خلافي مع الزوجة الأولى أثر على الاستقرار مع الثانية.

منذ 2014-04-06
السؤال:

مشكلتي بدأتْ من سنوات؛ عندما تعرفتُ إلى فتاةٍ عن طريق الهاتف، وبعد عدة سنوات تزوجتُها، رغم أنها تكبرني!

اكتشفتُ بعد ذلك أنها عصبيَّة جدًّا، وأنا على النقيض تمامًا؛ فلديَّ برودٌ وهدوءٌ بشكل كبيرٍ يجعلني في بعض الأوقات أشكُّ في أني مريض! لكن مَبدئي في الحياة قولُه تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3]. أنجبتُ منها طفلين، ثم زادت المشكلات بعد ذلك!

تعرفتُ في هذه الأوقات على فتاةٍ شيعية، أحسنتُ إليها، وكنتُ أحبُّ أن أظهرَ أمامها في صورة الرجُل المحترم العطوف الكريم، وبدأت الفتاة تتعلَّق بي بشكلٍ كبيرٍ، وكنتُ أخاف أن أتركها أو أن أظلمَها حتى لا تُجرحَ، وكنتُ أتظاهر أمامها بالحبِّ، مع أني لم أقع في الحب! وذلك لأني متعلقٌ بزوجتي الأولى وأولادي، ولا أريد أن أهدمَ حياتي الأولى!

وَعَدْتُ الفتاة الشيعيةَ بالزواج؛ لعلمي أنَّ والديها سيرفضان طلبي، وأكون وقتها نجوتُ بنفسي مِن اللوم أمام الفتاة؛ وبالفعل رفَض والدُها!

ازدادت المشكلاتُ بيني وبين زوجتي، حتى دفعتْني نحو الزواج مِن الفتاة الشيعية دفْعًا؛ فتظاهرتُ بأني شيعي، وتقدمتُ للفتاة، واقتنع أهلُها بذلك رغم أنَّ لدى بعضهم شكوكًا، لكنهم لم يُصَرِّحوا!

عقدتُ زواجي على الفتاة، وكنتُ طوال فترة معرفتي بها أشرح لها الفرْقَ بين مذهب الرافضة ومذهب أهل السنة والجماعة، وبعد فترة ليستْ بالقصيرة اتَّضَح لها طريقُ الحق والحمد لله، وتحولتْ وأصبحتْ على مذهب أهل السنة والجماعة.

قررتُ ألا أنجبَ منها؛ فأنا لا أطيق أن يكونَ لي أولادٌ لهم أخوال شيعة، وكثيرًا ما أُرَدِّد هذا السببَ لزوجتي، وهي تتألم مِن داخلها وتسكت، فهي تحبني، وقد وجدتُ معها فعلًا الحياة الزوجية الرائعة من كلِّ النواحي!

أما بالنسبة لزوجتي الأولى فقد تأثرتُ لبُعد أولادي عني، وتعبتْ نفسيتي، فكلُّ تفكيري مُنْصَبٌّ على أولادي في كلِّ فعل أو قول؛ أتذكَّرُهم، وأحسُّ تجاههم بتأنيب الضمير، وربما حرمتُ زوجتي الجديدة مِن حناني وحبي، وكثيرًا ما أقول لها: إذا كان أولادي -وهم أعزُّ ما أملك في الدنيا- محرومين، فأنتِ كذلك لا تطالبينني بهذا الأمر! وكثيرًا ما أردِّد قولي عن نفسي: إنَّ فاقدَ الشيء لا يعطيه، فإن كنتُ فقدتُ حناني كأب لأطفالي الصغار، فلن أستطيعَ أن أكونَ حنونًا مع مَن هم أقل منهم في الأهمية بالنسبة لي!

بدأتُ أتجنَّب دُخُول بيت أهل زوجتي، وأحاول أن أضعَ مسافةً كبيرةً بيني وبينهم، فلم أعدْ أطيق رؤيتهم، أو الحديث معهم، أو حتى السلام عليهم، وكانتْ قضية سوريا لها الأثرُ الكبير في تغيُّري تجاههم، فلم أعدْ أطيق الشيعة أو الرافضة؛ لجرائمهم تجاه أهلِنا المسلمين في سوريا والأحواز والعراق ولبنان!

أصبحتْ مَشاعري التي كنتُ أخفيها ظاهرةً لها، وهذا ما يجعلها تتألم بشدة؛ لعلمها أني أكره مجالسة والديها، أو حتى السلام عليهما، وكثيرًا ما أحرجها أمامهما عندما أوصلها لمنزل أهلها، ولا أدخل للسلام، وكأنني غريبٌ عنهم، ولستُ زوجًا لابنتهم!

وما يزيد الأمور تعقيدًا هو عدم وجود أطفال بيننا، وحرمانها مِن نعمة الأمومة، ووجودها -أيضًا- وحدها، بدون أنيسٍ أو صديق؛ مِن معارفها أو أقاربها، ووجودي في العمل لساعات وأيام طويلة جدًّا رغمًا عني.

الفتاة أصبحتْ مِن أهل السنة والجماعة، وهذا ما يجعلني متمسكًا بها لئلَّا تنتكس، وأيضًا لم يَعُدْ هناك أي أمل في رجوع زوجتي الأولى وأولادي؛ للعيش معي، فماذا أصنع؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:

فنحبُّ أن ننبهك أولاً على أنك سلكت مع المرأتين طريقًا معوجَّة بمهاتفتهما والتعرف عليهما عن طريق الهاتف، وهذا فعل محرَّم لا يجوز، ولا نظنك ترضى لابنتك أو أختك أن تهاتف الرجال وتربطَ بهم علاقة؛ ولو أفضت إلى الزواج، وأنت تعلم كم عدد ضحايا مثل هذه الممارَسات من النساءِ اللاتي خَدعهنَّ الرجال وانتُهكت أعراضهن، ولم يحصل لهنَّ زواج!

وأما زوجتك الجديدة -أيها الأخ الكريم- فإنك قد عاقبتها على جُرْمٍ لم ترتكبْه، وعلى ذنبٍ لم تقترفْه، بل أخذتَها بجريرة غيرها، فزوجتُك الأولى هي مَن تركتْك وحرمتْك مِن أبنائك، وليستْ هي!

ومَن تأمَّل رسالتك وجَد فيها معنًى عجيبًا من معاني متاع الدنيا الناقص بالضرورة، فأنتَ متعلقٌ بزوجتك التي رُزِقْتَ منها بالأبناء، وهي -بالتأكيد- فيها صفاتٌ جيدةٌ، وصفات أخرى قد ذكرتَ لنا بعضًا منها، وأشدها أنها هجرتك وحرمتْك مِن أبنائك.

وزوجتُك الجديدة تركتْ مذهب الشيعة الردي، وتسنَّنتْ والحمد لله، وهي أيضًا تحبك، ومُتَعَلِّقة بك، ومِن أحسن ما فيها حُسن التبعُّل الذي تشهد به أنت حتى قلت: "قد وجدت معها فعلًا الحياة الزوجية الرائعة مِن كلِّ النواحي"، وهذا شيءٌ قلما يعترف به زوجٌ! ولكن لما كان نعيمُ الدنيا ناقصًا هكذا، تضجرتَ مِن أشياء لا يَدَ لزوجتك بها؛ كون أهلها ضلاَّلًا، وكونك لم تخبرْ جميع أسرتك، فهذا أمرٌ أنت مَن تتحمَّل مسؤوليته لا هي؛ كي تعاقبها بالحرمان مِن أهم ما يشغل بال المرأة، فهذا مِن الظُّلْم الذي لا يرضاه الشرعُ، ولا يقبله العقلُ.

أما العلاجُ لتلك المشكلة فهو مراعاة الواقعية والمواجَهة؛ فالهُروبُ مِن المشكلة لا يحلها، وإنما يزيدها تعقيدًا، فأبلغْ أمك وإخوانك بالأمر، وأقنعهم بوجهة نظرك، وتذكَّر أنَّ الخير لا يأتي إلا بالخير.

أما خوفك مِن الإنجاب لكون أخوال أولادك من الشيعة، فهذا لا يضُرُّ في شيءٍ، ولو كان هذا شيئًا مُعتبرًا -شرعًا- لما أجاز الله نكاح النصرانية واليهودية، فالوالدُ هو مَن يُرَبِّي، وهو المسؤول عن حِفْظ دين ابنه، والتأديبُ والتعليمُ في الصِّغَر -أي عند الأبناء- كالنقش على الحجَر.

نصيحةٌ أخيرةٌ، زوجتك تابتْ إلى الله من عقيدة أهلها التي نشأتْ عليها، وهذا شيءٌ نادرٌ في زماننا، فأكثرُ الخلق لا ينقادون للحق طوعًا، وقد راعيت عدم فتنتها قبل زواجك بها، فلأن تراعي ذلك -الآن- أوْلَى وأحرى.

وتأمَّلْ -رعاك الله- قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]، وقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً، إنْ كرِه منها خلقًا رضي منها آخر»؛ (رواه مسلمٌ عن أبي هريرة)، وقوله: «لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً»؛ أي: لا يبغض، والفرك: البغض.

ارفقْ بزوجتك، ولا تتعمدْ إحراجها أمام أسرتها، وأحسنْ لهم وتألفهم، ولا تأخذهم بجريرة إخوانهم الذين يَقتلون إخواننا في الشام وغيرها من بلاد المسلمين؛ فقد يكونون كارهين لتلك الأفعال المشينة ولا يرضونها، وقد قال الله تعالى عن الكافرين الخلَّص: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 8، 9].

والبرُّ: حسن الخلق، والقسط: العدل.

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنكم ستفتحون أرضًا يُذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذمةً ورحمًا»؛ (رواه مسلم).

ذمة: صهرًا.

وفي رواية: «إذا افتتحتم مصرًا، فاستوصوا بالقبط خيرًا؛ فإن لهم ذمةً ورحمًا»؛ (رواه الحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي، والألباني).

والرحِمُ: لكون هاجر أم إسماعيل منهم، وأما الصهر فلكون مارية أم إبراهيم منهم، وكانت سريةً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- أهداها له المقوقس ملك مصر، فلم يتزوجها، فدلَّ هذا على أن الإحسان إلى الأصهار مطلوبٌ، وإن كانوا غير مسلمين، فالمصاهَرةُ تقتضي المزيد مِن الإكرام كالقرابة، فاجعلْ علاقتك بهم محدودةً بالقدر الذي يحقق البر والصلة مِن غير أن تواليهم في دينهم الباطل، وذلك مِن حُسن المعاشرة لزوجتك، وقد أمرنا الله بذلك فقال -سبحانه-: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وقد يكتب الله هداية أصهارك على يديك، والسلام عليكم.

وفقك الله لك خيرٍ

 

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 0
  • 4
  • 43,106

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً