الزوجة والسكن المؤقت في بيت الأهل

منذ 2014-04-02
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تزوَّجتُ منذ سنتين، وكانتْ فترةُ الخطوبةِ قصيرةً لا تتعدَّى خمسة أشهر، وقد اتفقتُ مع أهل الزوجة على أن نقيمَ عند عائلتي لمدة سنتين، أو أكثر بقليل، حتى أُتِمَّ بناء منزلي الخاص المستقل.

زوجتي في مثل عمري، ومستواها العلمي أقل من مستواي، وليس لدينا أولادٌ، لكن طريقة تفكيرها ضيقة جدًّا، بل كارثية بشهادة أهلي وكلِّ مَن عرَفها.

بعد مُرور عامَيْنِ على الزواج ذهبتْ إلى منزل أهلها، ورفضتِ العودة حتى أشتري لها منزلًا خاصًّا، أو أُوَفِّر لها مطبخًا خاصًّا في منزل أهلي، مع أنه تبقى عام واحدٌ على انتهاء المنزل. حاولتُ معها ومع أهلها لإرجاعها، وطلبت منهم الصبر عاماً واحداً فقط، لكنهم رفضوا!

اشترطوا عليَّ استئجار منزل، أو توفير مطبخ خاص بها، وأنا غير قادرٍ على استئجار منزل لضَعْف راتبي؛ وقد أنفقت كل أموالي في بناء المنزل المستقل. أما فيما يخُصُّ المطبخ في منزل أهلي، فلا توجد غرفةٌ إضافيةٌ أستغلها كمطبخ مؤقت؛ نظرًا لضيق المكان.

زوجتي لا تُريد الصبر لمدة عام واحد؛ فهي عنيدة وترفض العودة، ويُشجعها أهلُها، حتى إنهم عرضوا عليَّ أن تظل عندهم حتى الانتهاء من المنزل، لكني رفضت.

بعد فشَل كلِّ المحاوَلات معها ومع إخوتها ووالدها، تقدَّمْتُ للقضاء بطلب إرجاع الزوجة لبيت الطاعة، لكن حكمت المحكمةُ لصالحها، وبإلزامي بتوفير مسكن مستقل لها، مما زاد من تعنُّتِها وتعنت أهلها.

إصرارُها هذا جَعَلني أفكر في الطلاق، وكل مَن سمِع بمشكلتي نصحني بذلك، وعند استلامها لورقة طلَب الطلاق وبدل أن تخاف وتعود أو يسعى أهلها إلى عقد الصلح، قاموا بتضخيم القضية، ونَشْر أسراري وأسرار أهلي للعامة.

أنا غير مرتاح نفسيًّا، مع أنه لا توجد مشاكل شخصية بيني وبينها، أو مع أهلي وأهلها، ولكل زوجة الحق الكامل في السكن المستقل، حتى لو كانتْ بدون أولاد، لكن لا أفهم عدم صبرها، بالرغم مِن أنني لم أضربها يومًا، وكنتُ لها نِعْمَ الزوجُ بشهادتها، فلماذا لا تريد الصبر؟ وعندما أُهَدِّدها بالطلاق لا تهتم، وتقول: افعل ما تريد!

فهل أكون ظالمًا لها إنْ طَلَّقْتُها؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:

فلا يخفى عليك -أيها الأخ الكريم- أن الله تعالى أمَرَنا بالاستعانة بالصبر على المصائب المقدَّرة، والاستغفار من الذنوب التي لا يسلم إنسانٌ منها؛ كما أمرنا -سبحانه- إذا أصابتنا المصائب بأن ننظرَ إلى القدَر، ولا نتحسر على الماضي، بل نعلم أن ما أصابنا لم يكنْ ليخطئنا، وأن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، فالنظرُ إلى القدَر عند المصائب؛ قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22، 23]، وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11]، وكذلك ندبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للتسليم للقدر بعد وُقوعه؛ فقال: «المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احرصْ على ما ينفعك، واستعنْ بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان»، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر؛ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر؛ فكان خيرًا له» ))؛ (رواهما مسلم).

وتدَبَّر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (8 / 178): "فإن الإنسان ليس مأمورًا أن ينظر إلى القدر عندما يُؤمر به من الأفعال، ولكن عندما يجري عليه من المصائب التي لا حيلة له في دفعها؛ فما أصابك بفعل الآدميين، أو بغير فعلهم، اصبر عليه، وارْضَ، وسَلِّم".

وما تذكره مِن خُلُق زوجتك، وعدم صبرها، يدخل فيما ذكرناه لك؛ فاصبرْ واحتسب.

أما الطلاق، فهو وإن كان الأصل فيه الحظر والكراهة، إلا أنه قد أبيح منه قدر الحاجة المعتبرة، والدواعي الطارئة، إذا استنفدتْ كل الوسائل لتفادي الطلاق، واستمرار العشرة، فلا حرج في الطلاق حينئذٍ، وهذا من كمال الشريعة الخاتمة، فهناك حالاتٌ يتعذر معها استمرار الحياة الزوجية، لا بد أن تواجه مواجَهةً عمليةً، اعترافًا بمنطق الواقع الذي لا يجدي إنكاره، حين تتعذر الحياة الزوجية، ويصبح الإمساك بالزوجة عبثًا لا يقوم على أساس، والشرع لا يفصم رباط الزوجية المقدسة لأول وهلةٍ، ولا لأول خلافٍ، إنما يشد على هذا الرباط بقوةٍ، فلا يدعه ينفك إلا بعد المحاولة واليأس، فإذا وقع -والحال كذلك- فلا ظلم مِن الزوج على زوجته، وقد وعد الله تعالى كلا الزوجين بأن يغنيه مِن فضله هو، ومما عنده، وهو -سبحانه- يسَع عباده، ويوسع عليهم بما يشاء بحكمته وعلمه بما يصلح لهم؛ كما قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء: 130].

فحاوِلْ مع زوجتك مرة أخرى في الرجوع، ووَسِّط بعض العقلاء؛ فإن أصرَّتْ على الفراق، فلا حيلة لك إلا أن تطلقها.

والله أسأل أن يُقَدِّرَ لك الخير حيث كان.

 

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 0
  • 0
  • 49,220

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً