، واختفت الأعراض التي كانت تقلقني، لكن ظهرتْ أعراضٌ أخرى وهي رغبة شديدة في الانتحار؛ كما تأتيني بين الفينة والأخرى نوبات أحس فيها وكأن شيئًا يأكل قلبي!!
 


اتَّصلتُ بالراقي مِن جديدٍ فأخبرني أنه سيقوم بعمل حجامة في الرأس، فلم أتردَّدْ ووافقتُ؛ نظَرًا لشدة الألم، وهنا وقعت المصيبة، فقد فُضِحْتُ، وعلِم جميع الناس بأمري عند رُؤيتهم آثار الحجامة في رأسي، فلم يخطرْ ببالهم أنها سُنة الحبيب المصطفى، بل اتهموني في عفتي؛ اتهموني بأني شاذٌّ جنسيًّا!

لم أتحمَّلْ ما يحصل لي، وانهارتْ أعصابي، وانقطعتُ عن عملي، وكل يوم وأنا أتأمَّل ولكني صابرٌ، والحمد لله.

أريد أن أسأل: هل ما أصابني هو عقاب مِن الله؛ لأنَّ لي بعضَ المعاصي؛ مثل التدخين، رغم أني -والحمد لله- أصلي؟ أو هو ابتلاء؟


لا أُخفيكم لقد كرهتُ الحياة، وأردتُ التزهُّد وتسخير حياتي للدعوة وعدم الزواج، لكن هذا يُنافي طُموحات العائلة!


أخبروني ماذا أفعل؟ وكيف أتخطى هذه الأزمة؟

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:


فشفاك الله وعافاك وأزاح عنك الهم، وأصْلَح بالك، أيها الأخ الكريم، أنت تعلم أن كلَّ ما يُصيبنا في حياتنا من مسرَّات وأحزان، ومن خير وشرٍّ، ومن صِحَّة ومن مرضٍ، ومِن بلاء وعافية كلُّهُ مُقَدَّر عند الله؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «كلُّ شيءٍ بقدرٍ حتى العجز والكيس، أو الكيس والعجز» (صحيح مسلم)؛ فالغِنَى ابتلاءٌ، والفقرُ ابتلاءٌ، والصحةُ ابتلاءٌ، والمرضُ ابتلاءٌ، ما يحبُّه الإنسانُ ابتلاءٌ، وما يبغضه ابتلاءٌ كذلك، وهذا ما ذكره رب العالمين بأوجَزِ عبارة وأجمعها؛ فقال -جل وعلا-: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]، فبيَّن -جل وعلا- أنه يبتلي العبادَ بالشرِّ والخير على حدٍّ سواء، فيصيبُهم بالأمور التي تسوءُهم؛ كالمصائب والمِحَن، ويبتليهم -أيضًا- بالخير؛ أي: الأمور التي تُفرِحُهُم وتُبهِجُهُم؛ كالنِّعم التي تكون في الصحة، والمال، والدِّين، وغير ذلك، فكلُّهُ ابتلاءٌ مِن الله -جل وعلا- فسوَّى سبحانه بين ابتلائه بالخير والشر لعباده، والمؤمن يوقن أن الابتلاء من كلمات الله الكونية التي لا تتبدَّل؛ فالإنسانُ لا بد أن يُبتلَى؛ قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2-3]، وقال –سبحانه: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31]، فنظرةُ عباد الله المؤمنين إلى الابتلاء على أنه ضرورةٌ لا بدَّ أن تقعَ، وقدر الله الكوني أن يَبْتَلِيَ عبادَه ليُمَحِّص عباده المؤمنين؛ قال تعالى مبيِّنًا هذه الحقيقة الجامعة: {مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ على مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ على الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 179]، فَحَكَمَ -سبحانه- بأنه لا بد أن يُمَيِّز الخبيث مِن الطيب، وأن يبتلي العباد؛ لتَظْهَر سرائرهم.
 


وشأنُ المؤمن أنه يُحْسِنَ الظنَّ بربه أنه يعلم أن ما أصابه مِن خيرٍ أو شرٍّ في طياتِهِ الخيرُ الكثيرُ، وإن كان محزنًا؛ كما قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]، وقد وصف النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حالَ المؤمن بهذا فقال: «عجبًا لأمر المؤمن؛ إنَّ أمره كلَّه له خيرٌ، وليس ذلك إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرَّاءُ شَكَرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاءُ صَبَرَ، فكان خيرًا له» (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البلاء، وإن الله إذا أحَبَّ قومًا ابتلاهم؛ فمَن رَضِيَ فله الرضا، ومن سَخِطَ فله السُّخط» ؛ (رواه الترمذي).


وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن يُرد الله به خيرًا، يُصِبْ منه» (رواه البخاري)؛ أي: يبتليه بالمصائب؛ ليُطهِّرَهُ من الذنوب في الدنيا، فيلقى الله تعالى نقيًّا.
 


فَثَبَتَ بذلك أن المؤمن ينظُر للابتلاء -في هذه الحالة- على أنه منحةٌ مِن الله -جل وعلا- يمنحُها لعباده؛ لأن فيه الخيرَ الكثيرَ، وكل ما يقربُك إلى الله فهو خيرٌ، لا سيَّما وأنت لا تعلم ماذا يترتب على بعض الأمور المُفْرحة التي تحبُّها، فقد يكون الضُّرُّ في ثناياها، وقد يكون الشرُّ في طياتها، فهذا هو مقامُ التسليم لله جلَّ وعلا.
 


وأما إن كان العبد مسيئًا عاصيًا مُفَرِّطًا في جنب الله -جل وعلا- فحينئذ لا بد أن ينظُر لهذه الابتلاءات على أنها تذكيرٌ وتحذيرٌ مِن الله -جل وعلا- فإن مِن شؤم المعصية أن الله -جل وعلا- يُوقِع بعض عقوباته العاجلة في العباد، عَدَا ما قد يكون هنالك في الآخرة، مع أن هذه المصائبَ قد تُكفِّر السيئة للعبد المذنب قبل أن يأتيَ إلى ربه؛ فإن المصائبَ مِن المكفِّرات؛ ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: «ما يصيب المسلمَ من نَصَبٍ - أيْ: مِن تعَبٍ - ولا وَصَبٍ - أيْ: مَرَضٍ - ولا همٍّ، ولا حَزَنٍ، ولا أذىً، ولا غَمٍّ، حتى الشوكة يُشاكُها إلا كفَّر الله بها من خطاياه»؛ (متفقٌ على صحته).
 


فهذا هو الذي ينبغي أن تنظُر إليه -أيها الأخ الكريم- في حقيقة الابتلاء؛ فبذلك يهُونُ عليك الأمرُ، ويَطِيبُ خاطرُك، وتعلم أن ما أصابكَ لم يكن ليُخطِئَكَ، وما أخطأَكَ لم يكن ليُصيبَكَ.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 0
  • 0
  • 7,728

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً