الزوج .. وأزمة منتصف العمر

منذ 2014-03-27
السؤال:

زوجي عُمُرُهُ خمسون عامًا، متغيرٌ من سنة مِن كل النواحي النفسية والجنسية والسلوكية، حتى العبادات يُؤَدِّيها بصعوبةٍ بالغةٍ، وكلما جلستُ معه لأُحاوره تدمع عيناه، ويقول: لا أعرف ما بي، حتى الدعاء ثقيلٌ جدًّا عليه.
 

أرجوكم أشيروا عليَّ ماذا بزوجي؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فما يشعر به زوجُك -أيتها الأخت الكريمة- هو ما يُسَمَّى بمرحلة نصف العمر، وهي مرحلةٌ قلق بالنسبة للرجال يحدُث فيها قلقٌ ومَلَلٌ وفُتُورٌ بين الزوجين، وغالبًا ما تظهر هذه الأعراض عند الرجال، وسأذكُر لك بعضَ الأعراض الأخرى خلاف ما تذكرين؛ لأن للزوجةِ الواعيةِ دورًا كبيرًا في تجنُّب هذه الأزمة، ولكن بعدما تلمُّ بطبيعة المرحلة.
 

أولًا: الشُّعور بالتوتُّر المستمر، وهذا -في الغالب- يُسَبِّب ردود فعلٍ متباينة، تظهر في قيام بعض الرجال بتغيرات على مظْهرهم الخارجي؛ كالاعتناء بالملبس، والشكل، والهندام.

ثانيًا: يقضي وقتًا أقل مع أُسرته، ومِن ثَمَّ يفقد اهتمامه بزوجته، ويتخلَّف عن مسؤولياته الأسرية، ويشعر بحنينٍ للماضي والذكريات، ويعبِّر عن ذلك في تصرُّفاته.

ثالثًا: يتصيَّد العُيوب لزوجته، ويصنع المشكلات معها.
 

أما ما يُمكنك فعله للنجاة بزوجك: هو أن تزيدي الاهتمام به والوقوف بجانبه، وذلك باتباع عدة أمور:

1- حاولي -بجديةٍ- مشاركته همومه وأحزانه، مع الثناء على نجاحاته، وإن كانتْ قليلة، وذلك هام في عملية التحفيز، ولتحْذري -في نفس الوقت- من الاستهانة بأفعاله أو تحقير ما يقوم به.

2- ساعديه على أن يتحدث إليك عن مشاعره، وآلامه، وما أَلَمَّ به.

3- الرجل في تلك المرحلة قد يفقِد بعضًا من ثقته بالنفس، ويسهل التغلُّب على ذلك بتنبيه الأبناء للتقرُّب منه، واستشارته في جُلِّ أمورهم ولو اضطروا لاختلاق أشياء يسألونه عنها؛ حتى يحسَّ بأنه موضع تقديرٍ واحترامٍ، فلا يبحث عن التقدير خارج المنزل.

4- أشعريه بإحساسك وقربك منه باستخدام لغةٍ إيجابيةٍ في الحِوار معه؛ لتجاوز الأزمات؛ ومن ذلك -أيضًا- الاعتماد على وسائل التواصُل الأخرى؛ كالنظرة، والابتسامة، وغير ذلك.

5- يمكنك التثقُّف عن طبيعة تلك الأزمة؛ بقراءة بعض الأبحاث المتخصِّصة في ذلك لعلماء الاجتماع؛ كالدكتور أحمد مجدي حجازي أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، وسأنقل لك بعضًا مما كَتَبَهُ في هذا الشأن؛ قال:

 ''إنَّ أزمة مُنتصف العمر ترتبط لدى كلٍّ مِن الرجل والمرأة بالعوامل والتحوُّلات النفسية والعقلية أكثر مِن ارتباطها بمرحلة عمرية محددة...، أما بالنسبة للرجل فإنه يظل متمتِّعًا بشبابه، ويرى أنه في عنفوانه، حتى مع وصولِه لسن الخمسين عامًا, وبعدها يعيش على ذكريات الشباب؛ حيث يشعر بغربةٍ عن المجتمع, خاصةً عندما تقِلُّ رغبةُ الجنس الآخر فيه, وهو ما يُوَلِّد بداخله الحنين إلى فتيات سنِّ العشرين, ويدفعه ذلك في أغلب الأحيان لإقامة علاقات غير مشروعةٍ, خاصةً إذا ما خيل إليه تعمُّد الفتيات الابتعاد عنه، وهذه هي اللحظة الفاصلة التي ينتقل معها إلى ما يعرف بأزمة منتصف العمر.

وتلك الأزمة -غالبًا- ما تُصيب الرجل بشكلٍ أوضح؛ نظرًا للارتباكات النفسية التي يتعرَّض لها في هذه المرحلة''.
 

أما الدكتور محمد خطاب -أستاذ التحليل النفسي بكلية الآداب جامعة عين شمس- فيرى أنَّ أزمة منتصف العمر تصل إلى ذروتها عند منتصف أربعينيات العمر؛ حيث تكون بمثابة وقفةٍ مع النفس في مفترق الطرُق, يعقد الإنسانُ خلالها مُقارنةً بين الآمال والطموحات التي كان يسعى لتحقيقها, وبين ما تحقَّق بالفعل, سواءٌ كانتْ تلك الأهداف والطموحات اجتماعيةً أم عمليةً أم اقتصادية، بينما يُصبح كلُّ ما يُفَكِّر فيه عند وصولِه إلى قمة الأزمة هو إشباع الجانب الغريزي, فأعراضُ الأزمة مِن الناحية البيولوجية تتمثَّل في الرغبة الجنسيَّة, والرغبة في التغيُّر العاطفي.

وخبراء علم النفس -غالبًا- ما ينصحون في هذه المرحلة بتجديد الأمل في الحياة الزوجية؛ فإذا ما سيْطَر عليها المَلَلُ والفُتُورُ، فسيصبح استمرار العلاقة مستحيلًا حتى بعد الخروج من هذه الأزمة...، حتى إننا نُطلق عليها مرحلة ''المراهقة الثانية''؛ حيث تُشبه المراهقة الأولى في حدة الانفعالات، والعواطف والعصبية المبالَغ فيها والإثارة، والبُعد التام عن التفكير المنطقي العقلاني؛ ليصبحَ الإشباع الغريزي هو المسيطر الأول والأخير على تفكيرٍ مرضى المرحلتين، بينما تختلف أزمة منتصف العمر عن المراهقة في سيطرة فكرة الموت, والشيخوخة على شخص ما تخلق بداخله صراعًا نفسيًّا، وحالة من القلق والحيرة تستمر لفترة، إلى أن تهدأ مِن جديد في منتصف الخمسينيات.

 ثم ينصح بعد ذلك كلًّا من المرأة والرجل باستيعاب المشكلات النفسية التي يمُرُّ بها الطرفُ الآخر؛ خاصةً عند منتصف العمر, واتباع الوسائل التي تجذبه نحو الحياة الأسرية؛ مِن تغيُّرٍ في أسلوب الحياة, ومن الروتين فيها, والتفكير بموضوعية في حلِّ المشكلات الاجتماعية والاقتصادية؛ ولذلك فإنَّ المجتمع الأوروبيَّ يتميَّز بحرصه الدائم على السفر, وعلى الاستمتاع والتغيير في برامج الإجازات الدورية؛ خاصةً عندما يمُر أحد أفراد الأسرة بتلك المرحلة.
 

ويقول د. أحمد أبو العزايم -استشاري الطب النفس-: ''إنَّ أزمة منتصف العمر هي الأشهر بين المتزوجين؛ حيث يتسرَّب لكلٍّ منهما الشعور بالملل مِن الارتباط, وبداية اتساع الفجوة العقلية والثقافية بين الرجل وبين أبنائه، كما يشعر بالفراغ، وضعف الرغبة الجنسية، وبأنه غير مرغوب فيه؛ وهو ما يضعف ثقته بنفسه، ويدفعه إلى التشاؤم من المستقبل، والاكتئاب، ثم الحزن، والإحباط، وتظهر أعراض تلك الحالة في ارتباك مواعيد النوم، أو عدم الرغبة في الأكل، أو الإصابة بالسمنة في أسرع وقتٍ، والعزلة عن الآخرين؛ لشُعورِه بانشغالهم، بينما يُعاني هو مِن الفراغ، وتقدُّم العمر، وتحوُّل الملامح نحو الشيخوخة، وفقدان الشباب، وحيويَّة الجسم.

وفي تلك المرحلة يترجم هذا الشخص أغلب مواقف الطرف الآخر على أنها نفورٌ منه، وعدم الرغبة فيه؛ لأنه فقَد جاذبيته، ويرجع هذا في الأساس إلى الثقافة المجتمعية العقيمة التي تُسيطر على مجتمعنا الشرقي''.
 

أسال الله العظيم رب العرش أن يشفيه وسائر المسلمين.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 0
  • 0
  • 4,741

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً